2017-10-23 الساعة 06:13م
من أين أبدأ يا عزيزي ؟ وكيف أصرخ وقلبكَ صامت؟ وماذا سأقول وروحكَ مسجاه بذنب لم تقترفه البتة؟ لا خطيئة أحدثتها يوماً ما غير أنكَ ملأت الآفاق حبأً ونبلاً وسطعتَ شمائلك في الأرجاء وغرست صورة مثالية لكَ في قلوب أُخر, وسطرت حروف اسمك بفضائل لا تحصى ومكارم لا تصدأ , فكيف يتجرأ الغدر لاعتراض خطواتك الندية في مدينة كانت بسمتك فارقة في محياها, وبارقة أمل يرتجيها معوز أو منقطع فتوصله لغايته وتبلغه منيته.
لا أعلم كم من نوايا حسنة كانتْ تدور في خلدكَ, وأنت تقوم بجولتكَ الأخيرة قبل أن تكاد تسقطكَ المنيةُ, وتنهش استقامة روحك؛ فتقعدك مضرجاً بدمائك الزكية, وهل يتغال النور وهو في طريقه ليضيء العتمة ويزيح الستار عن الظلام .
رمزي الجبل: ماءٌ وظلالٌ ووجهٌ حسنٌ, كان له من اسمه معنى, ومن حرفه مبنى شيده بلون الحبِ, وفرادةِ الأخلاق, ونبل القيم, ونكهة الجمال , كنتَ واحداً من الذين ينتحون وجودهم بعمق وإصرار في ثنايانا, وكأن رابطاً ما اتصل بنا مذ عرفناك, فحين مسك ضرٌ كان لأرواحنا نصيبٌ مما لحق بك, فاهتزت أفئدتنا وارتجفت مشاعرنا وأنت تشدها من سرير المشفى .
هل سيدرك مراهق السلاح وهو يذرع المدينة برصاص طائش أن إحداها قد وطئت خلفية رأسك يا رمزي, رأسك المليء بالأحلام الوردية والأفكار البيضاء التي لا تمس أحداً بأذى, آه لو علم ماذا فعل؟ لصبَّ وابلاً من اللعنات على يوم تأبط فيه السلاح, ونهش سكينة مدينة الحلم والسلام تعز, مدينة الحرف والنبل, مدينة كنتَ قلبها النابض وروحها السامقة, وكم ستضيق خناقه حشرجاتك وأناتك ونَفَسَك المتقطع وهو يرتد وخزاً على ضميره ولو بعد حين, وحدها الطلقات تجلب الأنين لصاحبها مهما تباعدت عنه , فما بالها لو كنت يا رمزي ضحيتها؟ .
كنْ قوياً وصارماً يا صديقي واستأنس بزمن قضيته كزهرة تفوح عطراً على من حولك, لا تدع محباً لك يفتقد لمستها ويغرق في الشوق لها, مارس وانتصر على طعنة خائبة ولن تفلح في كسر عودك أو محو أثرك, فنبتك حميري لا ينحني ولا يخنع لغدر عابر, لسنا في مقام نستوعب فيه غيابك, كن بنا رفيقاً واستعيد قوتك وصحتك, فما أظن نبلك يسنح أن تقذف بنا إلى غيابة جب لو مسك الأذى واستقوى عليك الهراء, ولن يخيب الظن بمستأسد مثلك يتوارى بيسر أو ينسحب إلى الظل على عجل .
كلي يقين وثبات أنك ستشرق من جديد, وبك ستتوهج الحالمة قبل بزوغ الشمس, وستطوى التصدعات والشروخ عن قريب لأنها غريبة عن الدار ونائية عن المقام, تعز لا تليق بها إلا ابتسامة عريضة تطلقها في السماء, وإحساس فائض بغواية الحب والسلام بعثرته هنا وهناك بين أزقتها وشوارعها وربما أن الحنين لخطواتك قد أيقظ شعلته في مقلتيها, ولا أخالك ترضى لها بهذا الأسى , وثق أننا نتعافى بك لحظة بلحظة فلا تتردد في النهوض إلينا سالماً معافى , شامخاً مهابا.