2020-01-12 الساعة 05:06م
لا مشروع ثالث في منطقة الشرق الأوسط يزاحم مشروعي إسرائيل وإيران إذا تكلمنا عن مشروع بكافة مقوماته وملامحه.
ومن هذه النقطة يمكن تقديم قراءة مختلفة للتداعيات التي يمكن أن تنتج عن مقتل القائد الإيراني الأيرز قاسم سليماني بغارة أمريكية.
فعلى الرغم من أن مقتل سليماني يبدو ضربة موجعة لإيران فإن النظر إلى تبعات هذه الحادثة يعطي نتيجة مختلفة، فهي القوة الأكثر حيوية والأكثر قدرة على الحركة في المنطقة وبالتالي، وبالنظر إلى المعطيات، يمكن القول إنها ستكسب كثيراً من وراء ما يبدو لنا أنها خسارة فادحة.
ففي الوقت الذي انشغل مناوئو إيران بالاحتفاء بمقتل سليماني على يد ترامب، فقد اشتغلت إيران بكل طاقتها لاستثمار هذا الحادث، واحتشدت كل العمائم الإيرانية أمام الكاميرات منخرطة في حفلات بكاء جماعي، ونحن نعلم ماذا يعني البكاء في العقيدة الشيعية، فلا تزال دموعهم على الحسين الذي قتل قبل أقرابة 14 قرناً تثمر لهم توسعاً ونفوذاً وهيمنة.
ولأن الفكرة الشيعية نشأت على المظلومية فإن كل مظلومية جديدة تمنحهم فرصة للحركة والتوسع والحشد واستنفار المؤمنين من أتباعهم حول العالم ليكونوا رهن إشارة القيادة بكل ما يمتلكون من إمكانات.
لفتت نظري مسيرات في كينيا تهتف بكل حماس "كلنا سليماني، كلنا أبو مهدي، لا إله إلا الله" وهذا يعكس التوغل الإيراني في أفريقيا عبر نشر التشيع وجعل تلك المجاميع جنوداً للمرشد والملالي في طهران، وجيوبهم وخيرات بلدانهم رهناً للحوزة والمرجعيات.
وعلى ذات المنوال تحركت المجاميع المؤمنة بفكرة الولاية لـ"آل البيت" في كثير من البلدان حول العالم تدين مقتل سليماني وتندد بالغارة الأمريكية، وتلك الحركة لا تتوقف عند المشاركة في المسيرات، فالمسيرات ليست سوى إشارة استجابة سريعة من مجاميع قاتلت ولا تزال تقاتل وتضحي في سبيل طاعة المرشد وتحقيق طموحات المرجعيات الشيعية في السيطرة على مكامن القوة في المنطقة وأحلام السيادة على المقدسات الإسلامية.
وما كان اجتماع البرلمان العراقي على وجه السرعة واتخاذه قرار إخراج القوات الأمريكية من العراق إلا واحدة من وجوه استثمار إيران وأذرعها في المنطقة لتلك الحادثة.
وبالنظر إلى شواهد قدرة إيران على الاستفادة من هذه الحادثة دعونا نتساءل عن مؤشرات قدرة الطرف الآخر على الاستفادة من هذه الضربة التي تلقتها إيران بمقتل أحد أبرز قادتها والذين يذهب بعض المحللين إلى أنه وبحكم الثقة التي يحظى بها لدى المرشد كان مهيأً لتسنم منصب الرئاسة في إيران.
وقبل أن نستعرض الشواهد.. دعونا نتساءل من هو الطرف الآخر الذي يفترض أن يستفيد من مقتل سليماني؟!
فمع أن ضحايا سليماني ومشروع سليماني كثير في المنطقة، إلا أن الملاحظ، للأسف أنه ليس هناك قطب موازي لإيران في المنطقة يحمل مشروعاً ولديه طموحات سوى إسرائيل.
وأن أقصى ما فعلته الأنظمة العربية التي يفترض أن تستفيد من مقتل سليماني أنها انشغلت بالاحتفال بهذا الحدث وتوظيفه في صراعاتها البينية ورتلت جماهيرها الثناء على "البطل" ترامب لأنه خلصهم من عدو عاث في ديارهم خراباً.
لعل سليماني مات ممتناً للأنظمة العربية المترهلة التي سلمته، على طبق من دماء، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، ومولت من خزائنها المتخمة صراعات في المنطقة مكنته من أن يصبح البطل الأسطورة.
تتمنى الأنظمة الخايبة في المنطقة أن تتفاقم الأزمة بين إيران وأمريكا ويذهب ترامب المجنون إلى أبعد من التهديد بقصف منشآت حيوية في إيران يشل قدرتها على الحركة، وهي امتداد لذات الأمنية المعمرة منذ عقود حيث يحلم عرب الصحراء القابعون على ضفاف آبار النفط لو أنهم يستيقظون على عالم ليس فيه إيران إلا أن أحلامهم مؤخراً انتعشت لكنها ستظل أحلاماً وربما تتحول إلى كوابيس حين يدركون أن ترامب لن يذهب بعيداً فهو يمسك بخيوط اللعبة جيداً ويحرص على الإبقاء على الفزاعات فاعلة ليبقى البيت الأبيض واضعاً قدميه على الصناديق السيادية المتخمة.
فهناك بون شاسع بين من يخطط ويعمل لمشروع واضح، أما من يحلم فلن يحصد أكثر من الخيبات.