2022-06-14 الساعة 04:43م
"وإنّ التاريخ على مداه الطويل يثبت أنّ سقوط الشمال في يد أيّ غازٍ أو محارب يتبعه سقوط الجنوب بدون حرب"
هذه العبارة وردتْ حرفياً في رسالة من أعضاء المجلس الجمهوري اليمني إلى الرئيس جمال عبد الناصر عام 1966.
وقد وقّع على تلك الرسالة كُلاً من الإرياني والنعمان (وهو الذي أعدّ المسودة الأولى للرسالة) والعمري وآخرين، بعد أن أحسُّوا بوجود اتجاهاً مصرياً "لتقسيم البلاد والتخلّي عن الشمال، والانسحاب إلى الجنوب لتشكيل حكومة جمهورية من الجنوب المحتل (عدن والمحميات) والجنوب المستقل (أي جنوب الشمال) كحل للمشكلة"، (مذكرات القاضي الإرياني، ج2، ص483).
ولعل القصد هنا تحديداً التخلّي عن شمال الشمال (الهضبة تقريباً) لبيت حميد الدين وأعوانهم .
وفي 9 مارس 1966، انعقد في القاهرة اجتماع للقيادة اليمنية الجمهورية مع القيادة المصرية، بحضور أنور السادات والمشير عبدالحكيم عامر.
وكان القاضي الإرياني قد اتفق، قبل الاجتماع، مع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر على ما يجب طرحه أمام القيادة المصرية رداً على مشروع التقسيم.
ثمّ وقف الشيخ الأحمر في الاجتماع قائلاً: "لا تظنون أنكم ستنسحبون إلى الجنوب وتتركونا لبيت حميد الدين، أنا أقسم لكم بالله وأقول هذا عن جميع القبائل الشمالية الموالية للجمهورية، أننا لن ندعكم يوماً واحداً هادئين، وأننا لن نُحكَم إلا بالنظام الجمهوري جميعاً أو بالملكية كلنا. وإلّا فلا بد أن ننزل البدر إلى تعز لو ما بقي مننا واحد"، (مذكرات القاضي الارياني، ج2، ص486).
بحسب الإرياني، فقد نتج عن هذا الاحتجاج موافقة المصريين على بقاء القوات المصرية التي في حجة والتي في ريدة.
إشارة الشيخ الأحمر إلى تعز في كلامه تدلّ على أنّ لفظ "الجنوب" -في ذلك الوقت- كان يُقصَد به أحياناً جنوب الشمال، وهو جنوب منطقة النفوذ التركي في البداية، وجنوب مملكة بيت حميد الدين فيما بعد، ثم أصبح جنوب "الجمهورية العربية اليمنية".
لكن هذا لا يعني أن الجنوب اليمني الأبعد، "عدن والمحميات"، لم يكن مشمولاً بالاستنتاج التاريخي الذي نصَّتْ عليه العبارة التي اقتبسناها في البداية من رسالة أعضاء المجلس الجمهوري.
العبارة كانت بالفعل تشمل الجنوب اليمني كاملاً وصولاً إلى عدن، غير أن مناطق عدن والمحميات كانت في الواقع لا تزال تتمتع بوضع استثنائي بسبب وجودها، ولو اسمياً، تحت حماية التاج البريطاني.
في ذلك الوقت، كان "الجنوب اليمني" جنوبين، إذا كان مركز التحديد صنعاء، وكان "الشمال اليمني" شمالين، إذا كان مركز التحديد عدن.
وما يهمّنا في تلك العبارة، التي بدأنا بها المقال، ليس دقّتها، فقد قيلت على سبيل التخويف وبأنبل الدوافع الوطنية الوحدوية، ما يهمنا هو مغزاها الكلّي الذي يؤكد على وحدة المصير اليمني شمالاً وجنوباً:
فمن يسيطر على الشمال يصبح بالضرورة مهيّأ للتوسع نحو الجنوب عند أول فرصة.
والقوة الصاعدة من السواحل والجنوب -سواء كانت أجنبية أو محلية- تكون هي أيضاً مهيّأة للتوسع نحو الشمال عند أول فرصة.
التاريخ بالطبع يثبتْ النتيجتين مع تفاوت في الصعوبات ومسارات الفعل.
وهذا هو بيت القصيد، كما يقال.
ليكن الأُفق وطنياً، أفق الفعل ورد الفعل.
هذا ما ينبغي على الجميع أن يتعلَّموه اليوم من التاريخ.