2023-04-27 الساعة 06:40م
يعاني الإعلام الرسمي التابع للحكومة اليمنية منذ فترة حالة فوبيا تجاه أي ذكر للوحدة اليمنية، ويتحاشى ذكرها ولو اضطر لبتر أخبار اللقاءات الرسمية للرئيس مع الزعماء والسفراء ونشرها بشكل منقوص.
وكان آخر الشواهد على هذه الفوبيا الخبر الذي نشرته اليوم وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) "المصدر الرئيسي لأخبار الرئاسة والحكومة اليمنية"، وهو بالتأكيد منشور نصاً كما ورد من مكتب الرئاسة، حيث اضطر إلى بتر حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي أثناء لقائه رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي وحذف الفقرة التي أكد فيها الرئيس السيسي على "الموقف المصري الثابت إزاء دعم وحدة وسيادة الدولة اليمنية وسلامة مؤسساتها الوطنية، وتشجيع كافة الجهود الرامية لإيجاد حل سياسي شامل ومستدام، بما يحافظ على وحدة البلاد وتماسك مؤسساتها الشرعية" حسب ما نشره الإعلام الرسمي التابع للحكومة المصرية.
وجاء الخبر الذي نشرته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بصياغة مغايرة تجنبت فيها تأكيد السيسي على وحدة اليمن في محاولة لتحاشي إغضاب المجلس الإنتقالي الجنوبي المتبني لمشروع انفصال جنوب اليمن وداعميه الإقليميين، استبدلت الوكالة الفقرة سالفة الذكر بفقرة مخففة نصها "من جانبه أكد فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، متانة العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، وموقف مصر الثابت إلى جانب اليمن وشعبه، وقيادته السياسية ومؤسساته الشرعية، وكافة الجهود الرامية لاستعادة الامن والاستقرار والسلام في البلاد"، بعد إيراد الفقرة البروتكولية المعتادة والخاصة بمناقشة الزعيمين لـ"العلاقات الثنائية المميزة بين البلدين وسبل تعزيزها وتطويرها".
ما حدث اليوم في تعامل الإعلام الحكومي مع تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، يجدد التذكير بالموقف المرتبك للرئاسة اليمنية في التعامل مع الزوبعة التي أثارتها فقرة وردت في حوار صحفي أجرته صحيفة "الشرق الأوسط" مع رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي أواخر فبراير الماضي والذي أشار فيه إلى أن الحديث عن القضية الجنوبية "في هذه اللحظة أو نقاش حلها في هذا الوقت قد يكون غير مناسب»، وأن الحديث عن هذا الموضوع "مؤجل إلى ما بعد استعادة الدولة".
تصريحات الرئيس العليمي السابقة استنفرت الإنفصاليين في الجنوب وخرج الناطق باسم المجلس الإنتقالي بتصريحات تندد بهذا التصريح، وسلط المجلس الإنتقالي ناشطيه الذين شنوا حملة على العليمي وعلى الصحفي الذي أجرى المقابلة، رغم أن وكالة الأنباء الحكومية، التي جرت العادة أن تعيد نشر نص مقابلات وتصريحات قيادات الدولة، لم تفعل ذلك وفضلت نشر مقتطفات من المقابلة ليس من ضمنها الحديث عن القضية الجنوبية.
في وقت سابق استقبل الرئيس رشاد العليمي رؤساء البعثات الدبلوماسية لدول الإتحاد الأوروبي وعقب اللقاء أصدر الإتحاد الأوروبي بياناً عما دار في اللقاء تضمن تأكيداً على دعم الإتحاد الأوروبي لوحدة وسيادة اليمن وأمنه واستقراره وهو ما أثار حفيظة المجس الإنتقالي وخرجت قياداته بتصريحات تهاجم رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة وتبعها حملة شنها نشطاء موالون للمجلس الإنتقالي على العليمي وصلت حد التهديد بمنعه من دخول عدن وطر الحكومة وهو ما دفع بالعليمي إلى إتباع هذا البيان بتصريحات ناعمة في محاولة لامتصاص غضب الإنتقالي الذي يعد شريكاً في الرئاسة والحكومة.
يستقبل عيدروس الزبيدي عضو مجلس القيادة الرئاسي للجمهورية اليمنية مسؤولين حكوميين وقيادات عسكرية وهو يضع بجواره علم "جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية" الذي أعاد الإنفصاليون رفعه منذ انطلاق احتجاجاتهم المطالبة بانفصال جنوب اليمن، وينشر الإعلام الحكومي أخبار تلك اللقاءات التي يظهر فيها علم الإنفصال ليكون مشاركاً في إهانة واحدة من أهم رمزيات الدولة اليمنية.
لم يسبق لخطاب لإعلام الرسمي في اليمن، حتى والحرب في ذروتها، أن وقع في هذا الإرباك حد الخلط بين "المحظورات" و "الثوابت"، ولم يكن يخطر ببال العاملين فيه أنه سيأتي يوم يكون فيه ذكر الوحدة بمثابة "جريمة نشر" يجب تجنبها بعد أن كان المساس بها جريمة يعاقب عليها القانون.
وفيما يتعامل المجلس الإنتقالي مع موضوع الإنفصال كأمر واقع يفرضه من خلال ممارسات وإجراءات على الأرض، ويؤكد على سعيه لذلك في بياناته وتصريحات قياداته وفي مقدمتهم ممثلوه في الرئاسة والحكومة وتعد مفردة رئيسية يومية في وسائل الإعلام التابعة له والأخرى المتبنية لخطابه والممولة من الإمارات، فإن الرئاسة والحكومة تبدي مرونة حد التنازل عن مجرد ذكر الوحدة مقابل الحفاظ على علاقة تسمح للرئيس والحكومة بالتواجد في عدن ولو بشكل مؤقت أو صوري.
وقبل أن تصل الفوبيا إلى هذه الدرجة كانت قوات المجلس الإنتقالي التي تفرض سيطرتها المسلحة على عدن وما حولها منعت مسؤولين من رفع علم الوحدة على مكاتبهم وبماني مؤسساتهم وفي مقدمتهم العميد طارق صالح عضو مجلس الرئاسة الذي حاول فعل ذلك عشية الاحتفال بذكرى الوحدة اليمنية العام الماضي وبعد حوالي شهر من تشكيل مجلس الرئاسة واضطر يومها مغادرة عدن ولم يعد إليها حتى اليوم.
كل هذه التصرفات قد لا تنال من اليمن الكبير وإيمان اليمنيين (شمالاً وجنوباً) به بقدر ما تدين النخبة الحاكمة، إلا أنها قد تصب في خانة مليشيا الحوثي لتتيح له شرف ادعاء الحفاظ على الوحدة، واتهام خصومه بالتفريط فيها، رغم أن الإمامة كانت تاريخياً، ولا تزال هي النقيض الموضوعي للوحدة اليمنية وأحد مسببات تمزيق نسيجه الاجتماعي.
(المصدر أونلاين)