أهم الأخبار
محمد جميح

محمد جميح

محمد المختلف عليه

2015-06-11 الساعة 01:51ص

يعاد إنتاج صورة النبي محمد مع كل موجة من موجات العنف الذي تتبناه تنظيمات إسلامية مسلحة هنا أو هناك، وفي لحظات بعينها تخرج لنا صورة «النبي الإرهابي، محمد اللاسامي، نبي العرب، نبي الصحراء»، أو تصاغ مصطلحات جديدة من مثل «الإسلام الفاشي»، أو «النازيون المسلمون»، أو «محمد الهتلري»، وغيرها من التسميات التي تنضح حقداً على نبي الإسلام، أكثر من كونها نتائج لبحث أكاديمي منصف.

شيء مهول يضخ هذه الأيام في صحف التابلويد، ومواقع التواصل الاجتماعي حول شخصية النبي وميراثه وطبيعة القرآن والله، وغير ذلك من معتقدات الإسلام، في عواصم غربية وبعض العواصم الإسلامية للأسف الشديد. ولا تقتصر المسألة على ذلك، بل يخرج الكثير من تلك الإسقاطات النفسية على شكل أبحاث أكاديمية، بلغة توحي بخبث أنها لغة أكاديمية محايدة، وهي لغة ملتوية لا تعكس أكثر من «الظلام الروحي»، الذي يعاني منه أصحابه. لا يمكن فهم أفكار كريج وين في كتابه «نبي الموت»، إلا على أساس أنه جملة من الإحباطات والعقد النفسية التي طرحها كريج وين على الورق في ثوب حاول أن يخدع القراء بأنه ثوب أكاديمي. لا أعتقد أن رجل أعمال ـ في الأصل ـ مثل وين، يمكن أن يكون منصفاً في كتاباته، عندما تحول من رجل أعمال إلى مؤلف كتب، لأنه لا يزال يعمل بعقلية التاجر، الذي تهمه مقادير الربح والخسارة لا التقصي والتدقيق والفرضيات والنتائج.

طبعاً يبني وين فرضياته على أساس أن النبي محمد كان يحمل حقدا شخصياً على قريش منذ الصغر، وأنه خرج من مكة حاملاً حقده معه، وعاد إليها ليثأر من قريش، وأن كل ما في الإسلام من «إرهاب» يعود إلى «عقدة الكراهية الشخصية» هذه، ناسياً أن محمداً عندما عاد إلى مكة فاتحاً، قال لأهلها «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

يُحمل التاجر المؤلف كريج وين النبي محمداً مسؤولية الأفعال الطائشة لبعض المسلمين، وكلما حدث تفجير هنا أو هناك عاد هو وغيره من الأقلام المرتبطة بالمحافظين الجدد في أمريكا إلى النبش الانتقائي في السيرة النبوية، لا لأغراض البحث التاريخي، ولكن لإعادة إنتاج صورة «نبي الموت، والإرهاب واللاسامية والبداوة». ولا تقتصر هذه الحملات الظالمة ضد الإسلام ونبيه على دوائر أكاديمية وإعلامية في الغرب وحسب، ولكن تمتد بشكل ملحوظ إلى دوائر إعلامية وثقافية وأكاديمية في بلدان إسلامية، كما هو الحال في إيران، على الرغم من أن الدستور الإيراني ينص على أن إيران دولة إسلامية.

تتجاوب هذه الحملة ضد الإسلام ونبيه في إيران، على لسان بعض المثقفين والشعراء الإيرانيين، ومنهم الشاعر بادكوبه، الذي اشتهرت قصيدته الأخيرة «إله العرب» بشكل واسع داخل إيران، والذي يتحدث عن محمد على اعتبار أنه «نبي بدوي»، في احتقار لكل ما يأتي من «بادية العرب». يقول بادكوبه مخاطباً الله «خذني إلى أسفل السافلين أيها «الإله العربي»، شرط ألا أجد عرباً هناك»، والعجيب أنه ألقى قصيدته تلك من على منبر مؤسسة حكومية، من دون أن يتعرض للمساءلة في بلد يتساءل فيه الناس عن كل شيء إلا عن الإساءة للعرب ومعتقداتهم. ويستمر بادكوبة في حملته ضد الإسلام «دين العرب»، ونبي الإسلام «نبي العرب البدوي»، ويرى أن أشعار حافظ وجلال الدين الرومي أجمل من «أساطير العرب»، في إشارة إلى القرآن الكريم، وأن رباعيات الخيام أجمل من «البساتين العربية» في إشارة إلى حديث القرآن عن الجنة.

