2024-08-06 الساعة 03:20م
أي حياة يطمع المرء فيها أجمل من الحياة التي عاشها الشهيد؟! وأي مجد يمكن أن يحوزه أحد من البشر أكثر مما حازه أبو العبد، ولو عاش أحدهم ألف عام، وقد صار حديث العالم كله حياً وميتاً.
حتى موت الأبطال يصير حياة كاملة، زاخرة بمعاني الكرامة والعزة في محيط يتدفق ذلاً وهواناً وخنوعاً، ارتقاؤهم يمثل حالة إلهام شامل تلامس وجدان الأحرار في العالم كله ويلفت نظر الملايين من الجيل الجديد إلى الظلم الحاصل في هذا العالم.
هم وحدهم الذين قالوا "لا" في لحظة عمت فيها مفردات السمع والطاعة والانقياد لقوى البغي التي تهيمن على العالم كله.
وهم وحدهم الذين رفعوا أصواتهم في وجه القبح بينما يلوك الضعفاء رفضهم وامتعاضهم همساً لا يكاد يبلغ مسامعهم، ويتجرعون غصصهم دون أن ينبسوا بحرف.
هل للحياة معنىً يفوق هذا الذي جسدوه وعاشوا من أجله؟! كم "حيوات" تشبه الموت، بل هي الموت ذاته، وأمام الكيان الذي زرعته قوى الاستعمار خنجراً في ظهر المنطقة ليكون وكيلاً لحماية مصالحها، انحنت أنظمة ودول وصارت مطية لهذا الكيان الغاصب، بينما ظلوا صامدين مقاومين منذ عقود لم يتخلوا عن قضيتهم رغم الثمن الباهض، يتوارثون الكلفة ويتواصون بها جيلاً بعد جيل.
لا يواجهون فقط قذائف وأطنان البارود التي يلقيها العدو، بل تلقوا أطنانا من الاتهامات وأمواج الحملات العاتية من إخوانهم العرب، وكان ذلك جزء من الضريبة التي يدفعها الأحرار في محيط من الخنوع والاستكانة.
مدوا أيديهم للجميع طالبين النصرة والإسناد فكان الرد خدلاناً كاملاً بل وتواطؤاً، ذهبوا بعيداً فوجدوا كياناً آخر لديه أطماع إقليمية، رأى أن بإمكانه الاستفادة منهم، ورأوا أنهم يمكنهم الاستفادة منه في وقت يضع العدو سيفه على رقابهم، فكان ذلك مسبة إضافية لهم عند أشقائهم المشغولين باسترضاء العدو وتقديم الخدمات له.
وُصِموا بالإرهاب، وقد طالت تلك الوصمة كل من سبقهم في مقاومة هيمنة القوى الاستعمارية وبلطجة مستغلي خيرات الشعوب الضعيفة، وتحول بعدها مقاوم مثل نيلسون مانديلا، الذي تلبس تهمة الإرهاب عقوداً، إلى بطل عالمي يستقبل على السجاد الأحمر، لا توبة من العالم المتغطرس واعترافاً بالحق، وإنما لأنه بلغ غايته ووصلت معركته إلى النهاية التي كان يناضل وشعبه من أجلها.
ولو انهزم لظلت تلك التهمة ملتصقة به وبالتيار المناهض لنظام الفصل العنصري الذي كان وكيلاً للقوى الغربية في جنوب أفريقيا.
المقاومون هم آخر نبض يدل على حياة الشعوب المقهورة، وحين يتوقف هذا النبض فإن هذا الجسد سينفق وسيتعفن.
الاستعمار لم ينته وإنما انتقل إلى طور آخر أقبح وأبشع، ارتدى فيه ثوباً أنيقاً واعتلت قواه المنصة الكونية لتملي على العالم قيمها كنموذج يجب أن يعمم، وتكرس الطغيان نهجاً عالمياً على الجميع القبول به، بل وامتداحه كحالة مثلى.
الرحمة والخلود للأبطال الذين بذلوا أرواحهم دفاعاً عن حرية وكرامة شعوبهم.