أهم الأخبار
خليل محمد/مركز رفد للدراسات والب

خليل محمد/مركز رفد للدراسات والب

اتفاق الرياض:النص والواقع

2019-12-25 الساعة 11:30م

بعد مرور ما يقارب الشهر والنصف على توقيع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والمجلس الانتقالي الجنوبي في العاصمة السعودية الرياض اتفاقاً لتقاسم السلطة في المحافظات المحررة لاسيما المحافظات الجنوبية. وجاء هذا الاتفاق في أعقاب مواجهات مسلحة بين الطرفين في العاصمة المؤقتة عدن ومحافظتي أبين وشبوة ، التي أودت بحياة المئات من الجانبين. استغرقت المفاوضات بين الطرفين برعاية المملكة العربية السعودية ما يقارب الشهرين للتوصل لهذا الاتفاق والذي سمي "باتفاق الرياض". وتم التوقيع عليه بحضور الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي والمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث وسفراء الدول ال 18 الراعية للسلام في اليمن. وتضمن عدد من البنود الأساسية في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية وثلاث ملحقات لكي يتم تطبيع الحياة وإعادة الأمن والسلطة إلى هذه المحافظات وتوحيد الصف لمحاربة الحوثيين. قدم هذا الاتفاق تسعة بنود رئيسية هي: تفعيل دور كافة سلطات ومؤسسات الدولة اليمنية، إعادة تنظيم القوات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع إعادة تنظيم القوات الأمنية تحت قيادة وزارة الداخلية، الالتزام بحقوق المواطنة الكاملة لكافة أبناء الشعب اليمني ونبذ التمييز المناطقي والمذهبي ونبذ الفرقة والانقسام، إيقاف الحملات الإعلامية المسيئة بكافة أنواعها بين الأطراف، توحيد الجهود تحت قيادة تحالف دعم الشرعية لاستعادة الأمن والاستقرار في اليمن، ومواجهة التنظيمات الإرهابية، تشكيل لجنة تحت إشراف تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية تختص بمتابعة وتنفيذ وتحقيق أحكام هذا الاتفاق وملحقاته، مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في وفد الكومة لمشاورات الحل السياسي النهائي لإنهاء انقلاب الميليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني، إصدار فخامة الرئيس اليمني فور توقيع هذا الاتفاق توجيهاته لكافة أجهزة الدولة لتنفيذ الاتفاق وأحكامه. ووضعت ثلاث ملحقات التي ستطبق لتنفيذ هذه البنود الرئيسية وهي الملحق الأول: الترتيبات السياسية والاقتصادية والملحق الثاني: الترتيبات العسكرية والملحق الثالث: الترتيبات الأمنية. في هذه القراءة نهدف إلى تقييم أولي لمدى تنفيذ هذا الاتفاق طبقاً للمدد الزمنية التي حددها والشروط في التعيين و التنفيذ. الجداول الزمنية تضمن الاتفاق على جداول زمنية محددة لإنجاز ما تم الاتفاق عليه ومنها تشكيل الحكومة كفاءات سياسية لا تتعدى(24) وزيرا يعين الرئيس أعضاءها بالتشاور مع رئيس الوزراء والمكونات السياسية على أن تكون الحقائب الوزارية مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية وذلك خلال مدة لا تتجاوز ثلاثون يوما من توقيع هذا الاتفاق." وبالنظر إلى هذا النص والمدة الزمنية المحددة لتنفيذه بأن لا تتجاوز ثلاثون يوما، كما وضع شروطاً تعجيزية تمكن أي طرف من المراوغة والمماطلة إلى ما لا نهاية فالوزراء المعينين يجب أن يكونوا كفاءات سياسية ومشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والخبرة المناسبة للحقيبة. وهنا ندرك عدم جدية المتفقين على التنفيذ، لأنهم يعرفون جيداَ أنه من المستحيل في الوضع الراهن الاتفاق على تشكيل الحكومة خلال هذه المدة وبهذه الشروط. واليوم بعد مرور شهر ونصف من التوقيع، لم يتم أنجاز أي شيء يذكر لتشكل الحكومة. فالجميع يدرك صعوبة تطبيق ذلك جيداً وهذا يدل على أن لا توجد نوايا صادقة وأن الموافقة على التوقيع كانت نتيجة لضغوط من رعاة الاتفاق الذين لديهم أيضا أهدافهم من التوقيع ومراسيمه بغض النظر عن التطبيق على الواقع بحد ذاته. وينطبق الأمر ذاته على تعيين المحافظين ومدراء الأمن حيث نصت الفقرة الثانية من ملحق الترتيبات السياسية والاقتصادية على أن "يعين فخامة الرئيس اليمني بناء على معايير الكفاءة والنزاهة وبالتشاور محافظا ومديرا لأمن محافظة عدن خلال خمسة عشر يوما من تاريخ التوقيع على هذا الاتفاق، كما يتم تعيين محافظين لأبين والضالع خلال ثلاثين يوما من تاريخ التوقيع على هذا الاتفاق وذلك لتحسين كفاءة وجودة العمل". عند قراءة فقرات هذه الترتيبات وبالعودة إلى الواقع الذي تعيشه اليمن اليوم، يتضح مدى الفجوة الكبيرة جداً بين من جلسوا على طاولة الحوار للتفاوض وما يدور على أرض الواقع. ابتعد المتحاورون والراعون بعيداً عن حل المشكلة الرئيسية وهو المطلب الحقيقي للمجلس الانتقالي وعناصره المسلحة - والدعم المادي والمعنوي والإعلامي المقدم لهم من قبل دولة الأمارات العربية المتحدة - وهو الانفصال واستعادة دولة الجنوب العربي وهذه هي القضية الرئيسية التي يدافع عنها المجلس ويدفع بالآلاف المقاتلين من أبناء الجنوب في المواجهات. وذهبوا إلى الجدولة الزمنية والتعيين التي قد تكون نتائج طبيعية إذا اتفق المتحاربون على إيجاد جوهري لسبب الصراع. ولهذا ، يمر الوقت بدون تنفيذ أي فقرة أو بند، وكأنها أضغاث أحلام تطايرت بعد مغادرتهم قاعة التوقيع. ويتكرر المشهد مع بقية بنود وفقرات الاتفاق كعودة القوات المسلحة إلى مواقعها وإحلالها بقوات الأمن داخل المدن، حيث نصت الفقرة الأولى من ملحق الترتيبات الأمنية بأن "عودة جميع القوات - التي تحركت من مواقعها ومعسكراتها الأساسية باتجاه محافظات عدن وأبين وشبوة منذ بداية شهر أغسطس 2019 م - إلى مواقعها السابقة بكامل أفرادها وأسلحتها وتحل محلها قوات الأمن التابعة للسلطة المحلية في كل محافظة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ توقيع هذا الاتفاق". إلى يومنا هذا لم يتحقق أي شيء يذكر بما يخص عودة القوات إلى مواقعها وتولي قوات الأمن المسئولية داخل المدن، بل على العكس تجري مواجهات مسلحة في مدينة المحفد في أبين، ولم يسمح بالقوات الحكومية دخول عدن، باستثناء عودة رئيس الوزراء لصرف المرتبات وحتى هذه تأجلت عن موعده المحدد. وهنا يطرح السؤال الرئيسي عن سبب أو أسباب تعثر هذا الاتفاق على الرغم من أن كافة بنوده التي تمثل أهدافه تم وضع ملحقات تضمنت الترتيبات اللازمة لتنفيذها. وكانت قد نشرت إلينا ديلوجر