2015-03-11 الساعة 08:05ص
كان شقيقي ملتاعاً في سؤاله عن مكان (اختطافي) إلى أحد عناصر "أنصار الله" الحوثيين الذي رفع حاجبيه استنكاراً لمفردة "اختطاف" مُصححاً ذلك بقوله : قل أخذوه ، ولا تقل خطفوه ! . كان ذلك قبل ثلاثين يوماً ما زلت فيها أسيراً بداخل أسوار السجن المركزي بمدينتي الغاضبة "ذمار" ، وإلى اللحظة لم يثبت عليّ شيئاً واضحاً يدين اجرامي ويمزق نزاهتي و سوء تصرفاتي كمخلوق بائس وبشع وأصلع !.
- يعتقد "انصار الله" الحوثيون أنهم نزلوا مع المطر فأحيوا الأرض بعد موتها ! ، هبطوا قبل آدم ، وخـُلقوا من المُـزن ! ، وأن صرختهم أيقضت الكافرين من ضلالتهم فأسلموا ، وأن "أميركا" ترتجف كلما تناهى لسمع مكوكها الفضائي صرخة أهل الكهف ! ، كرجفة "أبي لهب" إن تلى عليه صحابي سورة المسد !.
- اختطفوا "بن مبارك" وأصروا أنه "توقيف" وليس اختطاف ! ، نهبوا كل مسمار بداخل جامعة الإيمان وقالوا ببراءة الإطفال : إنه غنيمة ! ، استخدموا طابعتي لتصوير ملازم مولد النبوة دون إذني وتحدثوا عن النواصب و علاقتي بالخوارج ، صرفوا من مال الأمة على احتفالاتهم وأئمتهم و شهدائهم الذين ماتوا صغاراً كالعصافير ، ودونوا ذلك الموت والحروب الست كمؤهل يوازي الدكتوراه في معايير شغل الوظيفة العامة ! .
- قلت لسائق السيارة التي اقتادتني الى سجن الحوثيين : أنت تختطفني ! ، فتفاجئ كل الفتية المسلحين الذين جلسوا على المقاعد الخلفية ، وطالبوني بسحب عبارتي ! ، وقال "أبو سلمان" هذه ليست أخلاقنا ! ، فماذا نسمي اقتحام سبعة مسلحين لمتجري وأنا أعزل أستعد لتناول وجبة الإفطار ، فتقطع الطريق سيارة "سنتافي" رمادية اللون ، وأجبر على ركوبها و أحد الخاطفين يعاتبني لأني لم أخرج ليلاً حين كان ينتظرني ورفاقه لتنفيذ عمليتهم الإيمانية ! ، هل ترون أني بشع كفاية لأجعل هذا "المجاهد" يعاني برد "فبراير" في انتظار خروجي ليلاً من منزل جارنا كعادتي اليومية ، فأمكث بدارنا ولا أخرج إلا صباحاً ، أنا اعتذر أيها المؤمنون ! .
- وصلت بمعية "الخاطفين" الى ما كان يطلق عليه نادي فتح الرياضي والثقافي وقد صار مقراً لنزاعات شكاوى "الحوثيين"، استقبلني شاب قصير وبدين قال ساخراً : أهلا ببطل الفيسبوك ! ، صافحته بحرارة ، وشكرته على اعتباري بطلاً وإن في العالم الافتراضي ! فقبل اربعة أعوام إختارني الرياضيون لشغل موقع المسؤول الاعلامي بنادي فتح العريق ، كانت لي غرفة شرقية بداخل المبنى الجديد وأثاثاً أنيقاً و جهاز حاسوب ، قبل ستة أشهر فتح الحوثيون مدينتي ، دخلوا من بابها اليتيم وعبروا ككل العابرين ، لم يعترضهم أحد ، لم يسألهم جندي عن مصفحاتهم المدرعة التي شقت طريقها بإتجاه مدينة "رداع" لقتال من قيل أنهم "القاعدة" ، والخوارج .. افتقدت اصدقائي رجال المرور ، ترجلت من سيارتي وسألت فتىً أحول وألثغ كان مهتماً بتنظيم حركة السير : أين العسكري ! ، نظر إليّ حتى ظننت أنه يحدث شخصاً ورائي : عسكر من ياعزي ؟ معك أنصار الله ! .. وكانت مفاجأة .. في الليلة الماضية استلقيت على فراشي و في مدينتي محافظ ومدير أمن وقائد شرطة و جنود كالنمل و ثلاثة معسكرات و مخبرين و مشايخ مغرورين .. صحوت وقد تلاشوا ، اختفوا ، مزقتهم رشى المساء فأخذتهم الصرخة فأصبحوا في ديارهم جاثمين! .
- اختار الحوثيون توصية متزلف لعين لفت اهتمامهم بمقر نادينا الرياضي ، فدخلوه كما دخلناه أول مرة ، و انتهى بي الأمر سجيناً بداخله و لأنهم مؤمنون أصروا إلا أن تكون غرفتي "سابقاً" مكاناً لاحتجازي ، كيما أشعر بالألفة في داخلها ! ، ما أنبلهم و أقسانا !.
- بعد ثلاث ساعات طرقت باب سجني وشكوت جوعي ، أجابني "أبو مراد" من خلف الباب : انتظر .. بقي ساعة و نتناول الغداء !، قاومت جوعي على أمل أن يأتوا إليّ بعجل سمين ، فهكذا يعامل المُختَطَفون في أعراف القبائل وأسلافها .. بعد ساعتين ونصف دخل شخص نحيل وملتحٍ عرفت أنه مسجون بغرفة مجاورة منذ شهر وفي يده طعام مقزز بداخل أكياس حمراء ملطخة بالزيت الأسود .. نصف فخذ دجاجة ، أرز بارد ، عصيد بلا مرق ، وطبيخ له رائحة جوارب نتنة .. أكلت بعض الأرز ، فيما تكفل حراس المبنى بإلتهام الغداء في غمضة عين ، يالتعاستي .. أنا جائع وغاضب ! ، استلقيت على فراشي المتسخ مرة أخرى وكان البرد قارساً على غير العادة ، حاولت النوم و هم يسألونني : هل صليت ؟ أجبت ساخراً : لقد اختطفتم كافراً مع الأسف ! ، وفي هذه كانوا أفضل من "داعش" فلو سخرت عندهم بهذا القول لطار رأسي بسكين مجاهد متحمس في سبيل الخليفة البغدادي ، غير أن أخلاق "أنصار الله" لا تسمح لهم بحز الرؤوس ، تخصصهم في أشياء أخرى مثل الاختطاف ، التفجير ، اكتساب الاطقم العسكرية كـ "غنيمة" ، وفي مدينتي "ذمار" يكشف مشرف لجان "الحوثي" هوايته الرياضية بإتخاذه مقرات الأندية والأستاد الرياضي أماكن لأعمال لجانه و مقرات أمنية لجماعته تغلب أقسام الشرطة الرسمية ، وتلغيها فعلياً .
- جاؤوا اليّ بكرتون كبير تتكدس بداخله أوراق مكتوب عليها تعليمات لسائقي مواكب المولد النبوي ، ولجان الحماية .. و مئات (الملازم) المنقولة عن سيدهم الراحل : حسين الحوثي .. اهدوني منها ثلاثاً وشجعوني على قراءتها فقد يرق قلبي ، وأنطق الشهادتين ! .
- قالت الروايات أن "المسيح" سيهبط من السماء في آخر الزمان لمواجهة "المسيخ" ، كان للمسيح حواريين يوصفون بأنهم "أنصار الله" ، أحد الحواريين الاثنا عشر إسمه "يهوذا" خان نبيه ووشى به الى اليهود فقبضوا عليه وعذبوه الى أن حرره الله منهم وتوفاه ورفعه إليه .. مات بقية الحواريين ، وبعد مئات السنين والقرون هبط مطر من السماء على جبل "مران" بمدينة صعدة اليمنية ، وفي داخل كل قطرة توجد بذرة انبتت سبع سنابل ، وفي كل سنبلة سبعة من المخلوقات الشبيهة بالبشر .. جاؤوا مع المطر وتكاثروا ، فمهما فعلوا ليس عليهم جناح ولا ذنب ولا جريرة ، كل ممنوع في "القرآن" حلال عليهم وله تفسيره في الملازم المقدسة ، كان لهم "مسيرة" خطواتها بالبارود والرصاص و الابتسامة الصفراء ، يلتهمون كل شئ بوصفه "غنيمة" ، ولايدفعون "الخـُمس" منها كما يأمروننا ، فهم مجاهدون مثواهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ، سلام عليهم يوم حملتهم السحاب و يوم أمطرت بهم ويوم هبطوا ويوم اختطفوني أعزلاً فأصبحت بنعمتهم متهماً وأسيراً .. اللهم حوالينا ولا علينا ! .
.. والى لقاء يتجدد
---------------
6 مارس 2015م - السجن المركزي بمدينة ذمار - اليمن