2015-05-04 الساعة 01:39ص
محمد عبد السلام، الناطق الرسمي لجماعة الحوثي الإرهابية، يقول لقناة العالم الإيرانية إن جماعته مسيطرة على الأوضاع في عدن، وأنها تواصل دحر القاعدة هُناك.
كما توعد القاعدة في عدن بمزيد من الهزائم.
جدير بالذكر إن قيادات الحوثي تقول إنها تحقق انتصارات عظيمة ضد القاعدة في كل التراب اليمني من مأرب حتى شبوة، ومن البيضاء حتى عدن، ومن الضالع حتى أرحب. ولا يوجد في اليمن، حالياً، سوى الحوثيين، والقاعدة.
هكذا يتحدث مع محمد عبد السلام، وسائر قيادات الحوثي.
لا أدري متى ولد محمد عبد السلام، لكني أتذكر دفاعي عنه خلال حروب صعدة، وعبر صحيفة المصدر. لكن الرجل اكتشف، مع معلمه، أنه يعيش في أرض الدواعش. وقبل يومين قرأت لشاب يبدو أنه من شبوة: "يا أخي روح شوف لك أرض ثانية، هذي أرض دواعش وش جابك إنت بيننا".
وليست مصادفة أن تتحدث الصحف البريطانية عن "كسر في العمود الفقري" للخليفة البغدادي في العراق،
وأن تنقل قنوات تلفزيونية، العربية الحدث، خبراً عن "كسر في العمود الفقري" لأبو علي الحاكم.
لقد كسر عمودان فقريان لرجلين مغمورين بالتقوى عبرا عن حبّهما لله بتحويل آلاف البشر إلى جثث!
الأول هو عسكري الخلافة.
والثاني هو عسكري الولاية.
للذكرى: قبل عام نشر ياسر العواضي، وهو شيخ من البيضاء يملك أموالاً طائلة وعظيمة بالرغم من أنه لا ينتج الخدمات ولا البضائع، صورة له مع أبو علي الحاكم وتحتها كتب الشيخ الثري قائلاً إن أبو علي الحاكم رجل من أنبل وأندر الرجال في اليمن ومن أفضلهم خلقاً. بالنسبة للعواضي: لا تعتبر مسألة إطلاق قذائف الدبابات على قرية في يريم وطمر البيوت فوق رؤوس أهلها أمراً ذا صلة بالأخلاق، ولا بالنبل.
وبينما يقاوم طلبة الجامعة والعمّال الطيبون، بينما هم يصمدون في شوارع تعز وعدن، ويصعدون منحدرات الضالع وصرواح مسكونين بالخوف والشجاعة معا.. يتوافد القوّادون ومتعهّدو القتلة إلى الرياض.
ملحوظة: من الذين وفدوا إلى الرياض سلطان البركاني. وهو رجل لا ينتج الخدمات ولا البضائع ورغم ذلك فقد أقام وليمة عظيمة لابنه قبل خمسة أعوام، وكانت وليمة وحشية دفعت رجلاً في وادي الضباب للصراخ في سوق الأحد:
"والله لو كانت أرض البركاني ذهب وكانت ملك لسلطان إنه ما شقدر يغدي كل هذي الأمة اللي عزمها"!
طلبة الجامعة في خورمكسر، عدن، وحوض الأشراف تعِز يحاولون إيقاف الجحافل البربرية التي فتح لها "عبد القادر هلال" باب صنعاء، وزوّدها بالبنزين والمسلّحين لتفتح المدن الأخرى. قبل هلال أن يحكم عاصمة دولة الحوثيين. كان والياً على عاصمة دولة الحوثيين، وكان يقوم بعمله بتفان، وكانوا معجبين بإخلاصه. علينا أن لا ننسى هذا: إن هلال الذي اكتشف الشرعية أخيراً هو "عمدة عاصمة الحوثيين". أي رجل الحوثيين الأهم، وفي أماكن كثيرة من العالم يصبح عمدة العاصمة رئيساً للدولة!
هاه؟ هل هذه فكرة غريبة؟
ولما رأى هلال حرائق المُدن اليمنية على يد أصدقائه الطيبين! ذهب إلى الرياض، وهناك أيّد الشرعية الدستورية التي اكتشفها للتو! وهناك اجتمع مع بقايا "الحشد الأنيق المليء بالقتلة" وقرّروا:
"نحن من سيحدد مستقل اليمن".
