أهم الأخبار
موسى النمراني

موسى النمراني

حميد الأحمر والعقوبات.. ماذا خسر وماذا يمكن أن يكسب؟

2024-10-10 الساعة 03:44م

يوم أمس الأول، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية إدراج البرلماني ورجل الأعمال اليمني حميد الأحمر ضمن قائمة عقوبات اقتصادية، وهو قرار يعكس توجها متزايدا من قبل الولايات المتحدة لاستهداف شبكات التمويل والدعم لحركة حماس، تأكيدا على دعمها غير المحدود لدولة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في توقيت يمثل مرور عام على حرب الإبادة التي بدأتها من غزة جنوبا، وأوصلتها اليوم إلى لبنان شمالا، ولا أحد على ثقة تامة بالمكان الذي ستنتهي فيه.
 

طوال عقود ظلت الولايات المتحدة تقدم نفسها مناصرا للديموقراطية وحقوق الإنسان من جهة، فيما يسير سلوكها في جهة مختلفة؛ ابتداء من قيادة عمليات غزو لدول ضعيفة لأهداف غير إنسانية وبوسائل غير قانونية، مرورا بدعم جرائم الحرب التي تمارسها دولة إسرائيل، وتنصيب نفسها وكيلاً دائماً عنها في مجلس الأمن، وليس انتهاءً بدعم الأنظمة العنصرية لدرجة تصنيف الراحل نيلسون مانديلا إرهابيا إلى تاريخ لاحق لحصوله على جائزة نوبل للسلام، وانهيار نظام الفصل العنصري الذي كان يناضل ضده في جنوب أفريقيا.

الخبر الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية وصف الأحمر بأنه أحد أبرز المؤيدين الدوليين لحماس، وعضو رئيسي في محفظة استثمارات حماس السرية، ورئيساً لمؤسسة القدس الدولية الخيرية. تم تصنيفه لمساعدته ماديا أو رعايته أو توفير الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي أو السلع أو الخدمات لحماس أو مؤسسة القدس الدولية أو دعمهما. وبطبيعة الحال، تعد هذه الأنشطة من وجهة نظر رسمية في اليمن، وشعبياً في المنطقة، أنشطة قانونية، ومساهمة في نصرة قضية عادلة وشعب مظلوم، وبالتالي، فهذه العقوبات لن تضر بسمعة الرجل أو تقدمه باعتباره مجرماً أو خارجاً عن القانون، بل على العكس تماما، فإنه سيزيد من رصيده الشعبي ويعيده إلى الواجهة بطلاً مناصراً لقضية عادلة.

أحد الجوانب الواضحة لتأثير العقوبات هو تقييد حرية التنقل؛ فإدراج الأحمر في القائمة يعني منعه من دخول الولايات المتحدة وربما دول أخرى تربطها اتفاقيات تعاون مع واشنطن، ولا شك أن هذا سيحد من قدرته على المشاركة في بعض الفعاليات الدولية أو التنقل لأغراض تجارية، مما يضعه في موقف غير مريح على الصعيد الشخصي والمهني.

على المستوى الاقتصادي، لا يمكن التقليل من تأثير العقوبات على شركات الأحمر؛ فتجميد الأصول المالية وفرض قيود على الوصول إلى النظام المالي الدولي سيعيق قدرة هذه الشركات على مواصلة أعمالها بسلاسة؛ لأن العديد من العمليات التجارية الدولية تعتمد على النظام المصرفي الأمريكي والدولار، وبالتالي فإن أي تجميد للأصول أو حظر على التحويلات المالية سيؤدي إلى صعوبات مالية لا يمكن التقليل من شأنها.

الطابع الاقتصادي للعقوبات لا يدفع لإغفال آثارها السياسية، وهي من حيث الإجمال قد تكون إيجابية على مستوى الرضى العام عنه، وعودة رصيده الشعبي إلى التنامي بعد خسائره المعنوية الكبيرة مقابل مليشيا الحوثي التي استهدفته بشكل مباشر في العام 2014 في طريق سيطرتها المنفردة على صنعاء وإلغاء ما عداها من القوى السياسية والاجتماعية.
وبما أن لكل حدث وجهين، فإن هذا القرار قد يصب في مصحة الأحمر من خلال المكاسب الشعبية التي يمكن أن يحققها عبر إعادة تقديمه كبطل داعم لحركة تحرر وشعب مظلوم مضطهد، خصوصا في سياق سيل التعاطف الشعبي الجارف حاليا مع القضية الفلسطينية. فالاتهام الأمريكي الموجه له بدعم حماس، سيسهم في تقديمه كشخصية مقاومة تدعم حركة تحرر فلسطينية تواجه ظلم الاحتلال الإسرائيلي، وبعد خسائره مقابل الحوثيين خلال السنوات العشر الماضية، يجد الأحمر نفسه في موقف يعزز شعبيته داخل اليمن وخارجه، وفي كل مكان ينظر فيه إلى "حماس" كرمز للنضال ضد الظلم.

هذا السيل من التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية، خاصة بعد حرب الإبادة الجارية الأخيرة في الأراضي المحتلة وما يصاحبها من تغطية إعلامية واسعة لجرائم الاحتلال، يجعل من السهل تقديم حميد الأحمر كـ "بطل" يدافع عن الشعب الفلسطيني المضطهد؛ خاصة بعد انتشار الوعي بعدالة القضية في الشارع الغربي تحديدا، وإدراك مدى أهمية دعم المقاومة الفلسطينية كواجب أخلاقي في المقام الأول، ومن هنا، قد تتحول العقوبات إلى جزء من حملة إعلامية وسياسية ترى فيه ضحية للتدخلات الغربية السلبية في الشرق الأوسط، مما يزيد من رصيده الشعبي في الأوساط التي تؤيد القضية الفلسطينية وتدعمها.
علاوة على ذلك، ستكون هذه العقوبات داعماً للأحمر كمنافس قوي لخصومه الحوثيين على زعامة مناصرة القضية الفلسطينية، خاصة بعد نجاحهم في تقديم أنفسهم كمدافعين عن فلسطين في خطابهم السياسي، وسيجدون في حميد الأحمر منافساً قوياً لهم في هذا المضمار، خاصة وأن العقوبات ضده تأتي بسبب دعمه لحماس، مما يمنحه مصداقية أكبر في هذا السياق، ولا شك أنه سيستخدم هذه لتعزيز نفوذه السياسي في المساحة الشعبية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية والرافضة لسلوك مليشيا الحوثي أو المحور الإيراني في المنطقة إجمالا.

في الوقت الذي قد تبدو فيه العقوبات كمحاولة لتهميش دور الأحمر أو الإضرار به خدمة لمصالح الكيان الإسرائيلي في المنطقة، إلا أن أحداثا مثل هذه قد تولد فرصا جديدة للزعامة، وتجعل من الشخصيات المتهمة أبطالا في نظر فئات واسعة من الناس، وعلى الرغم من الآثار السلبية المتوقعة نتيجة القيود التي تفرضها العقوبات الأمريكية، إلا أنها قد تشكل فرصة حقيقية له لإعادة تموضعه على الساحة السياسية، ليس فقط كشخصية اقتصادية مؤثرة، بل أيضا كبطل وطني شجاع داعم لقضية فلسطين العادلة.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص