2018-01-22 الساعة 06:54م
الحوار عموما هو نهج حضاري وإنساني ومبدأ إسلامي أصيل ولا يرفضه عاقل محب لوطنه هذه بديهة لا نقاش فيها ولكن في أي فعالية أو جلسة حوار أو مؤتمر حوار وطني فالعبرة بما يصدر عن المؤتمر وما يثمر عنه مخرجات وقرارات وما يطبق في أرض الواقع ويلمس الناس أثره الإيجابي .
وقد شهدت اليمن خلال الأعوام الماضية تجربة هامة في الحوار الوطني السياسي الشامل حيث أنعقد " مؤتمر الحوار الوطني " في اليمن بتأريخ 18 مارس آذار عام 2013م لتستمر جلسات هذا المؤتمر لمدة عشرة أشهر حيث أختتم المؤتمر أعماله في 25 يناير كانون الثاني 2014م وبحفل كبير وبحضور إقليمي ودولي وفي ظل إجراءات أمنية مشددة وبمشاركة وفود دبلوماسية رفيعة المستوى من دول مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية والدول الراعية للمبادرة الخليجية والأمم المتحدة .
وقد صدرت عن مؤتمر حينها الحوار وثيقة " مؤتمر الحوار الوطني الشامل " والتي روج لها على أنها تتضمن الحلول المناسبة لكل مشاكل اليمن وكان الأصل أنه طالما قد ألتقى كل أبناء اليمن في مؤتمر الحوار ــ كما يقول البعض من المتحمسين لتنفيذ مخرجات الحوار ــ وطالما قد تناقشوا واختلفوا واتفقوا ووصلوا إلى مخرجات محددة أتفقوا عليها ، طالما قد حدث هذا فالأصل أن يمضي أبناء اليمن في حل مشاكلهم وتنفيذ ما اتفقوا عليه وأن تمضي سفينة اليمن إلى بر الأمان والسلام والتنمية والاستقرار لكن ما الذي حدث بعد ذلك ؟!!
بدلا من تطبيق مقررات ومخرجات مؤتمر الحوار التي اتفق عليها من شاركوا في مؤتمر الحوار مضت اليمن نحو الحرب وضياع الدولة والتدخل العسكري من قبل التحالف العربي وعملياته العسكرية في اليمن من عاصفة الحزم إلى إعادة الأمل إلى ضياع الوطن إلى تشرد الملايين من أبناء اليمن في الداخل والخارج إلى كل المآسي التي حدثت والتي ما تزال تحدث ومع هذا ما يزال البعض يطالب بتنفيذ مخرجات الحوار .!
• مع مخرجات الحوار ولكن
شخصيا العبد لله مع تطبيق وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ولكن بعد أن تحال إلى لجنة وطنية من الشخصيات الوطنية المتخصصة لتنقيحها ومراجعتها وإصدارها من جديد بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية والمصلحة الوطنية وإزالة ما تضمنته وثيقة مخرجات مؤتمر الحوار من ألغام ومطبات تؤسس لإشكاليات مستقبلية ومن ثم إصدار قرار جمهوري بعرضها على أبناء الشعب اليمني ليتم الاستفتاء عليها في استفتاء شعبي وفي ظروف مناسبة وإن أيد أغلب أبناء اليمن هذه المخرجات فمع تطبيقها بشكل مؤسسي ومدروس واستراتيجي وأعتقد أن هذا هو المسار الصحيح لتطبيق هذه المخرجات أما المطالبة في تطبيقها ونحن في هذه الظروف أو الشروع بتطبيق جزئيات منها قبل أن يتم إقرارها من قبل الشعب فتلك مغالطة مكشوفة لكل ذي عينين إذ أن تطبيق مخرجات الحوار الآن لا يمثل أولوية قبل استعادة الدولة وإنهاء الحرب وتضميد الجراح المفتوحة ومعالجة المشاكل التي تمثل أولوية عاجلة وماسة .
• المشكلة الكبرى في اليمن
تمثل الأوضاع الراهنة من حرب مستمرة وانقسام حاد واقتصاد متردي وواقع معيشي صعب وغياب للدولة وللسلام والأمن والاستقرار أكبر عائق أمام أبناء اليمن وعند حديث النخبة اليمنية عن حلول لمشاكل اليمن يصطدم الجميع بالتدخلات الإقليمية والدولية والتي تطيل من أمد الحرب وتعرقل الحسم العسكري وتجعل الوضع في اليمن يراوح بين حرب استنزاف طويلة الأمد تنهك كل الأطراف حتى يقبل الجميع في نهاية المطاف بسيناريو جاهز ومعد سلفا .
ولماذا كل هذا ؟!
والجواب لأن لكل جهة إقليمية ودولية حساباتها ومصالحها وأجندتها وحتى اللحظة لم تصل جميع هذه الأطراف إلى اتفاق فيما بينها على إنهاء الحرب في اليمن بأي شكل من الأشكال .
لا يجادل أحد على أن التحالف العربي بقيادة السعودية لديه إمكانيات ضخمة عسكرية ومالية وأوراق مؤثرة ولو أراد أن يعجل بالحسم العسكري لحسم المعركة في اليمن خلال أسابيع إن لم نقل أسبوع لكنه تحول من طرف يقاتل لإعادة الشرعية إلى مدير للأزمة الراهنة يدير الصراع بين الأطراف فإذا تقدم الجيش الوطني والمقاومة وخرجوا على المعركة المرسومة لهم والمنطقة التي يريد لهم البقاء والمراوحة بها والدوران فيها كجمل المعصرة قصفهم بطائراته وأوقف تقدمهم وإذا وجد أن القوات الموالية للحوثيين قد تقهقرت أمدها بأسباب التقدم والبقاء بمختلف الأشكال سرا وعلانية وسيظل هذا هو الحال حتى تتفق الأطراف الإقليمية والدولية على سيناريو جاهز ومعلن وعلى الشخصيات التي تدير المرحلة والأجندة التي تعمل بها .
