2015-04-28 الساعة 11:04ص
نحن في الدول العربية وأقصد فقط الجمهوريات ، لم نمارس الحرية والديمقراطية ، ولم نشهد تبادلا سلميا للسلطة ، إلا في حالة واحدة لم تتكرر في تاريخنا ، ألا وهي عندما تنازل الفريق سوار الذهب عن الحكم في السودان ، بعيد الوصول إلى سدة الحكم ، وقد أجريت معه حوارا صحافيا في الكويت بعدها ، وتحدثنا عن هذه الواقعة اليتيمة ، وأقسم لي أنه غير نادم على ما فعله ، وهو صادق لطبيعة الرجل .
وبما أننا في الجمهوريات مارسنا الحكم بصورة أكثر حدة من الملكيات ، فقد وصلت الأمور عندنا إلى ما هي فيه وعليه ، ولأن الشعوب العربية يسهل تدجينها ، وتسجيلها في نوادي السحيجة ، فإنها هي التي تدفع الثمن ، ولنا في سوريا وليبيا واليمن خير مثال.
ولأن عنوان الموضوع هو اليمن ، فسأقصر الحديث عن هذا البلد المنكوب ببعض أبنائه وجيرانه ، لأن من وصل من أبنائه إلى الحكم وإستمر فيه ، مارس الفحش السياسي من أوسع أبوابه ، ولنا في النذل علي عبد الله الصالح الصورة الواضحة .
لو أن الحاكم في اليمن ، خرج من شرنقة القبيلة ، وإرتضى بالحزب الطبيعي ، وليس حزب القبيلة أو العشيرة ، الذي يعتمد تبادلية السلطة سلميا ، سبيلا، لوجدنا يمنا غير اليمن الحالي ، ولو كانت هناك أحزاب ديمقراطية لا تقوم على الأسس العشائرية ، بل هي أحزاب وطن ، لإستقام الموقف ، وكانت النهايات سليمة ، وهذا حال سوريا وليبيا ، ولكن ما جرى كان “تطويب ” البلد ، وتسجيلها في دائرة الطابو كمزرعة بإسم الرئيس الواحد الأوحد الملهم ، الذي لولاه ولولا ذكائه ونباهته وحذقه وبركاته ، لما عاش الشعب .
كان هذا الرئيس الملهم يتصرف على أن البلد هو عبارة عن مزرعة مقفلة له ولأبنائه ولأهل زوجته ، ولا بأس من السماح لقراد الخيل من مص بعض أصابعهم ، وكذلك العسس الذين يتم تثبيت النظام بهم ، ولا يوجد من يسألهم أو يسائلهم عما يفعلون .
كان النذل علي صالح مدللا من قبل حكام دول الخليج العربية ، وكان يتصرف بالمساعدات التي تقدمها هذه الدول إلى الشعب اليمني ، تذهب إلى حساباته في الداخل والخارج ، مع حفظ نصيب زبانيته الأقربين والأبعدين ، وبسبب ذلك كان الشعب اليمني يقتات على كرامته وعزة نفسه ، ومع ذلك فقد باع النذل البلد للحوثي رغم انه خاض العديد من الحروب معه .
لقد وقفت دول الخليج العربية مع النذل علي عبد الله صالح ضد حكام اليمن الجنوبي ، وآزروه عندما إتفق على الوحدة في قمة بغداد في شهر أيار 1990 ، وأصبح هو الرئيس الواحد الأوحد لليمن الموحد ، وقاد البلاد إلى الدمار الذي نراه اليوم.
لو أن النذل صالح كان حاكما منتخبا شرعيا ديمقراطيا ، يفهم أصول الحكم بعيدا عن القبيلة والعشيرة ونفاق المنافقين وتسحيج المسحجين ، لما تصرف هكذا ، فعندما ثار الشعب اليمني مطالبا بالإصلاح والحرية ، كان يتوجب على النذل وزبانيته أن يرحلوا ويكتفوا بما لهفوه من قوت الشعب اليمني ، ولكن ، ولأن النذل صالح كان متكئا على قبيلته وحزبه المتهتك ، فقد أصر على البقاء في الحكم ، وعندما أزفت الآزفة ، باع اليمن للحوثي ، وكان قبل ذلك قد عقد مقاولة مع القاعدة ، وهكذا دواليك .
أما دول الخليج العربية ، فإنها كما قلت آنفا إرتتكبت العديد من الأخطاء في اليمن ، أولها التحالف غير المقدس مع النذل صالح الذي كافأها ببيع البلد للحوثي ، وتوريطها بحرب غير مدروسة تمثلت بعاصفة الحزم التي كلفت السعودية 20 مليار دولار ، وهذا هو الرقم المعلن ، ذهبت للشيطان الرجيم القابع في مصانع الغرب لصناعة السلاح ، وعملت على تنشيط سوق العمل فيها ، بينما نحن كعرب نقبع في الفقر والحرمان ، وشبابنا غارق في البطالة والمخدرات والجريمة بسبب الفقر .
قبل أيام تبرع العاهل السعودي الملك سلمان بمبلغ 274 مليون دولار لليمن إستجابة لنداء الأمين العام للأمم المتحدة ، ولعمري لو ان هذا الرقم تقرر سنويا لدعم التنمية في اليمن لما ثار الشعب ، ولما وصلت البلاد إلى ما هي عليه .
لقد تكالبت المصائب الداخلية والخارجية على أهلنا في اليمن وهم أصل العرب ومنجم الرجولة والبطولات والشهامة ، وقد كانت مشاركة الشباب اليمني في الثورة الفلسطينية دفاعا عن فلسطين ، تسجل في دفاتر وأقلام من ذهب ، ولكننا جميعا ، لم نقدر لهذا الشعب أنه أصلنا إن كنا حقا عربا.