الباحثة في معهد واشنطن مقالاً بعنوان "اتفاق الرياض يحقق مكاسب سياسية في اليمن، لكن تنفيذه أقل تأكيداً" ذكرت فيه أن "تدابير الاتفاق جاءت في إطار جداول زمنية ضيقة بشكل استثنائي كونها لا تتعدى الثلاثين أو الستين أو التسعين يوماً، وقد تمت صياغتها بلغة غامضة - تعكس النقص نفسه في التعابير المحددة التي شابت اتفاق ستوكهولم المتعثر الذي وافق عليه هادي والحوثيون في كانون الأول/ديسمبر 2018." وتضيف قائلة أن الاتفاق فيما يتعلق بتشكل الحكومة "لا ينص صراحةً على وجوب توافق هؤلاء الوزراء مع "المجلس الانتقالي الجنوبي"، ولا يوضح من سيشغل أهم المناصب مثل رئيس الوزراء ووزير الداخلية ووزير الدفاع. ونظراً لأن أي خطأ في هذه التعيينات قد يقوّض الاتفاق بأكمله، فمن المرجح أن تكون المفاوضات بشأن هذه التفاصيل جارية حالياً أو سبق وأن تم الاتفاق عليها. اليوم ندرك تماماً أنه على الرغم من معرفة المملكة العربية السعودية الراعية للاتفاق والمتحاورين الموقعين على الاتفاق بصعوبة التنفيذ على الواقع، تجاهلوا ذلك ووضعوا جداول زمنية محددة - والذي كان يوحي في بادئ الأمر أنه قد تم الاتفاق على أعضاء الحكومة وعلى أسماء المحافظين ومدراء الأمن وعن كيفية عودة القوات وغيرها من الترتيبات. لكن الواقع هو عكس ذلك، وهذا يؤكد أن الضغوط التي مورست على الطرفين للتوقيع كانت تحمل أهداف خفية وهو التأكيد على عمق العلاقات السعودية الإماراتية وأنه بإمكانهم تجاوز هذه المعضلة بالتوقيع وإظهار أن الخلاف بينهم ليس على ما صوره الكثيرون بأنها مواجهة بين السعودية والأمارات وفرض أجندات خاصة بهم هذا من جانب. أما من الجانب الأخر، فيمكن ملاحظته من الحشد الإعلامي الذي رافق مراسم التوقيع، وهو تحسين صورة المملكة العربية السعودية في الإعلام الدولي وكاستجابة للضغوط الدولية لإيقاف الحرب وإبراز للعالم أنه يمكن التوقيع على اتفاق مع الحوثيين بنفس الكيفية وبهذا تتوقف الحرب. كما أنه لا يمكن ان نتجاهل أن الجانب الإيجابي لليمنيين من هذا الاتفاق هو إيقاف الموجهات المسلحة ولكنها مؤقتة والأيام القادمة كفيلة بأن تكشف لنا أن هذا الاتفاق لم يكن سواء حبراُ على ورق غابت عنه النوايا الصادقة والمعالجات الحقيقية لأسباب الصراع وحضرت الضغوطات وحدها للتوقيع. هذه المعضلة بالتوقيع وإظهار أن الخلاف بينهم ليس على ما صوره الكثيرون بأنها مواجهة بين السعودية والأمارات وفرض أجندات خاصة بهم هذا من جانب. أما من الجانب الأخر، فيمكن ملاحظته من الحشد الإعلامي الذي رافق مراسم التوقيع، وهو تحسين صورة المملكة العربية السعودية في الإعلام الدولي وكاستجابة للضغوط الدولية لإيقاف الحرب وإبراز للعالم أنه يمكن التوقيع على اتفاق مع الحوثيين بنفس الكيفية وبهذا تتوقف الحرب. كما أنه لا يمكن ان نتجاهل أن الجانب الإيجابي لليمنيين من هذا الاتفاق هو إيقاف الموجهات المسلحة ولكنها مؤقتة والأيام القادمة كفيلة بأن تكشف لنا أن هذا الاتفاق لم يكن سواء حبراُ على ورق غابت عنه النوايا الصادقة والمعالجات الحقيقية لأسباب الصراع وحضرت الضغوطات وحدها للتوقيع.
شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص