2017-11-30 الساعة 02:16م
يبدو المخلوع صالح مثيرا للشفقة في هذه الأثناء، وهو يمضي نحو نهايته المأساوية المحتومة. يسعى من خلال حقده الدفين على ثورة 11 فبراير السلمية إلى تجريد ذاته وضميره وإنسانيته، ليسلم مؤسسات ومعسكرات الدولة التي كانت تدين بالولاء له -بدلا عن الوطن- لمليشيا الحوثي الطائفية.
دخل في مواجهة مفتوحة مع الشعب الذي رفضه وأعلن في ساحات الحرية والتغيير طيلة عام 2011 أن صالح ونظامه بات من الماضي، ولم يعد له مكانا في مستقبل اليمن الجديد، ليتكشّف لليمنيين أن المخلوع جعل من حكمه للبلاد لثلاثة عقود مصدرا لثراء فاحش وتأسيس نظام عصبوي فاسد.
أولى مهامه تكوين جيش مناطقي ولاؤه الأول الأخير له، وتأسيس شبكات تهريب متعددة المهام -أسلحة، ممنوعات، آثار-، وتغذية النزاعات وتأجيج الثأرات بين القبائل اليمنية، وتعزيز ثقافة النهب والسطو والفساد والمحسوبية في كل مرافق الدولة، والسيطرة الكاملة على موارد الدولة المختلفة، وبناء ثروة هائلة تقدر بـ 60 مليار دولار تخطّفَها المخلوع من أفواه البسطاء والمحرومين ومن خيرات وطن جعله في مصاف الدول الأكثر فقرا في العالم، إضافة إلى تمكين الدولة لنفوذ السلاليين الإماميين في المناصب الهامة -القضاء، المخابرات، السلك الدبلوماسي، الجيش-؛ لينتفض الشعب ويقرر الوقوف أمام عنجهيته وفساده ومسلسلات الصراع التي يحاول جاهدا استمرارها لتلتهم السلام والدولة معاً غير مدرك لمآلات اللعب بالنار والذي انتهى به المطاف إلى هارب بين أقْبية وملاجئ صنعاء.
روح المقاومة وقيم الحرية والنضال المتقدة بالكرامة، مكّنت اليمنيين في دحر مليشيا صالح والحوثي من معظم المناطق اليمنية وباتت ٨٠٪ من أراضي اليمن محررة وتخضع للسلطة الشرعية.
·
يزداد سُعَارُه يوما بعد آخر نحو إهلاك المزيد من قادته العسكريين وآلاف الجنود المغرر بهم في حربه العبثية ضد اليمنيين، إرضاء لرغبته المشبعة بالانتقام والمتسخة بالإرهاب والجريمة، وتحقيقا لتهديداته المتكررة بأن يحول اليمن إلى قنبلة موقوتة إبان ثورة فبراير السلمية التي كتبت على نعش نظامه الفاسد شهادة الوفاة رغم المحاولة المتكررة لأعداء الربيع العربي وقوى ودوّل الثورة المضادة إعادة ترميم نظامه والالتفاف على مكتسبات الربيع، والذي تمثل في تمكين مليشيا الكهف الحوثية وتذليل الصعاب لها للسيطرة والانقلاب على الدولة والعملية السياسية.
غير أن روح المقاومة وقيم الحرية والنضال المتقدة بالكرامة وبمساندة الأشقاء، مكّنت اليمنيين في دحر مليشيا صالح والحوثي من معظم المناطق اليمنية وباتت ٨٠٪ من أراضي اليمن محررة وتخضع للسلطة الشرعية، في ظل استمرار معركة التحرير ومقتل الآلاف من قيادات وأفراد مليشيا المخلوع والحوثي سواء تلك التي ظل المخلوع يدربها ويعمل على إعدادها وتجهيزها طيلة العقود وخاصة ضمن تشكيلات الحرس الجمهوري التي يقودها نجله الأكبر حيث منحها امتيازات عن بقية الجيش على مستوى التسليح والدعم المالي والتدريب القتالي وتعزيز الولاء المطلق لدى أفرادها للمخلوع صالح حتى عقب خلعه..
الأمر الذي استدعى ضرورة هيكلة الجيش على أساس وطني وإقالة نجله وأقاربه الذين تغولوا في مؤسسات الجيش الهامة، الأمر أدى إلى استخدام المخلوع آخر حيله الخاسرة والتي تمثلت في تمكين المليشيا الحوثية من ابتلاع مؤسسات الدولة والانتقام من قوى ثورة فبراير وعلى وجه الخصوص حزب الإصلاح الذي كان له الحضور الأبرز والمؤثر في بوصلة الثورة الشبابية الشعبية السلمية وفعالياتها وعنفوان مطالبها التواقة للحرية والكرامة والعدالة، وبمشاركة القوى اليسارية وغيرها من الأحزاب والفعاليات والنقابات المختلفة..
بالإضافة إلى القبائل اليمنية التي منحها الربيع العربي فرصة التعبير عن تطلعاتها المنشودة في تأسيس دولة النظام والقانون العادلة التي تضمن لهم العيش الكريم، خصوصا بعد أن وجدت المخلوع مستمر في العبث بها وبمصائرها، حيث عَمَد على تغذية الصراعات فيما بينها في محاولة خبيثة لاستنزافها ومن ثم السيطرة عليها وكبح جماح مطالبها في التعليم والصحة والخدمات الأساسية.
تتساقط أوراق المخلوع صالح تباعا ليجد نفسه عاريا من أي نفوذ أو تحالفات أو ولاء أو نخب أو قبائل حتى أولئك الطائفيين الذين سلم لهم الدولة بقضها وقضيضا يسعون إلى تجريده من أي نفوذ عسكري، مدني، إعلامي، قَبَلي ليساهموا أيضا في طي صفحته رغم أنه منحهم كل أوراقه من مساندة ودعم على كافة الصعد العسكرية والأمنية والمادية، حيث أوكل إلى مناصريه الانخراط في الحركة الحوثية وتعزيز سطوتها وجرائمها وتوسّعها وسيطرتها.
يطمح اليمنيون رؤيته "صالح" قريبا يتجرع مرارة السقوط والهزيمة المحققة التي تمكّنهم من استعادة دولتهم ومحاكمة من تسبب بعذاباتهم ومعاناتهم وآلامهم.
·
غير أن مخاوف الحوثية منه يتنامى يوماً بعد آخر، فالتحالف الانقلابي الذي قام على أساس السطو على الدولة ومؤسساتها والاعتداء على كرامة وحياة اليمنيين وتمزيق النسيج الاجتماعي وتدمير فرص السلام والتعايش، بدأ في التصدع والانهيار في ظل الخسائر المتتالية التي فقد فيها الكثير من قادته العقائديين الطائفيين، وبات في مرمى التهالك والمضي نحو الهزيمة المحققة، وسط ضربات موجعة وتآكل مستمر للمناطق التي تخضع لسيطرتهم واقتراب موعد استعادة صنعاء وتحريرها من قبحهم ولصوصيتهم ونهبهم المنظم لموارد الدولة ومؤسساتها، الى جانب الحفاظ على شرف وهيبة الوطن الذي حوله المخلوع والحوثي إلى مجرد ورقة متداولة بيد إيران الفاجرة تلعب بها متى شاءت.
وعلى نحو متسارع تتهاوي تحصينات المخلوع الذي أوهم نفسه وأتباعه ومن بقي في فلك الطاعة العمياء أنها منيعة أو عصية على سيناريو السقوط، على الرغم من أنه استمر في بناءها ثلاثة عقود ونيف بثقافة المصالح والاستمالة بالمال والمناصب وغيرها من الأساليب التي تنتهجها عادة الأنظمة المستبدة ذات الطابع الشمولي التي يتحكم في مصيرها الفرد الموبوء بالتسلط واللصوصية والإرهاب، ليجد نفسه محاصرا بشعب توّاق بالتضحية والنضال والكفاح المستميت من أجل الانتصار للذات اليمنية وإلحاق الهزيمة الساحقة بتحالف انقلابي إرهابي.
يطمح اليمنيون رؤيته قريبا يتجرع مرارة السقوط والهزيمة المحققة التي تمكّنهم من استعادة دولتهم ومحاكمة من تسبب بعذاباتهم ومعاناتهم وآلامهم، وبناء وطن يكفل لهم الحرية والحياة الكريمة.
*مدونات الجزيرة