أهم الأخبار
محمد العرب

محمد العرب

هاشم الأحمر.. مجدٌ عسكري كُبّل كي لا تُحرر صنعاء

2025-03-16 الساعة 04:08ص

أنا لا أكتب لأجامل، ولا أُسرف في الحبر لأرضي أحداً…إنما أكتب لأن الزمان يستحق صوته، والمكان يستحق عدالته، والحدث لا يليق به إلا شهادة العين لا همس الرواة. أكتب لأضع الحقيقة في موضعها، لا حيث يشتهي الهوى ولا حيث تملي المجالس ، فبعض الكلمات لا تُقال، بل تُزرع في الوعي… لتُثمر عدالة في ذاكرة الزمن.

كنت هناك في الميدان، حيث تُختبر المعادن وتُغربل الشعارات ويظهر الرجال من بين الركام ، رفيق المتارس بالصوت والصورة ، وأقسم غير حانث أنني حين رأيت اللواء هاشم بن عبدالله الأحمر في خنادق الجوف وصحراء صعدة وطوق صنعاء ، أدركت للمرة الأولى أن المعركة ليست فقط بندقية وذخيرة… بل روح، وعقيدة، ورجولة متجذّرة لا تصنعها الرتب بل تصقلها المواقف.

هاشم الأحمر كان طوفاناً صاخباً يلتهم الخوف من قلوب رجاله، ويغرس فيهم شجاعة فطرية لا تُدرّس في الأكاديميات. كنت أراه يقود المعركة من الأمام لا من خلف الستار، يُطالع الخرائط بعيون الصقر، ويقرأ الجغرافيا كأنها كتاب طفولته وصباه وشبابه ، لم يكن يكتفي بالأوامر، بل كان يُشعل في جنوده شرارة النصر قبل أن تنطلق الطلقات، وكان يعرف أن المعركة تُربح بالمعنويات قبل العتاد.

رأيته كيف كان يُحوّل الرمال إلى حصون، والتضاريس إلى مسرح عمليات متكامل، يُفاجئ العدو بتكتيكات لا تخطر إلا في أذهان القادة الفطريين، أولئك الذين خلقوا للخنادق لا للمكاتب…!

كان يسبق خصومه بخطوتين دائماً ، يعرف أين يضرب ومتى، وكيف يُربك صفوف الحوثيين دون أن يُحدث ضجيجاً ، لم يكن رجل ضجيج إعلامي، بل رجل أثر ميداني، وكم من أثر تركه دون أن يُعلن عنه وكنت شاهداً عليه

لقد رأيت بأم عيني كيف كان يحوّل وحدات متناثرة إلى كتيبة متماسكة، يُحيي في الجنود روحاً كادت تنطفئ من طول الصراع وتآكل الثقة، ويزرع فيهم إيماناً بأن النصر ليس مستحيلاً متى ما قادهم رجل كهاشم الأحمر ، كان القادة الآخرون يراهنون على الدعم والذخيرة، أما هو فكان يراهن على الإيمان والبأس، على اللياقة العسكرية المقترنة بالإخلاص العقائدي لمعركة استعادة الدولة.

ولا أقول هذا مجازاً… فحين كنا نقف في الخطوط الأمامية، كان الحوثي يتراجع كلما سمع أن الأحمر يشرف على محور معين. كان اسمه وحده كفيلاً بإرباك خطط العدو، لأنهم يعرفون أنه ليس قائداً يحضر للبروتوكول، بل قائد يُقاتل كأنه جندي، ويتقدم كأنه نداء للكرامة.

ولعل أكبر خيانة للمعركة لم تكن من العدو، بل من أولئك الذين ضاقوا بصوت النصر حين اقترب. كُبّلت يداه حين بدأت الجبهات تتنفس، وتم التضييق عليه حين بدأت ملامح الحسم تلوح في الأفق وأقولها بملء الصوت واليقين: لو أُطلقت يد هاشم الأحمر، لكنا اليوم نصوم في صنعاء، ولانتهى الانقلاب، ولاستعادت الجمهورية أنفاسها قبل أن تنزف أكثر. لكن بعض المعارك لا تُخسر بالبندقية، بل تُخنق بقرارات خلف الكواليس.

هاشم الأحمر لا يحتاج منصباً ليثبت نفسه، فهو مدرسة في الفكر العسكري الميداني، يحمل عقلاً عملياتياً نادراً ، ويملك حدس القائد الميداني الذي يُدرك أن كل شبر له ثمن، وكل تراجع يكلّف أمة. وكان يعلم أن المعركة ليست فقط لإعادة الشرعية، بل لإعادة المعنى للجندية اليمنية التي شوهها البعض بالارتجال والتسييس.

ولم يكن حديثه في خنادق الحرب نبرة متعالية، بل كان دفئاً يمنح العزيمة. كان يمر بين جنوده كما يمر النسيم في قيظ الصحارى، يربت على الكتف، يبتسم للمقاتل، ويهمس له: نحن هنا لنصنع التاريخ، لا لننتظر أحداً ليكتبه عنا ، تلك الكلمات كانت كفيلة بأن تبث في صفوفنا طاقة تفوق ألف صاروخ.

وما يؤلمنا اليوم أننا نراه بعيدًا عن ميادين الحسم، لا لأن الأرض لا تحتاجه، بل لأن حسابات السياسة اليمنية اليمنية أقصت صوت الحقيقة ورفعت صوت التكتيك السياسي الباهت. ولكن مهما حاول البعض أن يُطفئ نجماً مثل هاشم الأحمر، فالميدان لا ينسى، والجغرافيا تحفظ، والتاريخ يكتب بيد من قاتل لا من وقع على الأوراق.

ولن أبالغ إن قلت إن اليمن لا تزال تدفع ثمن إقصاء القادة الحقيقيين أمثال هاشم. هؤلاء الذين يعرفون أن الراية لا تُرفع بالشعارات، بل بالسواعد الصلبة والدماء التي لا تتردد.

اليوم، حين يذكر البعض الهزائم والنكوص، أبتسم بحسرة وأقول: كنّا على بعد خطوة من النصر… فقط لو تُركت يد الأحمر تُقاتل كما أرادت، لا كما أرادوا لها أن تُقيد.

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص