2015-05-14 الساعة 11:30ص
من حق موسكو أن تعتبر زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى روسيا، الأولى منذ توتر علاقتهما الثنائية عقب دعم موسكو للانفصاليين (أو الاستقلاليين) في أوكرانيا، انتصارا معنويا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إلا أنها، بالدرجة الأولى، انتصار لعودة التعاون الأميركي - الروسي على مقاربة أزمات العالم وقد بات ضروريا في الوضع الراهن لأزماته.
زيارة كيري لروسيا تعتبر إقرارا أميركيا رسميا بأن روسيا لاعب رئيسي على ساحة الأحداث الدولية يصعب تجاهل دورها أو حتى تجاوزه. وتجربة واشنطن «عزل» روسيا بعد أحداث شرقي أوكرانيا دليل كاف على صعوبة تطبيق دبلوماسية العزل الدولي.
أما وقد عاد قطبا الزعامة الدولية إلى دبلوماسية التعاون، فالسؤال واجب عن الأزمات التي قد يتعاونان على حلها.
استنادا إلى المصادر الأميركية والروسية، الأزمات المطروحة على طاولة مباحثات كيري وبوتين هي أوكرانيا وسوريا وإيران.
بالنسبة إلى سوريا وإيران، إذا كان ثمة دافعان بارزان لعودة دبلوماسية الاتصال المباشر بين واشنطن وموسكو فقد يكونان:
- قلق موسكو وواشنطن المشترك من تكاثر أعداد المحاربين من مواطنيهما المشاركين في معارك سوريا، وخصوصا «المتطوعين» منهم في صفوف فصائل متشددة تدرجها العاصمتان في خانة المنظمات الإرهابية. ولا يخفي مسؤولون في العاصمتين الروسية والأميركية معا تحسبهم - كي لا نقول تخوفهم - من أن يعود هؤلاء المقاتلون المدربون إلى بلدهم الأم مشبعين «بتراثهم» الإرهابي، آيديولوجيا وعملانيا - مع العلم بأن روسيا قد تكون أكثر عرضة من الولايات المتحدة لممارسات المتشددين بالنظر لواقعها الإثني والديمغرافي.
مصداقية هذا التحسب ازدادت بعد النجاحات العسكرية التي حققتها فصائل المعارضة السورية على قوات النظام السوري في إدلب وجسر الشغور والقلمون في وقت بدأت تظهر فيه إلى العلن بوادر خلافات متزايدة داخل ما تبقى من بنية النظام.
- إدراك موسكو، الضمني، بأن نفوذها السياسي في دمشق آخذ في الأفول لصالح النفوذ الإيراني المتنامي على الصعيدين السياسي والعسكري، ففيما اقتصرت مساهمة روسيا في حماية نظام بشار الأسد من الانهيار على الحؤول دون صدور قرار دولي يدين ممارساته، وعلى تزويده ببعض الأسلحة المتطورة وقطع الغيار لطائرات الهليكوبتر.. كان نفوذ إيران في دمشق يتنامى بخطى ثابتة على أكثر من صعيد.
لم يعد خافيا على أحد، وخصوصا على أجهزة الاستخبارات الروسية والأميركية، أن الدعم الإيراني المالي السخي للنظام السوري، والدور المتنامي «لمستشاري» الحرس الثوري ومقاتلي ميليشيا حزب الله اللبناني حولا نظام الأسد إلى رهينة لطهران وأداتها العسكرية حزب الله.
واضح أن فعالية النفوذ الروسي في دمشق لم تعد واعدة كما كانت قبل سنتين، الأمر الذي أكده فشل دورتي مباحثات حول سوريا أجرتهما موسكو بإشرافها هذا العام في التوصل إلى أي تفاهم نتيجة تعنت وفد النظام السوري في موقفه ورفض المعارضة حضور اللقاء. لقاءا موسكو كشفا حدود «كلمة» روسيا في سوريا وربما قطعا الطريق نهائيا على أي مبادرة تسوية روسية منفردة.
والواقع أن الولايات المتحدة لا تبدو في وضع أفضل من وضع روسيا. إلا أن واشنطن، التي سبق لها أن تعاونت مع روسيا في محاولة «إخراج» حل سياسي للنزاع السوري، لن تجد حرجا في التعاون معها مجددا على وضع صيغة تسوية جديدة تأخذ في الاعتبار أن أربع سنوات من المعارك الضروس لم تفلح في إعادة سيطرة النظام السوري على أرضه وشعبه رغم تفوقه العسكري الواضح واحتكاره السلاح الجوي.
ربما حان الوقت لروسيا، التي تأمل من زيارة جون كيري إعادة الاستقرار إلى علاقتها الثنائية مع الولايات المتحدة (كما أعلن مصدر دبلوماسي روسي) لأن تقايض تجاوز الإدارة الأميركية موقفها المعلن من الأزمة الأوكرانية بتجاوز مماثل لموقفها من الأزمة السورية والعودة إلى التعاون مع الولايات المتحدة بدبلوماسية لا تعيد الاستقرار إلى علاقتها الثنائية مع واشنطن فحسب.. بل إلى سوريا أيضا.