أهم الأخبار
فتحي ابو النصر

فتحي ابو النصر

لن تتوقف الحرب بسهولة

2017-11-06 الساعة 02:02م

بإسم الحرب يتقاسمون الأموال والمناصب والسلاح والاعانات والأسواق السوداء. على أن الإنقلاب لن ينجح ولن تنجح الشرعية كما لن تتوقف الحرب بسهولة. بل لن تتوقف الحرب بدون نقد ذاتي وطني حقيقي.. وعلى كافة الأحزاب والقوى عقد إجتماعات لمكاشفات ومناقدات  من أجل تصحيح المسارات وتفعيل المصالحات الداخلية أولا إلى حين لحظة المصالحة الوطنية الكبرى التي لا بد أن تأتي مهما طالت الحرب وتداعياتها الآثمة.. تلك فقط هي طريق الكلفة الوطنية الأقل.. فيما كل القوى أخطأت بمقادير.

 

 

والحال أن أكثر عبارة مضحكة ومفخخة في هذا العالم الحقوقي الداجل هي عبارة "قوانين الحرب". والمؤسف أن

ثارات مابعد الحرب ستكون أسوأ من الحرب. أما خلاصة ماحدث بعد 3 سنوات حرب فهي أن رجالات الحوثي استطاعوا إختراق صالح في صنعاء فيما رجالات صالح استطاعوا اختراق الشرعية في الرياض. غير أن حرب اليمن ستعيد صياغة المنطقة بكاملها. والثابت أن الحرب التي لا تقود إلى الوعي بالدولة والمواطنة يجب لعنها مرتين.

 

وأما من يقولون "كفاية حرب" فهم يقفزون عن جذر المشكلة الأساسية "كفاية إنقلاب". وفي كتابه الشهير "فن الحرب" توصل سون تزو في القرن السادس قبل الميلاد إلى أن "الحروب الطويلة ذات مردود سلبي على نتيجة الحرب نفسها ومعنويات الجنود، بل إن موارد الدولة نفسها لن تواكب نزيف النفقات العسكرية في تلك الحالة". ويضيف الصيني الداهية: "إن كنت تعلم قدراتك وقدرات خصمك، فما عليك أن تخشى من نتائج مئة معركة. وإن كنت تعرف قدرات نفسك، وتجهل قدرات خصمك، فلسوف تعاني من هزيمة ما بعد كل نصر مُكتسب. أما إن كنت تجهل قدرات نفسك، وتجهل قدرات خصمك.. فالهزيمة المؤكدة هي حليفك في كل معركة".

 

تلك البديهيات إن لم تؤخذ في الحسبان تكون وبالا على من يقفزون عليها.

صحيح أن أوروبا بكلها تدمرت تماماً خلال حربين عالميتين فضلاً عن حرب الكاثوليك والبروتستانت قبلها بقرون

لكنها عادت أقوى وتخلصت من نزعات عنفية كثيرة.

 

 

أما العرب فيتعاركون بلا أفق والأنكى اعتقادهم بأن صراعهم نهاية التاريخ وأنهم لن يتصالحوا ويتطوروا يوما ما.

لذلك حين يتم الإعلان بشجاعة ونضج عن تشكيل "حكومة جبر ضرر الحرب"  سيبدأ الحل الضامن للجميع. 

وليس من حل منصف للشعب سوى بحكومة جبر ضرر الحرب تنموياً وإنسانياً وتعميرياً وتعويضياً بدون تمييز مع تأجيل كل الخلافات السياسية لمدة لا تقل عن 5 سنوات.

إضافة إلى إزالة الفوارق والإمتيازات بإلغاء مصطلحي شيخ وسيد وتجريمهما مع نزع السلاح المنفلت خارج الدولة و إدخال نظام البصمة لجيش وطني قادم بمعايير.

 

ولا نبالغ لو قلنا إن عدد القتلى في الحروب اليمنية اليمنية شمالاً وجنوباً منذ الستينيات أكثر من عدد القتلى في فلسطين منذ عام 48.

وكما يقول المثل الإنجليزي " الحرب تكسب بالإرادة ولكنك قد تحارب في اللحظة الخطأ أو في المكان الخطأ ".

 

 

أما خلاصة الإشكالية التي نعانيها يمنياً فسببها السلاح المنفلت خارج نطاق الدولة.. ذلك السلاح المهووس بالعصبوية السلالية والمناطقية معاً. وأما من تسبب بإسقاط الدولة وشق المجتمع وفجر هذه الحرب اللعينة فهي الميليشيات الإنقلابية لا غيرها بلا مواربة ولا خداع ولا تحوير ولا تبرير. ولذلك يقولون "الناس تعبت من الحرب".. لكنهم لا يقولون الناس تعبت من الإنقلاب الذي هو سبب الحرب أصلا. على أن شرعية العوائل والشلل تشعرنا بالفكد والألم لتفاهات وعيها التهافتي الضحل خصوصا والبلد في حالة حرب ومن العيب أن توقع الشرعية يوميا قرارات اسرية وافسادية والناس تموت جوعاً وكمداً.

