2021-03-20 الساعة 05:27م
إذا كانت جريمة حرق عشرات المهاجرين الأفارقة بصنعاء لم تهز الضمير العالمي المعطوب، فما هو التوصيف الصحيح لجرائم الحرب، وما هي قائمة الانتهاكات التي تشكّل صدمة للأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن مارتن غريفيث، وتجعلهم يطلّون في بيانات، يعربون فيها عن القلق مما حصل على الأقل، ولا يبتلعون ألسنتهم ويتعاملون ببرود مع ما اقترفته جماعة الحوثيين، الأسبوع الماضي؟
وكشفت هذه الجريمة حجم زيف المجتمع الدولي الذي يتشدق بمناهضة العنصرية ضد المهاجرين الأفارقة، لكنه لا يكترث لمسألة حرقهم، ثم دفنهم مجهولي الهوية. ولأن الجريمة تمت ضد فئة مستضعفة كان الضمير مجهول الهوية. ومن المؤكد أن ردة الفعل ستكون مختلفة تماماً لو أن تلك الجثث المتفحمة، التي تساقطت داخل السجن الحوثي، تعود لمواطن غربي، أو أنه تعرض فقط لحروق سطحية.
بعيداً عن المواقف السلبية الدولية، التي كشفت من أين تستمد المليشيا الحوثية قوتها في البطش بدون محاسبة، كان الشيء المثير للدهشة هو الإخراج السينمائي الحوثي الذي أبهر اليمنيين، وقدّم الجماعة بمهارات عصابة هوليودية، تقترف الجريمة وتطمس ملامحها في مشهد واحد.
وسارعت الجماعة، على لسان وزارة داخليتها، لتحميل منظمة الهجرة مسؤولية الحريق، دون كشف السبب. وقامت وزارة الخارجية بإجبار عدد من الجاليات الأفريقية بصنعاء على إصدار بيان، مطرّز بأعلام إثيوبيا والصومال والسودان، تقول فيه إن الحادث كان عرضياً، وإن الهجرة الدولية ودول "العدوان" تتحمل المسؤولية. وفي اليوم السادس قاموا بدفن 44 جثة، ليس بهدف طمس الجريمة، ولكن بطلب من الجاليات التي أبلغتهم أن "إكرام الميت دفنه" كما قال البيان. ونفذت سلطات الحوثيين عملية الدفن بسرية تامة، ولم تقم بإبلاغ المنظمات الدولية، ولا معمل الأدلة الجنائية ولا فريق الطب الشرعي، الذي كان من المفترض أن يقوم بمعاينة عشرات الجثث مجهولة الهوية.
ووفقاً للرواية التي نشرتها وسائل إعلام حوثية، السبت الماضي، فقد تم أخذ عينات الحمض النووي "DNA" للجثث مجهولة الهوية التي تم دفنها، ولم يتم الكشف عن عددها، رغم أنه لا وجود لهذا الفحص في صنعاء واليمن عموماً. الثورة العلمية في هذا البلد، وخصوصا بعد الانقلاب، توقفت عند فحوصات فيتامين "D".
تريد جماعة الحوثيين اتخاذ خطوة إلى الأمام، وإقناع الرأي العام أنها لم تطمس معالم الجريمة. وقد تكون العينات مثل رواية وزارة خارجيتها عندما زعمت قيامها بشكل فوري وقت الحادثة بترحيل 468 مهاجراً إلى عدن، وقدّمت لكل واحد منهم 100 ألف ريال يمني (170 دولاراً بحسب سعر الصرف في صنعاء) مصروف جيب. هذه المزاعم كذّبها ممثل الجالية الإثيوبية باليمن، عثمان جلتو، في مؤتمر صحافي، إذ أوضح أنهم لا يملكون أية إثباتات على صحة الترحيل، وهذا يشير إلى احتمال أنهم قد ماتوا في الحريق، وتم دفنهم سراً لطمس الجزء الأكبر من الجريمة.
ستمر هذه المحرقة كسابقاتها من الجرائم دون مساءلة، وسيوفر الصمت الدولي للمليشيا الغطاء لارتكاب مزيد من الجرائم الوحشية، وممارسة التنميط العنصري ضد مهاجرين تعرضوا لسلسلة انتهاكات محظورة، من جماعة تعتقد أنها نزلت من السماء، وتمارس التفوّق العرقي على اليمنيين، وليس الأفارقة فحسب. حتى وهي تحاول الظهور بثوب الإنسانية، ارتكبت وزارة خارجية الحوثيين انتهاكاً بشعاً للكرامة الإنسانية، عندما تحدثت بلهجة فوقية، في بيان رسمي، عما وصفته بـ"اللفتة الكريمة من السيد القائد (زعيم الجماعة) حيال المصابين والناجين وأسر المتوفين".
* مقال للكاتب في العربي الجديد