مشكلتنا الكبرى هي تحول الشأن اليمني إلى شأن إقليمي ودولي وارتهان كافة الأطراف للجهات الخارجية بشكل أو بآخر وتحول اليمن إلى بلد تحت وصاية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والدول الكبرى والدول الإقليمية المؤثرة كالسعودية والإمارات .
لو أمتلك أبناء اليمن قرارهم دون تأثير من أي جهة خارجية لربما اتفقوا خلال أسبوع واحد لكن أصبح القرار بأيدي غيرهم وما عليهم إلا أن ينتظروا متى يتفق الأخوة والأعداء على سيناريو جاهز ومعلن لليمن وعلى الشخصيات اليمنية التي يثقون بها لإدارة المرحلة القادمة والأجندة التي ستعمل بها وحتى ذلك الحين ستظل حرب الاستنزاف متواصلة والجبهات مفتوحة دون أي اختراق لطرف أو تقدم كبير لجبهة .
• عودة إلى مخرجات الحوار
يرى البعض بأن مخرجات الحوار بشكلها الراهن هي الحل الوحيد الجاهز لحل مشاكل اليمن وهي الوثيقة التي أجمع عليها أبناء اليمن وهي التي ستخرجنا إلى بر الأمان وشاطئ النجاة ووو ألخ
وهؤلاء لهم كل الحق في التعبير عن أراءهم ومواقفهم هذه ولنا أن نناقشهم فيها بهدوء طالما وهي قضية وطنية مفتوحة للنقاش وليس لنا سوى الكلمة والتعبير السلمي عن الرأي الذي نراه ولذا نقول إن أبرز الإشكاليات التي سعى مؤتمر الحوار لحلها هي قضية الجنوب وصعدة وقضايا احتكار السلطة والثروة والمركزية المالية والإدارية الشديدة وسوء الإدارة وكلها أسبابا أدت إلى الاحتقان الشعبي والثورة السلمية وهذه الإشكاليات لم تنتج بسبب غياب النصوص القانونية والدستورية التي تجرمها أو بسبب غياب الرؤية الرشيدة لدى السلطة حينها لحل المشاكل في الجنوب وصعدة وإنهاء المركزية واحتكار السلطة والثروة وسوء الإدارة والفساد المالي فالمشكلة ليس في النصوص والحلول المكتوبة بل لقد كان هناك دستور نافذ وقوانين وبرامج انتخابية وخطط ورؤى ودراسات لخبراء ولمتخصصين لحل مشاكل احتكار السلطة والثروة والمركزية والفساد وأنفق عليها الملايين من الدولارات وتم رميها في الأدراج وظلت حبرا على ورق طالما وقد غابت النوايا ولم تتوفر الإرادة وغابت الدولة بعدالتها ومسؤوليتها والحال اليوم مثل الحال أمس ليست المشكلة في غياب الحلول المكتوبة والخطط والمبادرات والوثائق فهذه أكثر من الهم على القلب ولكن أين التطبيق وأين الإرادة والإدارة ؟!!
• انموذج الرئيس الحمدي رحمه الله
يرى الكثير من المثقفين والمواطنين على ان الرئيس الراحل ابراهيم الحمدي يمثل أروع رئيس حكم اليمن الشمالي ويقابله في الجنوب الرئيس الراحل سالمين رحمه الله والرئيس الحمدي مثال واضح على أن إذا كان رأس الهرم السياسي وعلى قيادة الدولة رجل مخلص يريد مصلحة وطنه وشعبه فإن شكل الدولة وشكل الحكم وشكل نظام الحكم يصبح أمرا ثانويا بكل المقاييس لأن مشاكل احتكار السلطة والثروة والمركزية والفساد لا تحل بإقرار أقاليم وفيدرالية بقدر ما تحل بوجود الدولة العادلة التي تطبق الثواب والعقاب والنظام والقانون على الجميع وتوجد الفرص المتساوية وتكفل الحقوق والحريات فمشكلتنا في اليمن لم تكن في الدستور حتى نأتي بدستور جديد مستمد من مخرجات الحوار بل لقد كان الدستور اليمني من أفضل الدساتير في العالم بشهادة الكثير من أساتذة القانون الدستوري بل كانت المشكلة في عدم تطبيقه وفي مخالفته وبمعنى اوضح الدستور اليمني النافذ لا يعطي للرئيس وللمسئولين صلاحية لممارسة احتكار السلطة والثروة والمركزية والفساد بل هو يجرم هذه الممارسات والسلوكيات ولكن المشكلة أنه لم يتم تطبيقه فالعبرة ليست في النصوص بل فيمن يطبق روح النص ويحب وطنه بلا تأثير خارجي ولا مزايدة داخلية .
وختاما نقول مخرجات مؤتمر الحوار يمكن أن تكون خارطة طريق لحل مشاكل اليمن إذا تمت مراجعتها بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية والمصلحة الوطنية وإزالة ما تضمنته من ألغام ومطبات تؤسس لإشكاليات مستقبلية أما المطالبة بتطبيقها بهذا الشكل فهذا رأي لكم لكن تطبيقها بهذا الشكل فهذا اغتصاب لإرادة الشعب ولن يكون ولن تمر .