2021-05-22 الساعة 11:55م
كان السابع من يوليو 2007 يوماً عصيباً في حياة الوحدة اليمنية حيث شهدت المحافظات الجنوبية حراكاً شعبياً مطالباً بفك الارتباط عن دولة الوحدة التي تحققت في مايو1990 بين شطري اليمن، وما زاد الأمر تعقيداً هو استخفاف النظام حينها بتلك المطالب وكيل الاتهامات لها بدلاً من التجاوب معها والبحث عن حلول لإنهاء الاحتقان.
اليوم، وبعد مرور 14 عام على اندلاع الحراك، ورحيل نظام صالح بفعل الثورة الشبابية 2011، ودخول اليمن في أتون حرب جراء الانقلاب الحوثي سبتمبر 2014، وإعلان المجلس الانتقالي الجنوبي الحكم الذاتي في عدن إبريل 2020، يبدو أن صوت الانفصاليين بات أشد ضراوة من ذي قبل، فهل باتت الوحدة اليمنية مهددة بمقتلها فعلياً ؟، أم أن ما يحدث في جنوب الوطن أمر لا يمثل جميع الجنوبيين كما هو المجلس الانتقالي؟.
في مارس 2015 تدخلت دول التحالف العربي على رأسها السعودية والإمارات عسكرياً في اليمن بهدف إعادة شرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، والقضاء على الحوثيين، وبعد أقل من ثلاثة أشهر تحديداً في 16 يوليو تمكن الجيش اليمني والمقاومة بفضل التحالف من تحرير محافظة عدن، ومنذ ذلك التاريخ بدأت القوات الإماراتية بتجنيد سياسيين وعسكريين للعمل لحسابها الخاص، حيث اكتمل المشهد في 11 مايو 2017 إثر إعلان عيدروس الزبيدي تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي الذي بات اليوم مسيطراً على عدن عبر أجهزته العسكرية التي أنشأتها ومولتها الإمارات.
وبمعزل عن معركة القضاء على الحوثيين ذهبت الإمارات لدعم الوجه الثاني من الانقلاب على الشرعية اليمنية في عدن، وبلغ الأمر أن منعت القوات الإماراتية طائرة الرئيس هادي من الهبوط في عدن، وطردت مسؤولين في الحكومة اليمنية، عبر أداوتها في الانتقالي.
ومؤخراَ عادت الحكومة اليمنية في 30 ديسمبر الماضي إلى عدن وفقاً لاتفاق الرياض الذي رعته السعودية بين الشرعية والانتقالي عقب المعركة التي خاضتها الحكومة في أغسطس 2019 لإنهاء تمرد الميليشيات الناشئة في عدن، ولكن الحكومة سرعان ما غادرت بعد أشهر إثر أعمال فوضى أشرف عليها المتمردون الممولون من قبل الإمارات.
في أواخر إبريل من العام الماضي أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي الحكم الذاتي في المناطق الجنوبية التي يسيطر عليها، وفرض حالة الطوارئ، في تحدٍ للحكومة المعترف بها دولياً، ولكن ذلك الإعلان لم يلقَ ترحيباً إقليمياً أو دولياً، ودخل المجلس بعد ذلك في شراكة مع الحكومة وفقاً للنسخة الأخيرة من اتفاق الرياض، غير ان هذا لم يكن مرضياً بالنسبة لهم إذ أطلق عيدروس الزبيدي وهو رئيس المجلس تصريحات تهاجم الشرعية اليمنية وتعتبر الاتفاق مرحلياً ولا يمثل إرادة الجنوبيين وذلك عقب يوم واحد من عودة حكومة المناصفة إلى عدن.
لم يلتزم الانتقالي بالشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض، ومضى في مساعيه التشطيرية وممارساته العنصرية ضد المواطنين الشماليين الذين يتعرضون لعمليات ابتزاز ومضايقات ممنهجة في جنوب الوطن.
وبخصوص ما يجري من معركة في الشمال ضد جماعة الحوثي فيبدو جلياً أن الإمارات والمجلس الانتقالي ليسوا مكترثين بتفاصيلها، وعيدروس نفسه أدلى في تصريح لقناة "روسيا اليوم" في الثالث من فبراير الماضي أن مجلسه مستعد للتحاور مع جماعة الحوثي في حال اعترفت الجماعة بدولة الجنوب، حسب قوله، وهذا التصريح يعطي انطباعاً كاملاً لإمكانية وجود تخادم بين الجماعتين المتمردتين شمالاً وجنوباً لاستكمال السيطرة على اليمن برعاية إيرانية في الشمال، وإماراتية في الجنوب.
في الثاني من مايو 2018 تأسس الائتلاف الوطني الجنوبي عقب مشاورات مكثفة بين قوى الحراك الجنوبي، والمقاومة الجنوبية، والأحزاب والتنظيمات السياسية، بهدف إيجاد إطار قيادي وطني جنوبي واسع الطيف يهدف إلى تعزيز الاصطفاف الوطني الداعم للشرعية ومشروع الدولة الاتحادية ويضع على عاتقه مهمة حمل القضية الجنوبية والحفاظ على المكاسب والانجازات التي تحققت لصالحها التي تضمنتها المرجعيات الوطنية والقرارات الدولية ذات الصلة، وتتويجا لتلك المشاورات»، حسب بيان الإشهار.
وتمكن الائتلاف من تحريك الشارع الجنوبي وتسيير عدد من المظاهرات الكبرى في مُدن جنوبية مختلفة، تلك المظاهرات رفعت الأعلام الوحدوية، وعبرت عن تأييدها للشرعية اليمنية بعيداً عن تكميم الأفواه ومصادرة المواقف من قبل ميليشيا المجلس الانتقالي.
وفي مساعي الائتلاف الجنوبي لكشف الوجه الحقيقي للانتقالي والتعبير عن إرادة الجنوب الحقيقية التقى في السابع من مايو الجاري مع قيادة المجلس الأعلى للحراك الثوري، لمناقشة عمل وطني جنوبي موحد لا يستثني أحد، وقد انحازت الكثير من الفصائل إلى هذا الائتلاف.
في الوقت الذي يعمل الائتلاف الوطني الجنوبي على لملمة صفوف التيارات الجنوبية الداعمة للوحدة وللشرعية اليمنية، بالإضافة إلى إظهار الصوت الحقيقي للشارع الجنوبي، فإن ذلك يبقى في حدود الأدوات الناعمة التي يُحكم عليها بالفشل غالباً في مثل هكذا ظروف تمر بها البلاد.
ينتهج الائتلاف العمل السلمي ويعبر عن إرادة الجنوبيين بالطرق المشروعة، فيما يواجه خصم يتدرع بالآلة العسكرية التي منحته إياها دولة الإمارات على مدى السنوات الماضية، وبالميليشيات التي دربتها ومولتها، ولذلك فإن كفة الميزان ترجح تفوق الانتقالي الذي يعتمد على القوة في إخضاع المجتمع والرأي العام والصحافة والنقابات والجمعيات لرأيه، ويرغمها على تبني مواقفه، خصوصاً في ظل وجود السجون السرية والتهم الجاهزة والمطبوخة لكل معارض لتوجهاتهم.
يسعى المجلس الانتقالي حثيثاً لكسب تأييد دولي لمشروع الانفصال، غير أن هذا التأييد إلى هذه اللحظة لا زال من نصيب شرعية هادي التي حصلت على القرار الأممي 2216، ولا يوجد من يتعاون مع الانتقالي بشكل مباشر سوى دولة الإمارات العربية المتحدة، وغير مره ظهرت تقارير تُشير إلى أن هناك دعماً إيرانياً سرياً للانتقالي.
*مقال خاص بـ المصدر أونلاين