2019-10-31 الساعة 03:39م
حسنا فعلت المملكة العربية السعودية في قرارها محاولة انتشال جنوب اليمن من العابثين بمصيره، وذلك بعد طول غياب، عانى فيه أهلنا في الجنوب اليمني من تغوّل المليشيات والنخب المسلحة والمموّلة من الإمارات، وكذلك من الحد من فاعلية الحكومة الشرعية في إدارة البلاد، والحيلولة دون وصول رئيس الجمهورية اليمنية إلى العاصمة الثانية لبلده، عدن.
(2)
أرجو أن تتسع الصدور في الرياض لما سأبديه من آراء في الشأن اليمني والدور السعودي منذ إعلان عملية عاصفة الحزم العسكرية عام 2015. ابتداءً، كان الكاتب من أشد الناس تحمّسا وتأييدا لهذه العملية. وتحدث بذلك في وسائل الإعلام وندوات ومؤتمرات مختلفة، وحذّر، منذ البداية، من اتباع الأسلوب الذي مارسته الرياض إبان الحرب المصرية ــ السعودية على أرض اليمن عند قيام الثورة في هذا البلد عام 1962. ونصح الكاتب بتجنّب ذلك الأسلوب الذي لم يحقق أهداف الدولة السعودية، وكان في مقدمتها عودة النظام الملكي في اليمن. لم يعد ذلك الأسلوب صالحا للمرحلة الراهنة. وقد تحدثت طويلا مع قيادات سعودية، مدنية وعسكرية، لا أستطيع ذكر أسمائها ومناصبها، فلم أستأذنهم في الجهر بما تم بيننا من أحاديث.
تم الإعلان، الأسبوع الجاري، عن "اتفاق الرياض" بين الحكومة الشرعية والانقلابيين عليها في عدن، ممثلين بالمجلس الانتقالي الجنوبي، المؤيد والمموّل من أبو ظبي. وجاء في الاتفاق تقاسم للسلطة بين الحكومة الشرعية والانقلابيين الانفصاليين (المجلس الانتقالي) على أن يكون بالتساوي (12 وزيرا لكل منهما)، وأن تكون العاصمة عدن تحت الإدارة الأمنية للدولة السعودية، تشرف عليها السفارة السعودية في عدن، وأن يشارك قادة "المجلس الانتقالي" الانفصالي في وفد الحكومة لمشاورات الحل السياسي النهائي في اليمن، وأن تخرج جميع القوات العسكرية إلى خارج مدينة عدن، على أن يستثنى من ذلك الحرس الرئاسي المكلف بحراسة رئيس الجمهورية ومؤسساته. وتُستثنى أيضا قوة مسلحة لحماية قيادات المجلس الانتقالي في عدن. وهنا يثور السؤال: لماذا المساواة بين رئيس شرعي وقيادات انفصالية بغت وطغت، وتجبرت على الحكومة الشرعية، وأخرجتها من العاصمة المؤقتة بقوة السلاح في شهر أغسطس/ آب الماضي.
كان متوقعا أن يُفرض على قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي العزل السياسي، لا مكافأتهم ومساواتهم، حتى في حراستهم، برئيس الجمهورية ومؤسسات الدولة عامة.
(3)
وسؤال يثيره كثيرون من إخواننا اليمنيين: ما مصير القوى اليمنية الجنوبية الأخرى، الحراك الجنوبي بفرعيه، ورابطة الجنوب العربي، والتجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج)، ومؤتمر شعب الجنوب (محمد علي أحمد)، والائتلاف الوطني الجنوبي، ومؤتمر حضرموت الجامع، وغيرها. ولماذا لم تكن هذه القوى من بين القوى الجنوبية (الانفصالية) المفاوضة في جدة والرياض مع الحكومة اليمنية الشرعية؟ يوحي استثناء هذه التنظيمات من التفاوض بالغلبة لقوى المجلس الانتقالي، ليس على القوى الجنوبية اليمنية فحسب، ولكن على الحكومة الشرعية.
لا تتضمن الإجراءات التي تمت فيما يعرف باتفاق الرياض حلا جذريا للأزمة الجنوبية اليمنية، وإنما هي تهدئة مؤقتة، سرعان ما تتفجر عند أقل خلاف، وستدخل اليمن برمته في دوامة العنف الذي سيمتد شرره إلى دولتي التحالف، السعودية والإمارات، وكذلك سلطنة عُمان. ومن الملاحظ تزايد أعداد الأطراف اليمنية الجنوبية الرافضة هذا الاتفاق، ومنها أطرافٌ مرموقة، وكذلك القيادات في جسد السلطة اليمنية الشرعية القائمة، وكأن كلمتهم واحدة، أن لا يكافأ البغاة على بغيهم على الحكومة الشرعية، بل يجب محاسبتهم وتجريدهم من السلاح بكل أنواعه، ليعيشوا كغيرهم من المواطنين.
(4)
كتبت في صحيفة الشرق القطرية، في 11/ 5/ 2010 مقالا، طالب برفض كل إجراء يؤدي إلى قيام نظام سياسي في أي دولة عربية مبني على الطائفية، أو المحاصصة، لأن ذلك المرض سيقود تلك الدولة التي تتبنى أيا من النظامين إلى الهاوية وعدم الاستقرار. وأمامنا اليوم نموذجان: لبنان الذي بنيت مؤسساته على أسس طائفية، فيما المجتمع اللبناني، بكل طوائفه، يطالب اليوم بإسقاط هذا النظام، فالحال في البلد منذ مؤتمر الطائف في العام 1989. وفي العراق، الحال أكثر سوءا، وأشد خطورة على أهل هذا البلد ودول جواره، لأن النظام فيه بُني، بعد العام 2003، على أسس طائفية مذلة. ولن يستقر حال العراق وهو يدار على قواعد محاصصة طائفية مذلّة.
.. أنبّه الأهل في السعودية: لا تأخذكم العزة بالإثم، بأن لا تندفعوا نحو تجذير نظام المحاصصة في اليمن، لأنكم إذا فعلتم ذلك ترسون سابقةً قد تفرض عليكم في قادم الأيام، ومن ثم تفرض على كل الدول الخليجية، لا سمح الله.
آخر القول: المحاصصة السياسية في نظام الطائفية إذا حلت في دولةٍ، فإن ذلك النظام يؤدي إلى نهاية تلك الدولة.
* نقلا عن العربي الجديد