2018-02-01 الساعة 06:22م
لم تكن الأحداث التي شهدتها مدينة عدن خلال الأيام الماضية بعيدة عن تفاصيل المشهد اليومي المعيش في اليمن، إذ تبدو الانقسامات علامة فارقة في طبيعة ذلك المشهد سياسياً وعسكرياً. فكما حدث في معسكر الانقلاب في صنعاء، حيث دخل الحليفان الحوثي وصالح في معركة انتهت بمقتل الأخير، شهدت عدن قتال خصوم الحوثيين في عدن، الأمر الذي لم يحسم لصالح أي من الطرفين، بعد أن تدخلت الرياض لفرض هدنة، وألزمت القوات بانسحابات أدت إلى عودة الهدوء إلى المدينة.
حالة التشظي التي يمر بها المشهد اليمني، هي نتيجة طبيعية لطول فترة الحرب، إذ أن طول الفترة، تحول الحرب إلى تجارة رابحة، الأمر الذي يجعل الشركاء والحلفاء يتحولون إلى خصوم يتشاكسون عند حساب الربح والخسارة. ومع تطاول مدة الحرب في البلاد تشهد اليمن على المستوين العسكري والسياسي إعادة تموضع بالنسبة للقوى المختلفة المشاركة فيها. وكما تعيد القوات تموضعاتها على الأرض، فإن المكونات السياسية تسعى إلى نوع من التحالفات المتحولة، بعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح على يد حلفائه الحوثيين، غير أن المتأمل في التحالفات والتحالفات المضادة يخرج بنتيجة تشير إلى أن تلك التحالفات في مجمل صيروراتها لا تعكس المصلحة الوطنية العليا لدى الحلفاء والخصوم، على حد سواء.
وخلال الأيام الماضية اندلع في مدينة عدن جنوب اليمن صراع بين طرفين، أحدهما يتمثل في القوات الموالية للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، المعترف به دولياً، والآخر متمثل في القوات الموالية لعيدروس الزبيدي محافظ عدن السابق، الذي أقاله هادي من منصبه، الأمر الذي دفعه إلى تأسيس ما يسمى بـ "المجلس الانتقالي"، المناوئ لهادي، والذي يحظى برعاية دولة الإمارات العربية المتحدة الشريك الثاني في التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن.
وهنا تبدو عبثية المشهد السياسي والعسكري في البلاد، فأبوظبي هي القوة الثانية بعد الرياض في التحالف العربي، الذي يهدف إلى «إعادة الشرعية» في اليمن، وهي – في الوقت نفسه – راعية مجلس عيدروس الزبيدي، الذي قاتل خلال الأيام الماضية قوات الشرعية اليمنية في عدن، في ضرب من التناقض الذي يكثف حالة التداخل والتضاد، والصيرورة الدراماتيكية في المشهدين العسكري والسياسي في اليمن. ليس من قبيل إذاعة الأسرار أن العلاقة بين الرئيس هادي والإماراتيين في أسوأ حالاتها، وأن العلاقة بين أبوظبي وحزب الإصلاح اليمني لم تتحسن، على الرغم من اللقاء الذي جمع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد برئيس حزب الإصلاح اليمني محمد اليدومي وأمينه العام عبدالوهاب الآنسي، في الرياض وبرعاية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ويبدو في كثير من المنعطفات أن أبوظبي لا تزال عند حالة من التوجس إزاء حزب الإصلاح كامتداد لحركات الإسلام السياسي في العالم الإسلامي، التي ترى أبوظبي فيها خصماً خطيراً يجب مواجهته، وهذه الحال من الخصومة بين من يفترض أنهم حلفاء ضد «الانقلاب الحوثي» ألقت ظلالها بشكل كثيف على المسارات العسكرية في كثير من المناطق التي تتواجد فيها مقاومة محسوبة على الإصلاح، حيث لا ترغب أبو ظبي في التعامل معها، وهو ما يعد سبباً ضمن أسباب أخرى أدت إلى تأخر الحسم. وهنا تبدو الرياض في وضع تسعى من خلاله للحفاظ على الحليفين المتنافرين المتمثلين في مؤسسة الرئاسة وحزب الإصلاح من جهة، والحكومة الإماراتية من جهة أخرى.
وقد ظهر موقف الرياض جلياً في الأحداث الأخيرة التي شهدتها عدن. ففي الوقت الذي تدعم أبوظبي قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي في عدن، آثرت الرياض الضغط على «الحلفاء المتشاكسين» لوقف إطلاق النار، محققة بذلك عدداً من النقاط المهمة، وفي مقدمتها الظهور بمظهر المؤيد القوي للشرعية اليمنية، والوسيط الموثوق لدى هؤلاء الحلفاء المتشاكسين، الذين تريد الرياض توجيههم نحو المعركة الحقيقية التي تهمها، وتهم الشرعية اليمنية، وهي معركة إسقاط الانقلاب الحوثي في صنعاء، والمدعوم من طهران، التي تعد العدو اللدود للرياض، ولعدد كبير من البلدان العربية المتوجسة من نزعة الهيمنة لدى حكام طهران.
واليوم وقد هدأ غبار المعارك في عدن، وقد سجلت الرياض نجاحاً نسبياً بوقف إطلاق النار، ينبغي أن تنظر الرياض في الأسباب الجوهرية التي أدت إلى اندلاعه، والتي هي أسباب سياسية تدور حول مناطق النفوذ في عدن والجنوب اليمني، وإن تذرعت بذرائع انتشار الفساد في الحكومة اليمنية. هذا النفوذ الذي يبدو أن الصراع عليه يعد كذلك سبباً من أسباب تباطؤ الحركة باتجاه تحرير ما تبقى من مناطق تحت سيطرة الحوثيين، بما في ذلك العاصمة صنعاء.
وهنا ستجد الرياض نفسها ملزمة بإيجاد حل للخصومة النكدة بين حلفائها المتشاكسين، وما لم تتم دراسة أسباب الخصومة بين الحلفاء بشكل شفاف، فإن جولة أخرى من المعارك لن تكون بعيدة. وهنا تبدو أهمية أن يعاد رسم حدود العلاقات والمسؤوليات بين الحكومة اليمنية من جهة، والتحالف العربي من جهة أخرى، بشكل يحدد الأدوار المطلوبة من جميع المنضوين تحت يافطة التحالف، ويعيد تعريف المعركة في اليمن، على أساس أنها معركة اليمنيين والعرب ضد انقلاب طائفي مدعوم من دولة لها أطماعها الواضحة في البلدان العربية، وتريد أن تصل إليها عن طريق بث الفوضى الطائفية وملشنة الدول والمجتمعات العربية، والتمكين لمليشياتها للتحكم في مسارات الأحداث سياسياً وعسكرياً في اليمن وغيره من البلدان العربية المثخنة بجراحات حروب الأصدقاء ومكايدات الأعداء على حد سواء.