لم يعُد هناك من يمن للتحاوروا حوله أيها القوادون والدجالون واللصوص! هناك خرابة كبيرة، مقبرة خريف عظيم. وييمكن لتلك العنقاء أن تخرج من بين الأنقاض فيما لو غبتم أنتم من المشهد، لو متّم في الرياض أو أكملتم حياتكم هُناك. حواركم الوحيد الممكن هو أن تصمتوا حتى الأبد، وأن لا تعودوا إلى الواجهة!
اختفوا من أمامنا بحق الله، بحق أفريقيا البكر، وبحق حطام سفينة في المحيط! وسيكون ذلك صنيعاً عظيماً. وكمواطن يمني لدي على فلاشة يو إس بي نسخ بي دي إف لكل حواراتكم منذ 1968. أرجوكم لا مزيد، فقط اغربوا، أو اعملوا باعة للأقمشة في خميس مشيط، أو كونوا نبلاء ودوقات. لا يُهم، فقط لا تعودوا إلى خرابتنا العظيمة، دعوها لنا. دعوا لنا هذه الأرض المحروقة، وسنتدبرها على طريقتنا.
قال لي صديقي قبل يومين:
وقفت على سطح منزلي في حي الروضة في تعِز قبل أيام، ولم أرَ شمعة واحدة في كل تعِز. كأن آخر نازح من تعز أطفأ أنوارها خلفه وغاب. ولو نبح كلب في بيرباشا لسمعته كل تعِز في تلك الساعة!
هذه الخرابة هي التي أنجزها صالح والحوثي وهادي، والمرتزقة الرائعون الذين يعيشون في كل الأزمنة وتحت كل الظروف، الذين يؤدون الصرخة ويؤيدون الشرعية ويمجدون الديموقراطية ويحاربون الإرهاب في نفس الوقت!
هذه الخرابة هي المساهمة العظمى لهؤلاء الثلاثة، ومن خلفهم أحزاب اللقاء المشترك ثم نخب صنعاء الرهائن.
اجتمع كل هؤلاء في صنعاء وأنجبوا كل هذا الخراب! وعم الأرض كلها. وفي المشهد الأخير بدت صنعاء مثل عيني ميدوزا، وكلما نظرت إليها مدينة من المدن، أو استجارت بها/ صارت رماداً أو حجراً.
تعالوا، اقرؤوا معي هذا المشهد:
شاب من حريب يحدّثني قبل يومين. قال إن بعض "الأشراف" سمحوا للحوثيين بالدخول إلى منازلهم وقراهم. جاء الطيران العربي ودكّ القرى والمنازل. هربت عوائل الأشراف إلى وسط حريب واستجارت ببعض الأسر "الطيبة، العادية". وكانت عوائل أشراف بني هاشم في حريب كلما اقتربت من منزل صاح بهم أهل المنزل "روحوا بعيد لا تجلبوا لنا الخراب معاكم". وعندما وقفت واحدة من عوائل الأشراف منهكة وخائفة إلى جوار سور منزل هرب كل سكان المنزل وهم يتصايحون ويلعنون.
هذه الصورة من إنجاز محمد عبد السلام وعبد الملك الحوثي. اكتشف الرجلان أن اليمن أرض الدواعش. وأوقدا ناراً يونانية عظيمة، وهي تلك النار التي يزيدها الماء اشتعالاً! وها هي الآن تحاصرهما في كل مكان.
وقبل حوالي شهرين هددني أحد الرجال الأشراف في مراسلاتنا. وقلتُ له بوضوح "أخشى من يوم يأتي يكون اسمُك خطراً على حياتك، ويجري الناس خلفك في الشوارع بالحجارة. لا تجلبوا لأنفسكم اللعنة. هل تبحثون عن وطن تسكنون فيه أم عن أرض تملكونها. عن مواطنين يجاورونكم أم عن سوق للعبيد والإماء. لا تلعبوا هذه اللعبة الحرجة، سيلاحقكم الناس بالقباقيب".
وقهقه، ثم قال كلاماً قبيحاً.
لا يقرؤون التاريخ، ولا يعرفون كيف تعالج البشرية، مستندة إلى دينامية موجية بداخلها، اختلالاتها.
تطابق الحوثيون والقاعدة في كل الملامح:
ـ جهاد مقدّس
ـ العدو داخلي، ومسلم. وفي الغالب عدو عائم وغائم وغير معرّف.
ـ الأناشيد الدينية، أناشيد تمجيد الجهاد والموت وهجاء الأعداء
ـ التبرعات الدينية.
ـ الاستدلال بنفس الآيات والأحاديث
ـ تمجيد الاستشهاد والسخرية من الموت.
"ملحوظة: دراسة تربوية غير رسمية قالت إن سبعة من كل ثمانية من طلبة المدارس في صعدة قالوا إنهم يتمنون أن يصبحوا شهداء عندما يكبروا. بينما قال الشخص الثامن إنه لا يريد أن يستشهد، وأنه يفضل أن يكون طبيباً أو مهندساً".
ـ تقسيم العالم إلى أعداء وجواسيس
ـ أعضاء القاعدة مجاهدون، أعضاء الحوثية مجاهدون. لا يوجد لدى الجماعتين مواطنون.
ـ المرجعية الفكرية للجماعتين يمكن وصفها ب "كتاب حرب". والمدونة السلوكية اليومية هي "يوميات مجاهد".
ـ لا تؤمن الجماعتان بالدولة، ولا بالديموقراطية.
ـ ترى الجماعتان، على نحو عميق، أنهما تنفذان مراد الإله. وأن أفكارهما ليست أفكارهما بل رغبة الخالق، وأن خبرتهما من العنف والوحشية هي مسألة من شأنها أن تعزز هيبة الدين.
ـ تعتقد الجماعتان أن السياسة مشكلة عويصة، وأن الجهاد هو البديل للسياسة "راجع تقرير اللجنة الرئاسية التي التقت الحوثي. ويمكنك مراجعة خطابات بن لادن".
ـ يقود الجماعتين، ميدانياً وإعلامياً، أحداث متهوّرون لم يحصلوا على نصيب كافٍ من الثقافة والتعليم الحديث، ويستعيضون عن نقصان المعرفة والعلوم بحشد نصو القرآن في خطابهم اليومي.
ـ إلخ إلخ إلخ..
وهناك أكثر من دراسة تناولت موضوع "العلاقة بين العصابات". وغالباً ما تكون علاقة حادة ووحشية، فالعصابات المتشابهة تحكمها علاقات صراع إذا ما ساقتها الظروف إلى العيش في جغرافيا واحدة. وهذا ما يجعل خطاب الحوثي ضد القاعدة، التي يشبهها تماماً، نارياً وغير متسامح، والعكس بالعكس.
لكن القاعدة والحوثيين لن يخوضا حرباً حقيقيّة في المدى المنظور. فلدى كل منهما حالياً ما يكفي من الأعداء. لكن الكراهية العميقة تسكن كل منهما تجاه الآخر.
على كل حال.
نحن نعيش وضعاً كارثاً مهيباً على كل الأصعدة. ثمّة جوع مهول، وربما لن يمضي وقت طويل حتى تهاجم البيوت الفقيرة البيوت الغنية. أو الأسر التي تملك رغيفاً واحداً الأسر التي تملك خمسة أرغفة.
تذكروا من المقريزي:
"الشدة المستنصرية". وهي تلك السنوات الفظيعة من الجوع والفقر التي سادت مصر في السنوات الأخيرة لحكم المستنصر الفاطمي. وصل حد خروج المرأة إلى الشارع تعرض ذهبها بقطعة من الخبز ولا تجد. ويخرج أمير هزيل على حصان هزيل. ينزل الأمير ويربط حصانه فيأتي لصوص هزال الأجساد، بسبب الجوع، فيأكلون الحصان. تلقي الشرطة عليهم القبض وتصلبهم. وفي الليل يأتي جياع وينزلونهم من على الصلب ويأكلونهم!
وعلى هذا الركام، فوق هذه الأنقاض، أمام هذا الأبوكاليبتوس وقف عبد القادر هلال ومحمد ناجي الشائف وأحمد عبيد بن دغر وسلطان البركاني وحمود عباد، وقالوا بصوت واحد ورخيم:
هانحن في الرياض، سنبحث الطريقة المُثلى لإخراج اليمن العظيم من الأزمة!
وما إن قفز هذا المشهد الآن أمام عيني حتى تخيلت سماعة ميكرفون عظيمة قطر دائرتها كيلو متر، موضوعة على قمة جبل النبي شعيب. خلفها يقف شاب بائس وغاضب وجائع، يضع كفيه على أذنيه ويصيح بأعلى صوته:
أحييييييييه
فيضرب صوته الصحراء الشرقية في أراضي المهرة!
ولا يصل إلى الرياض.