بالطبع لا يمكن فهم هذا الهجوم على الإسلام ونبيه من شاعر مسلم إلا في إطار الحملة الشعوبية الجديدة ضد العرب، التي تجاوزت الإساءة للعرب إلى الإساءة للإسلام نفسه، في بلد تحكمه حكومة دينية ويقوده رجل يوصف بأنه «آية الله».

أما صوفي البريطانية التي أسلمت مؤخراً، فتحدثت بأنها معجبة بشخصية النبي محمد. تقول: لو عشت على أيامه لكان فارس أحلامي. أقول لها: ما الذي يعجبك في شخصيته؟ تقول: رجولة وقوة وشجاعة منقطعة النظير، تضيف: بالمجمل كان رجلاً.

كان يبكي حتى تظنه ضعيفاً، ويصمد في المعركة حتى لا ترى له مثيلاً بين القادة. يتقدم الصفوف للصلاة في خشوع، ويتقدم الصفوف في المعارك، في استبسال.

صوفي أسلمت بعد أحداث سبتمبر في نيويورك وواشنطن، قلت لها: خيرت فيلدرز وشارلي إيبدو يقولان إنه كان «إرهابيا»، قالت: هؤلاء لا يفهمون. كان النبي يبكي كثيراً، الإرهابيون لا يبكون. تضيف أنها تشترك مع محمد في حبه للقطط وعطفه عليها، وتضيف: هل رأيت إرهابياً يطعم قطته من عشائه. قالت إنها تأثرت بقصة قرأتها عنه عندما حمل الحطب لعجوز في مكة، وعندما سمعت أنه كان يندس بين الأطفال، ليلاعبهم في المدينة، معلقة: لا بد أن خيرت فيلدرز لم يسمع عن هذه القصص الإنسانية، ولم ير في النبي إلا سيفه، الذي لا أنكر أنه كان يضطر لامتشاقه بين الحين والآخر دفاعاً عن نفسه وأصحابه، ومعتقداته، تماماً كما يفعل النبلاء.

قالت صوفي أمام زوجها بلهجة ماكرة: نسيت أن أقول لك إن محمداً كان لديه لمساته الرومانسية الخاصة.

أقول لها ضاحكاً: المسلمون لا يسمحون لك أن تتحدثي عن شخصية نبيهم بهذا الشكل!

ترد بابتسامة: لأنهم ليسوا على مستواه. أما هو فلو سمعني أتحدث عنه بهذه الطريقة لتقدم للزواج مني.

كنت أقارن بين أمثال وين وفيلدرز، ورؤيتهم للنبي، وبين رؤية صوفي، كانت صوفي التي قالت إنها أسلمت لأنها أحبت الرجل الذي عرضت عليه مكة الملك، لكنه رفض – كما رفض بوذا من قبل القصر – وتجرد لمهمة الروح التي أشرقت بين جنبيه.

على المستوى الشخصي، لم أتصور – يوماً – أن يرتدي محمد حزاما ناسفا، ليندس به بين مدنيين في مترو لندن، لمجرد أنهم من دين مختلف؟ ولا أن يكون في يده مثقاب كهربائي يثقب به رأس رجل لمجرد أنه من مذهب مختلف؟ قالت صوفي: كان محمد يحارب بشرف، ويعادي برجولة، ويصالح عن قدرة حقناً للدماء. لكن محمداً كان الرجل المؤسس لـ»إيديولوجيا الإرهاب» على رأي كريج وين، وغيره من أدعياء الأكاديمية. نسيت أن أقول إن قرآنه قال عنه: «…رحمة للعالمين».

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص