2015-05-02 الساعة 06:08م
التحولات الكبيرة والمتسارعة التي تمر بها المنطقة العربية والشرق الأوسط عموما، تثبت كل يوم مركزية المملكة العربيةالسعودية في المنطقة والعالم الإسلامي ككل. هذه المكانة كانت على وشك اندثارها لولا التحول المفاجئ الذي أتى بالملك سلمان وطاقمه الشاب إلى سدة الحكم، مما غير الكثير من السيناريوهات والتوقعات التي كانت مرسومة من قبل مراكز التفكير الغربية عن المنطقة.
لا شك أن هذه التحولات التي ستعمل على دفع المنطقة من على حافة الهاوية، كان آخرها قرار الملك سلمان تعيين الأمير محمد بن نايف وليا للعهد، ومحمد بن سلمان وليا لولي العهد، حيث ستعيد هذه القرارات رسم وجه جديد للمنطقة العربية كلها باعتبار المملكة مصدر القرار والتأثير فيها، والتي للأسف يتسيدها غير أهلها، من إيران إلى إسرائيل مرورا بالأميركيين وغيرهم.
يدرك الجميع أن ما حصل خلال الشهرين الماضيين من تحولات كبيرة في بنية وصلب القرار الجيوسياسي للمنطقة العربية كلها -ممثلا في عاصفة الحزم- كان بمثابة تحولات عظيمة ومفاجئة وغير متوقعة على الإطلاق، وفقا للتنبؤات التي كانت تخرج بها بعض مراكز التفكير التي دأبت على رسم صور متخيلة لعالم يمضي على غير إرادة أبنائه.
لكن التحولات السعودية صدمت الجميع بالفعل وأظهرت للعالم مدى قوة المملكة وقدرتها على إعادة ترتيب المعادلة السياسية المختلة منذ سقوط بغداد وحتى اللحظة التي أتوقع أنها مرحلة تاريخية مفصلية سيسجلها التاريخ هكذا.
هذه التحولات التي نراها أمامنا قامت بها قيادة المملكة التي هبّت نحو إعادة مسار المرحلة التي أخطأت القيادة السابقة في مغالبتها ومصادمتها، مما أدى إلى كوارث عربية مهولة في كل من مصر وليبيا وسوريا وأخيرا اليمن الذي تداركته هذه القيادة الجديدة.
لا ينقص المملكة شيء، فلديها المال والرجال والقرار ولديها المكانة الدينية ولديها القبول الشعبي والرضا الجماهيري الكبير في سائر أقطار العالم الإسلامي الذي يرى في تحولات المملكة وتحركاتها الأخيرة تعبيرا صادقا عن طموحات الشعوب وإرادتها، وهذا هو سر القوة التي يجب أن تدركها قيادة المملكة الجديدة.
فليس من قبيل المبالغة القول إن المملكة تستطيع اليوم أن تتقدم لقيادة المنطقة العربية كلها وإعادة ترتيب أولوياتها وفقا لهذا الانسجام الكبير والتناغم بين قيادة المملكة وجماهير العالم العربي والإسلامي.
ولا شك أن المملكة -إلى جانب تركيا الأردوغانية- هما القوتان الإسلاميتان القادرتان على إعادة القطار العربي الإسلامي إلى سكته التاريخية التي غادرها منذ زمن، وإعادته إلى مساره الفاعل والطبيعي.
فالمملكة وتركيا قوتان تاريخيتان اقتصاديا وعسكريا -مع كل من ينضوي معهما- تترأسان هذا المشروع الهادف إلى إعادة تشكيل معادلة سياسية جديدة في المنطقة تعيد التوازن المختل في المعادلة الحالية لصالح إيران الفارسية وإسرائيل والقوى الغربية ككل.
ولا شك أيضا، أن ثمة قوى وحركات إسلامية معتدلة كحماس الفلسطينية والنهضة التونسية وإخوان مصر وإصلاح اليمن وليبيا وبعض القوى القومية العربية التي تؤمن بالديمقراطية كخيار في هذه المنطقة العربية، ستشكل جميعها قوى جديدة تسعى لإعادة الكثير من الاعتبار لهذه المنطقة التي ثمة من يسعى لتفكيكها وإدخالها في صراعات إثنية وطائفية تهدف إلى تدميرها.
وقد أثبتت الأحداث في بلدان الربيع العربي أن ثمة توافقا كبيرا بين المشروع الإيراني والقوى الغربية بهدف تفتيت المنطقة العربية واعتماد إيران شرطيا جديدا لها.
لكن المفاجأة كانت على غير المتوقع هذا المرة، وأتت من المملكة العربية السعودية كثقل وازن لم يعهد الغربيون منها شيئا ذا بال يمكن أن يقلقهم منذ الملك الراحل فيصل رحمه الله، لكن ها هو الملك سلمان وطاقمه الجديد يعيدون رسم خارطة الأفكار والتوجهات الجيوسياسية للمنطقة العربية كلها، هذه الخارطة التي ظلت طويلا تنتظر من يعيد ترتيب أولوياتها.
حالة الارتياح والانسجام الكبير بين قيادة المملكة الجديدة بكل قراراتها مع الشارع العربي والإسلامي، تعكس الدور والمكانة الكبيرين للمملكة التي كان يراد اختطاف قرارها لصالح مشاريع غير طبيعية يتم طبخها هنا أوهناك وبلافتات عربية "ليبروفاشية" هذه المرة.
أمام القيادة الجديدة خارطة أولويات تبتدئ باليمن ولا تنتهي في دمشق وبغداد والقاهرة، وهذه الخارطة ينبغي أن ترتكز على صياغة تحالف إستراتيجي عريض مع تركيا وكل القوى الإسلامية والوطنية والليبرالية الصادقة في المنطقة العربية والتي تسعى لترسيخ مشروع ديمقراطي عربي يخضع لخيارات الشعوب وإرادتها، لا لإرادة الأنظمة المستبدة.
كلّي يقين بأن السعودية أمام مرحلة تاريخية مفصلية، وأن المملكة وقيادتها الجديدة عند مستوى هذه المرحلة وتحدياتها, ووضعُ الإستراتيجيات والانطلاق نحو تطبيقها المرحلي والتكتيكي بمعية كل القوى الشريفة في المنطقة، سيكون مفتاحَ الحزم والحسم في كل ملفات المنطقة العالقة والمعقدة.
نقلا عن الجزيرة نت*