أهم الأخبار
مصطفى الجبزي

مصطفى الجبزي

‏ورطة مزدوجة.. ما بعد مذكرة المحكمة

2024-11-26 الساعة 07:13م

‏تأسس النظام الدولي القائم على مجموعة قيم لتفتح الباب امام مرحلة منافية لما سبق .

‏واهم هذه القيم الحق والعدل. كان النجاح نسبياً في تحقيق هذه القيم وإنزالها إلى ارض الواقع . مع هذا ظهر انكفاء كبير عن الاعتراف بنتائج الحرب وفرض واقع سياسي جديد يقوم على القوة والقوة لا غير.

‏واتسم العهد الجديد عقب الحرب العالمية الثانية بعلو مقام الغطاء القانوني امام اي فعل في العلاقات الدولية.

‏شُيدت مؤسسات لهذا الغرض لتنهض بتحديد الشرعية القانونية لفعل ما. مع الوقت انسحب القانون من تحديد العلاقة بين الدول إلى العلاقة داخل الدولة للحد من الحروب المدمرة والإبادة وكبح الجرائم بحق الإنسانية والامتثال لقانون الحرب.

‏ما تزال النتايج بعيده عن المأمول إلا انها كبحت كثيرا الحروب المفتوح وقلصت القتل المباشر الكثيف.

‏وحرصت الدول المنشئة وذات اليد الطولى في النظام الدولي الجديد على اكتساب غطاء قانوني لأفعالها بما فيها الأفعال المجنونة والحربية وأفعال الهيمنة.

‏وعندما نقول "قانون" فاننا على نحو ما نقصد الاخلاق وان كانت اخلاقا غير إطلاقية وتهدف إلى عدل متواضع عليه يؤطّر نشاط الفاعلين.

‏اثبتت المواقف السياسية تباعا حدود هذا النظام حين تبنت بعض القوى مواقف مزدوجة وسمحت بتجاوز محددات النظام الدولي وقوانينه. خصوصا عندما يصب ذلك في مصلحة طرف ويناسب خطابه وادعاءاته القيمية.

‏كان اكثر اختراق يتمثل باحتكار تعريف مفهوم الارهاب وفي ظل لبس كبير ميداني.

‏لكن الحرب الدائرة في غزة كشفت حدود هذا الغطاء بشكل فج وادخلت الشعوب والدول في ازمة قيمية وحضارية وظهرت الانقسامات والتباينات في الإرادات داخل المجتمع الواحد حيث تذهب الحكومات إلى تبتي خيارات منعزلة عن الارادة المجتمعية تحت غطاء سياسي.

‏مرة اخرى كانت تعليلات الحكومة المساندة للكيان دون شرط هي مكافحة الارهاب وحق الدفاع (من عدو داخلي). لم تستخدم كلمة فرض الامن والنظام.

‏إلا ان جر الصراع الاسراييلي الفلسطيني والعربي إلى اروقة المحكمة الدولية أضاف بعداً اخراً للورطة (الغربية ولكن العربية ايضا) وكلما تقدم الملف اشتدت حدة الورطة لانها هذه المرة تمس الغطاء القانوني - الاخلاقي الذي تحرص عليه الدول.

‏ماذا الان وقد صدرت مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وغالينت وقادة فلسطينيين من الحركة اغلبهم قد مات مقتولاً؟

‏من الممكن المناورة سياسياً والتلاعب بالغطاء القانوني الاخلاقي لكن يصعب التلاعب على المدونة القانونية التي اسمهت الدول الداعمة للكيان في صياغتها.

‏الدول الرافضة لمذكرة المحكمة الان تقف ضد القانون وضد العدالة. انقشع الغطاء السياسي ولن يكون من السهل طمس ادعاءات جرائم إنسانية وجرائم حرب تصل إلى مستوى الإبادة.

‏كلما علت نبرة الرفض لمذكرة الاعتقال بدت الدول الرافضة مارقة وقوضت شرعيتها الدولية . لكنها تسهم في تقويض النظام الدولي الراهن ليظهر نظام بديل لا تهيمن عليه بالضرورة او على الاقل مكانها داخله سيتغير قيمياً وعملياً.

‏ستجد الدول نفسها في موقف حرج اولا مع مواطنيها والحركات السياسية المعارضة لها. ستكون مواقفها بلا شرعية وسينقسم الغطاء "الحضاري" الذي تتدثر به في حروبها او موالاتها غير المشروطة لجرائم الكيان مفتوحة.

‏ سيكون للقرار اهمية أكبر إذا تلقفته منظمات وحركات ومجاميع شعبية وجعلته معيارا في التعامل الاقتصادي والعلمي والمالي والسياسي مع الكيان.

‏صحيح ان القرار يمس اشخاصا بعينهم لكنهم يمثل هزة كبيرة للسرديات المؤسسة وشرعية الوجود لكل من الكيان المحتل وحركة المقاومة وهذا وجه الخطورة فيه.

‏قرار المحكمة بأمر القبض مكسب معنوي مهم في مسارات العدالة ويمكن ان يشكل لبنة امام حالات الإستبداد المختلطة بقتل وجرائم في بلدان عديدة ليست بالضرورة طرفاً في المحكمة.

‏القرار يعيد الاعتبار للمسارات العدلية والعمل النضالي للتحرر من الاحتلال . ويمثل دافعا معنويا للأصوات المناهضة لهذه الجريمة التي يتم إسكاتها بأشكال متعددة منها معادات السامية او التشجيع على الارهاب او الاسلاموية.

‏لا أتوقع التطبيق السريع للمذكرة لكن القرار يطعن في الفوقية المطلقة للدول الديمقراطية لمجرد انها ديمقراطية فانها في مأمن من الانزلاق في اثام القوة وزلات البشر.

‏ثم اي ديمقراطية تلك التي يدوم رئيسها ثلاثة عقود. انها ديمقراطية لا تختلف عن النظم الشمولية حيث تأبيد الحاكم وحاشيته.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص