2015-04-21 الساعة 02:11ص
كان الأسبوع المنصرم فارقا، وبدت أحداثه مؤدية لتغير واضح في مؤشرات المشهدين السياسي والميداني، ولعل أبرزها سياسيا إنهاء مهمة جمال بنعمر واختيار الرئيس هادي لخالد بحاح نائبا له بالإضافة إلى مهامه رئيسا للحكومة وكذلك تسارع الخطوات للإعداد لمؤتمر الرياض وبعد ذلك قرار مجلس الأمن الأخير بشأن الأوضاع على الأرض.
جاء إنهاء السيد جمال بنعمر لمهمته الأطول بعد أربع سنوات من التعامل مع الأزمة اليمنية، عايش خلالها تحول حركة التغيير التي نشدها الشباب في ساحات التغيير إلى قضية تفاوضية بين أحزاب سياسية قدمت جميعها مصالحها الحزبية على مصلحة الوطن، ورغم يقيني أن السيد بنعمر كان يدرك هذا، إلا أنه تماشى معه وتغاضى عن كثير من الأخطاء التي تراكمت حتى بلغ الأمر ذروته بإشرافه على (اتفاق السلم والشراكة الوطنية) الذي باركه مجلس الأمن ومجلس التعاون الخليجي فكان نقطة التحول في موازين القوى على الأرض حتى بلغت حد سيطرة الحوثيين على كل مفاصل السلطة والتحكم في مجرياتها وتم لها بموافقة حزبية وأممية.
في ظهوره الإعلامي الأول أحسن خالد بحاح اختيار مفرداته وأحسن الفعل بأن أكد على أن اهتمامه سينصب على الجوانب الإنسانية والعمل على تخفيف آثار الكارثة التي تزداد معها آلام الناس ومعاناتهم كل دقيقة، ومن الأفضل التركيز مع فريقه الموجود في الرياض على هذا الجانب لأن كل التبعات الإنسانية التي ستتضح آثارها بعد الحرب ستتحول إلى مشاعر غاضبة وحانقة على الجميع، فالإنسان العادي لا يدرك تعقيدات الموقف ولا يهتم كثيرا بالبحث عن أسباب ما وصلت إليه الأمور، فتلك قضايا لا تشغل باله حين يتضور جوعا وتنقطع عنه كل الخدمات الأساسية، كما أنه لن يطيل البحث عن المتسبب ولن يجتهد لمعرفة مبرراته وسيوجه كل -حسب درجة قناعاته- جام غضبه إلى من يتصورهم مسؤولين عن مأساته.. من هنا سيكون على الموجودين خارج اليمن أخلاقيا ووطنيا الابتعاد عن العمل الإعلامي والبحث عن المخارج العملية لما يهم المواطنين في الداخل.
لم يعد خافيا وإن كان مذهلا الدور السلبي الذي يصر الرئيس السابق علي عبد الله صالح على ممارسته رغم الدمار المتواصل الذي صار جزءا من المشهد اليومي في كثير من المدن اليمنية خصوصًا عدن وصنعاء وصعدة وكم هو محزن أن ينام ويصحو اليمنيون على مشاهد تلك الحمم الملتهبة في المنشآت العسكرية التي كانت تلتهم الحصة الكبرى من موازناتهم على مدى العقود الخمس الماضية، وأن يكتشفوا بحسرة وغيظ أنها كانت موزعة داخل المدن اليمنية لأغراض لا علاقة لها بالدفاع عن الوطن قدر انتشارها لحماية الحاكم ونظامه، والأكثر إيلاما هو الإيغال في الإصرار على إقحام المؤسسة العسكرية في صراعات مستدامة أنهكتها ودمرت عقيدتها الوطنية، وجعلت قياداتها وأفرادها يبتعدون عن مهمتهم الحقيقية المقتصرة على حماية حدود البلاد، وصيانة الشرعية الدستورية، فانحرفت ولم تخض يوما إلا حروبا داخلية بالمطلق.