 

 

ولنكن صرحاء ونعترف أن مايجمع الإنقلاب والشرعية هو انهما يعيشان في برج خيالي، ويتعاليان على الواقع، ولا يواجهان الحقيقة. أخطاؤهما شنيعة، و لا يستوعبان اختلالهما الذي يتفاقم، بينما يبرران ولا يباليان، فضلاً عن أن الفوضى ستظل تقودهما إلى مسارها الإجباري على مستويي الحوار والحرب. لذلك فإن طرف صنعاء سينتحر فقط،  وطرف الرياض سيذهب إلى المجهول.. بمعنى آخر لا الشرعية ستمحو الإنقلاب عبر الحرب ولا الإنقلاب سيمحو الشرعية عبر الحرب،  إلا انه يبقى على الإنقلاب أن يغير نفسه بالحوار، كما على الشرعية أن تغير نفسها بالحوار أيضاً، فلربما حينها يلتقيان عند نقطة واحدة هي اليمن اليمنية.. أما الآن فنحن بين اليمن الإيرانية واليمن السعودية للأسف.. بين الشرعية المرتبكة و الخاوية التي بلا كفاءة وبلا مسؤولية، وبين الإنقلاب الكارثي المعتوه والمتصلب الذي لم يعد يطاق.

 

 

ولئن كانت المشكلة الرئيسية في أن الأطراف الداخلية المتصارعة، معولة على الأطراف الخارجية ذات المصالح المتضاربة في ابدال وتشكيل موازين القوى لصالحها ،  إلا ان هؤلاء -وغالبيتهم بنظرة براغماتية بحتة  -يدركون أن صعوبة حسم الصراع لصالح طرف معين هو ما يقود إلى ضرورة إنهاك أدوات الصراع الداخلية نفسها، ولذا لا يهمهم بالمقابل ما يترتب على اليمنيين جراء استمرار اليمن كساحة حرب مفتوحة -خصوصاً إذا واصلت الأطراف الداخلية نفس مستوى الانانية والجشاعة، متصلبة ومتاجرة بالحرب بلا مشروع وطني جامع ، وهو مايعني رفضها للمراجعات المؤدية لأن تتنازل لبعضها أفضل بكثير من ارتهانها للخارج -وهكذا للأسف يستمر الإستنزاف  للجميع في حين تبقى البلاد معلقة إلى هاوية فقط، إلى أن يتم الإتفاق طبعا، فيما بين أطراف الخارج على شكل وكيفية إدارة مصالحها الكبرى والاستراتيجية في البلاد، ومن ثم منح وكلائهم الداخليين الفتات وفق شراكة في سلطة دولة منهارة ومجتمع مفكك، غير آبهين طبعا بالثمن الفادح الذي دفعته اليمن بسبب هذا الصراع المدمر والمأساوي.. أما أخطر ما في عدم اتفاق الأطراف الخارجية- خصوصاً في ظل وجود أطراف خارجية بنظرة طائفية متعصبة -  فيتمثل في ظهور أطراف داخلية أكثر وحشية من وحشية الأطراف الداخلية المضادة .. وهكذا ، مايعني إستمرار الصراع أيضا بين السلطة القادمة وهذه الأطراف التي معظمها كونتها الحرب وتكرست كنتيجة عكسية لتصالح الأطراف الرئيسية ..وهكذا.

 

 

 

وأما في حال تنصل هذه الأطراف عن التزاماتها للأطراف الخارجية، فمن البديهي أن يتم إستخدام تلك الأطراف الجديدة ضدها. لكن مع الأخذ في الإعتبار حدوث ضغوطات متزايدة على الجميع- وبالذات جراء طول الصراع وانحرافه عن المقاصد المرسومة سلفا أو إرتفاع كلفته أو تبدل أولويات المصالح الخارجية - فلابد ان نشهد تحولات حادة في حسابات وتحالفات هذه الأطراف ،  ثم سرعان ماتتشكل اتجاهات أخرى للصراع ، أو أن يتم ترجيح كفة طرف على الجميع، وهكذا.!

 

والحاصل أن اليمن ليست على ما يرام منذ سبتمبر 2014 وما كل ما حدث من انهيارات وكوارث إلا بإعتبارها تداعيات وتبعات لمزاج التفرد والاستئثار.. وهكذا: مرورا بتفاقم نذر الحرب الأهلية والتدخل الخارجي وما احدثاه من نكبات لاتحصى  إلخ.

 

 

أما الآن وبعد كل المغامرات والرهانات الأنانية والهمجية التي لاتجدي :هل سيعود اليمن مستقرا؟ هل ستعود شخصية واعتبارية اليمن المفقودة ليتعامل معها العالم كما ينبغي. ؟

 

 

هل سيحدث الإجماع السياسي لإيقاف الحرب وإستعادة كيانية الدولة  واحلال السلام الضامن ..فضلا عن تحرير حياة اليمنيين المرتهنة لما يمليه مزاج المتغلب الذي لايأبه بمصالح الناس .!

ثم ماذا بعد كل هذا الطيش الدموي والافسادي التخريبي وذرائعيته العجيبة التي لم تعد مستساغة على الإطلاق.؟

يكفي ياهؤلاء:  الناس يريدون العودة لحياتهم الطبيعية ولو ببطء . فيما ملف السلام أثقل من ملف الحرب، ولكنكم تراوغون وتتغافلون بالمحصلة.

 

* مقال خاص بالمصدر أونلاين

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص