2024-10-01 الساعة 03:19م
تعيش مدينة الحديدة اليمنية تحت وطأة احتلال فعلي من قبل ميليشيا الحوثي الوكيل المحلي لإيران منذ العام 2015، وهو احتلال يشكل انتهاكًا صارخًا للسيادة الوطنية ويُخضع السكان المدنيين لنفوذ قوة أجنبية عبر وكيل محلي، وفي خضم هذا الوضع المعقد، جاءت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على ميناء الحديدة ومحطة الكهرباء في 29 سبتمبر 2024، لتضيف بعدا آخر للمأساة الإنسانية التي تعيشها المدينة، والتي لم تصرف إيران ولا الحوثيين فلسا في تطوير منشآتها، بل استغلوا ما وُجد فيها لأغراض عسكرية!
منذ سيطرة الحوثيين على الحديدة، تحولت المدينة إلى جزء من شبكة النفوذ الإيراني في المنطقة؛ فإيران، التي تدعم الحوثيين بالأسلحة والمعلومات العسكرية، تستخدم الحديدة كنقطة محورية لتغذية هذا النزاع الدامي، وفشلت الأمم المتحدة في تنفيذ اتفاق السويد بالرغم من التزام أحد طرفيه، واستمرار بقاء بعثة مراقبة وقف إطلاق النار باهظة التكاليف قليلة الأثر.
في القانون الدولي، تعد هذه السيطرة غير الشرعية خرقا لسيادة اليمن وحق الشعب في تقرير مصيره، كما أن استخدام الحوثيين للميناء، وغيره من الموانئ، كوسيلة لتلقي الأسلحة والدعم اللوجستي الإيراني بدلاً من جعله محوراً للتنمية المحلية، يعدّ استغلالا ممنهجا لموارد البلاد في خدمة أجندات خارجية.
في إطار هذا السياق، فإن الحوثيين لم يعملوا على تحسين حياة السكان المدنيين في الحديدة أو في المناطق التي يسيطرون عليها، ولم يكن هذا ضمن أجندتهم حتى المؤجلة أو حتى الملغية، فالبنية التحتية التي كانت موجودة قبل النزاع ظلت دون أي تطوير أو استثمار، باستثناء عملية ترميم نفذتها الامم المتحدة، وبدلا من ذلك، تم تحويل الموارد المتاحة لخدمة أهداف عسكرية بحتة.
في ظل هذا الاحتلال غير الشرعي، يأتي القصف الإسرائيلي على ميناء الحديدة ومحطة الكهرباء ومخازن الوقود كجزء من تصعيد أوسع في المنطقة، حيث تسعى إسرائيل لضرب المصالح الإيرانية في مناطق نفوذها المختلفة، بما في ذلك اليمن. ومع أن الحوثيين وإيران لم يسهموا في بناء أو تطوير هذه المنشآت الحيوية، إلا أن القصف الإسرائيلي يثير عدة تساؤلات حول القانون الدولي والإنسانية، وحول دعاوى "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم"!
الهجمات على البنية التحتية المدنية، مثل محطة الكهرباء والميناء ومخازن الوقود، تؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث يعتمد ملايين المدنيين على هذه المنشآت للحصول على الكهرباء والمواد الأساسية.
ينص البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف على ضرورة حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية في زمن النزاع، واستهداف مثل هذه المنشآت يُعدّ انتهاكا واضحا لهذا المبدأ، حتى وإن كانت تحت سيطرة جماعات مسلحة غير شرعية.
ورغم أن هذه المنشآت قد تخدم الحوثيين عسكريًا، إلا أن تأثير استهدافها يقع بشكل رئيسي على المدنيين، ومن هنا، يجب التأكيد على أن استهداف البنية التحتية المدنية، حتى وإن كانت تحت سيطرة جماعة مسلحة غير شرعية، يظل انتهاكا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، ويظل من واجب الأطراف المتنازعة أن تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية وأن تتجنب أي عمليات تؤدي إلى معاناة إضافية للمدنيين، ومن نافل القول إن سلوك أي من أطراف النزاع لا يعطي بقية الاطراف حق الرد بالمثل إن كان يشمل أهدافا مدنية.
الهجمات الإسرائيلية في اليمن تأتي كجزء من تصعيد أكبر بين إسرائيل وإيران، حيث يبدو أن إسرائيل تهدف إلى تقليص نفوذ إيران الإقليمي عبر استهداف وكلائها، الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وسوريا، وهذا التحرك العسكري يعكس توسعا في المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية ليشمل جبهات جديدة، سيكون لها تأثيرها المباشر الذي يعمّق الأزمة الإنسانية ويزيد من صعوبة وصول المساعدات الإنسانية الضرورية. فالحديدة، كميناء حيوي، تعدّ شريان الحياة للعديد من المناطق في شمال اليمن، واستهدافها يعرض الملايين لخطر المجاعة وانعدام الخدمات الأساسية.
المدنيون في الحديدة يجدون أنفسهم اليوم عالقين بين طرفين متنازعين لا يهتم أي منهما بحياتهم أو يعطي لحقوقهم الإنسانية أي احترام، فالحوثيون يسيطرون على المدينة ويستخدمون بنيتها التحتية لأغراض عسكرية، بينما تقوم إسرائيل باستهداف هذه البنية في إطار مواجهتها الإقليمية مع إيران. وفي كلتا الحالتين، يدفع المدنيون اليمنيون الثمن من أرواحهم ومنشآتهم.
إن ما يحدث في الحديدة من استغلال للبنية التحتية المدنية من قبل الحوثيين التابعين لإيران، بالإضافة إلى القصف الإسرائيلي الذي يستهدف هذه المنشآت، يشكل انتهاكا للقانون الدولي الإنساني. المدنيون في هذه المدينة هم الضحية الأولى لهذا الصراع، حيث تُدمر حياتهم ومصادر رزقهم في إطار حسابات سياسية وعسكرية لا علاقة لهم بها، والقانون الدولي يلزم جميع الأطراف بحماية المدنيين والبنية التحتية التي تخدمهم، بغض النظر عن طبيعة النزاع أو أهدافه، كما أن حماية الأبرياء ليست مجرد نص قانوني، بل واجب إنساني ينبغي احترامه للتخفيف من آثار الحروب التي فشل أطرافها في تجنب الدخول إليها.
* (المصدر أونلاين)