ارتكب الرئيس السابق علي صالح سلسلة من الأخطاء الفادحة التي جعلته أسيرا لها، ولا بد أن سنوات الحكم الطويلة التي قضاها منفردا بالقرار أوهمته بالقدرة على تجاوز كل الأزمات التي أحاطت به، لكن ما لم يدركه هو أن آخرين في الداخل وفي الخارج كانت لهم مصالح يتوجب الحفاظ عليها ومراعاتها، وكان مثيرا للدهشة أنه فقد القدرة على التحكم بخيوط اللعبة، فتشابكت بين أصابعه التي كانت يوما ما ماهرة في ضبط حركتها وإيقاعاتها، وها هو اليوم يعيش دون شك أقسى مراحل حياته يشاهد وطنه تمزقه الأحقاد والضغائن وترتفع داخله نبرات الطائفية والمناطقية نتيجة شهوة الحكم والانتقام وكان التحالف الذي جمع بينه وعبد الملك الحوثي بعد سنوات من الحروب الدامية شاذا، رغم أهمية المصالحات الداخلية، إلا أن ما صنعاه لم يصنع رصيدا إيجابيا للوطن بل تحول إلى أداة انتقام من خصومهما والتنكيل بهم.
لا بد أن الكثيرين مقتنعون بأن الحروب أيا كانت أهدافها تنتهي عادة بحوار على طاولة تجتمع حولها أطراف النزاع وفي الحالة اليمنية فإن فريقا يمنيا من المخلصين الذين يحاولون وقف نزيف الدماء اليمنية يواصل لقاءاته تمهيدا لانعقاد (مؤتمر الرياض) وأدرك أن ممثلي المؤتمر الشعبي العام وجماعة الحوثي لم يقدموا أي إشارة على قبولهم المشاركة في اللقاء، إلا أنني أراها فرصة تاريخية لإنقاذ عشب اليمن اليابس وحماية لأطلالها التي دمرتها حروبها المتتالية.
إن الأحوال الإنسانية الصعبة التي يكابدها الناس في الداخل تحتم أخلاقيا ارتفاع صالح والحوثي فوق نزواتهما ورغباتهما الذاتية وعنادهما ومباشرة العمل على الخروج الفوري المنظم لقواتهم من عدن بداية ومن مدن الجنوب كافة تحت حماية إقليمية أو أممية، وليس من الجائز أن يحرصا على الحفاظ على سلاحهم الثقيل أو ما تبقى منه، وفي هذا نقطة انطلاق لعودة الرئيس هادي وحكومته إلى عدن لبدء لملمة الجراحات، ومحاولة إعادة بناء مؤسسات الدولة من هناك.
صحيح أن ما حدث في عدن خصوصا وفي عدد من مناطق الجنوب هو فعل مرفوض أخلاقيا، ولا يمكن إيجاد أي تبريرات له، واعلم أن الحديث الآن عن مستقبل اليمن وصيغته القادمة سيكون غباء سياسيا، لأن الدماء التي نزفت ظلما وعدوانا لا يمكن تجاهلها، وفي نفس الوقت فإن استعادة الهدوء إلى عدن والمدن الجنوبية يستوجب أن تستعيده أيضا مدن شمال اليوم، متزامنًا مع خروج قوات صالح والحوثي والبدء بعملية تسليم أسلحتهم الثقيلة، ومثل ذلك يجب أن تخضع له كل الميليشيات المسلحة في اليمن.
خاض اليمنيون كل حروبهم الداخلية السابقة، وانتهوا منها إلى حالة دنيا من الصفاء والتعايش، ولكن هذه الحرب ستترك جراحا غائرة في أعماق الجميع شماليين وجنوبيين، وإني على قناعة تامة بأن الحديث عن عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 20 يناير/ كانون الثاني 2015 هو ضرب من الخيال ومضيعة للوقت، وتهيئة لجولات مقبلة من الحروب الداخلية، وكان الإصرار على تمرير مشروع تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم غير عملي ولا يتوافق مع رغبات الجنوبيين، وتحول إلى عامل محفز للمشاعر المستفزة وجاءت حملات الحوثيين المتتالية على عمران وصنعاء والحديدة لتضيف مزيدا من الأحقاد وليتهم اكتفوا بهذا، لكنهم واصلوا (مسيرتهم القرآنية) جنوبا وشرقا وغربا.
اليمن اليوم يعيش وضعا إنسانيا صعبا ويجب أن تكون الأولوية القصوى لكل جهد هي إيقاف المعاناة الإنسانية التي تصيب كل اليمنيين دون استثناء، والبحث عن سبل إيقافها دون تباطؤ ولا تسويف.