2023-01-08 الساعة 04:41م
الشيخ صادق بن عبدالله الأحمر في ذمة الله ..
مات الليلة اثر عناء طويل ومرير مع آلامه وآلام البلاد.
قبل أن يصل سرطان الامامة إلى عاصمة البلاد كانت دار صادق بن عبدالله وقبيلته هي العتبة التي لابد من اجتيازها وبذل الجهد الأصعب والأشق ليتمكن غلمان السلالة الجدد من اعادة الباهوت.
وبعد الخمري وخمر وعمران .. صارت الدروب مشرعة إلى كل البلاد.
دخلوا صنعاء فغادرها أكثر أهلها وقادتها خفافا او ثقالا.
وحين طرحت فكرة المغادرة على صادق بن عبدالله مزّق جوازه أمام القوم مخاطبا اياهم بلكنته المعروفة :
(تشتوني أفلت البيت؟ ويش بايقول لي عبدالله يوم ألقاه ؟ تركت بيتي ياصادق؟)
لقد آثر الوفاء لعبدالله والبقاء جوار جنبيته وشاله وديوانه في الحصبة.
وعبدالله الذي اشار اليه صادق هو والده الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر أبرز وأشهر رجال القبيلة اليمنية والعربية في تاريخنا المعاصر.
بقي صادق في صنعاء حبيسا معزولا عن قبيلته ومجد قومه، مطوقا بالافاعي والذئاب التي يعلم جيدا مدى حقدها عليه وعلى آبائه وقبيلته الذين كان لهم قولا وموقفا ساهم في تبديد ليل الإمامة المظلم ذات يوم مجيد.
لكنه اختار البقاء بكل المخاطر والتداعيات.
وحين داهمت الذئاب داره عليه ذات ليلة خرج بعدها صادق أمام من جاءوه بالاعتذار ليقول لهم مقولة غزال المقدشية :
سوا سوا يا عباد الله متساوية
ماحد ولد حر والثاني ولد جارية.
ثمانية اعوام ونيف، لم يفارق فيها صادق عتبة منزل والده في الحصبة عدا مرتين فقط، الاولى لتشييع الشيخ سنان ابو لحوم والتالية لتشييع شقيقه الشاب حسين بن عبدالله بعد عودتهما الى صنعاء جثامين.
في ظل عودة الامامة عاف صادق بن عبدالله كل شيء.
المجد والمال والجموع والسفر وكل ما يعشقه الناس حتى شال عبدالله وعسيب عبدالله تركهن ليحتسي الاوجاع والآلام ويعيشها بين الناس..
طيلة السنوات التي خلت بقي صادق جمهوريا وفيا لجمهورية الناس لم يهادن بحرف او صورة ولم تنتزع الامامة منه كلمة لين او خنوع.
قبل أشهر اكتشف الاطباء أن السرطان قد نال من صادق وبلغ من رئتيه مبلغا خطرا فكان لابد من السفر وحط به المقام في الاردن طلبا لأسباب العافية.
وكان هذا الخروج من عتبة منزل عبدالله هو الخروج الثالث والاخير ..
في العاصمة الاردنية عمّان تقاطرت كل رجالات الدولة والقبيلة والسياسة والتجارة والدبلوماسية لزيارة صادق حيث يتلقى العلاج ..
زاروه وهو البعيد كل البعد والمجرد عن كل ما يجعل الناس يطمعون بنيله منه او يضطرون لمجاملته لأجله، فلا سلطان ولا برلمان ولا هيلمان ولا حتى عافية، لكن الناس جميعا من أصدقاء ومحبين وساسة ومنافسين وخصوم ظلت تؤم مشفاه كملك متوج في عرشه.
وكان هو الكبير حتى في أحلك ظروفه يستقبل الناس ويلوذ بالصمت ووجع اليماني الذي كان شاهدا على انهيارات مؤلمة وخسائر فادحة.
مات صادق قبل قليل بعد أن عجز الطب عن انقاذه ومنحه العافية والعمر.
مات ليفتح بموته دور عزاء واحزان قديمة متجددة.
رحمك الله يا شيخ البلاد ووجعها وشموخها وعمود القبيلة الذي هوى.