أهم الأخبار
مدحت الزاهد

مدحت الزاهد

اليمن: حرب كلام.. كلام حرب.!

2015-06-17 الساعة 11:49ص

مفاوضات يمنية على الطريقة السورية: وفود فى غرف منفصلة بينهما مكوك

 

مون يدعو لهدنة رمضانية:  الوقت لا يمر كدقات الساعة بل القنابل الموقوتة

 

قبل بدء مفاوضات جنييف، وعلى طريقة "نحن هنا" اشتدت وتائر القتال ، فككل حرب فإن المسار السياسى فى الحرب اليمنية لا يعنى بالضرورة وجوب صمت المدافع!

 

صراعات الدم تنطوى دائما على هده الثنائية: كلام – حرب ، حرب – كلام حتى تنكسر ارادة طرف أو يقبل الطرفان بحل وسط، أو تدخل الازمة ثلاجة الدبلوماسية الدولية محكومة بصيغة لا غالب ولا مغلوب واطالة امد النزاع وضرب عدة عصافير بحجر: احتواء ثورات الشعوب واغراقها فى صراعات اهلية واطقاء وهج الميادين .. و إستنزاف القوى الاقليمية فى صراعات فرعية، وتحقيق أعمق متطلبات الامن الاسرائيلى بإشعال القتال داخل جبهات حملت صفة "العدو" سابقا.

 

وعودة الى جنييف فقد كان من المفترض أن تبدأ المحادثات اليمنية في 28 مايو الماضي، إلا أنه تم تأجيلها قبل أيام قليلة على موعد الانطلاق بسبب معارضة السعودية التى دعت فى وقت سابق أن تكون الرياض مقرا للمحادثات ومعارضة الرئيس اليمنى عبد ربه منصور للنفاوض مع الحوثيون ملخصا اسباب تحفظه بكلمات بسيطة" لا يحفظون العهود ولا يلتزمون بالاتفاقات" وبعدها تم تحديد موعد جديد يوم 14 مايو الماضى.

 

وفود منفصلة

 

وعندما سطعت شمس الاثنين 14 يونيو الماضى على بحيرة ليما السويسرية التى يطل عليها قصر الامم المتحدة للمؤتمرات فى جنييف ، والدى كان مقررا أن تبدأ فيه مفاوضات الحوثى – صالح مع الحكومة اليمنية فى المنفى السعودى، لم يكن وفد صنعاء قد وصل.

 

 كانت طائرته لا تزال معلقة فى جيبوتى حيث رفضت القاهرة – وفقا - لمصادر يمنية نزود الطائرة بالوقود على اراضيها .. أو حتى مرورها فى المجال الجوى المصرى.. ولم تنف القاهرة أو تؤكد هده الانباء، وان راجت تكهنات حول وجود دواعى امنية وأن الوفد الحوثى رفض قبلها الصعود الى طائرتين! ولم يقبل الا بالثالثة!

 

مع تخلف وفد صنعاء فإن كل ما جرى يوم الافتتاح الرسمى للمؤتمر، هو استعارة طريقة محادثات جنييف السورية، بتجهيز صالتين منفصلتين لكل وفد ، الوفد الحاضر والوفد العالق، يتنقل بينهما بالتساوى، فى جولات مكوكية، المبعوث الاممى لليمن، اسماعيل أحمد ، حاملا لكل طرف مقترحات الطرف الاخر، على امل ان ينجح فى مرحلة لاحقة فى جمع الوفدين.

 

كما جرى يوم الافتتاح لقاء بان كى مون مع وفد الحكومة اليمنية فى المنفى، ومع ممثلى الدول الراعية للمؤتمر، وعقد الامين العام للامم المتحدة مؤتمرا صحفيا، أطلق فيه مبادرته بشأن الهدنة الانسانية.

 

ورغم كل أجواء التشاؤم التى خيمت على قصر المؤتمرات، مع تأخر وفد صنعاء، كانت تصريحات بان كى مون  مختلفة عما تداولته الانباء عن تسريبات سعودية ويمنية بشأن فرص الحل، فهو رأى أن الازمة لم تصل لنقطة اللاعودة،  وأن هناك فرص لحلها بسبب اجماع دول مجلس الامن على خطوط الحل السياسى، خلافا للازمة السورية والعراقية.

 

أهون الشرين

 

و اعتبر مون  أنَّ ما يحرّك المجتمع الدولي لمنع «جرح مفتوح آخر مثل ليبيا وسوريا»، هو أنَّ «القتال يعطي قوة جديدة لبعض الجماعات الإرهابية الأكثر شراسة في العالم». لذلك طالب أيضاً بمحاولة تكرار ما طرح في سوريا، عبر إنجاز عمليات وقف إطلاق نار محلية، أينما أمكن، مع العمل على إعادة إطلاق المسار السياسي.

 

 أما وزير خارجية الحكومة اليمنية في المنفى رياض ياسين، فصرح على العكس انه «غير متفائل»، حيال فرص التوصل إلى سلام مع «الحوثيين». ومضيفاً «لست متفائلاً كثيراً»، مشير الى ان المتمردين الذين تدعمهم ايران «لا يحترمون اي هدنة». وذكر ان وفد المتمردين يضم اكثر من 25 شخصاً «يريدون المجيء الى هنا لاثارة الفوضى». وتابع ياسين ان «الحوثيين» مشابهون  لتنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) في العراق وسورية و«بوكو حرام» في نيجيريا و«الفارق الوحيد هو وجود دولة تدعمهم هي ايران وهذا سبب كل المشاكل».

 

وشأن كل ما يتعلق باليمن فى ميادين الحرب وغرف التفاوض تتزايد المفارقات ، ومنها أن بان كى مون ، السكرتير العام للامم المتحدة، هو الدى دعا الى هدنة انسانية لاسبوعين بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم، مشيراً الى ان "الوقت الذي يمر ليس دقات ساعة انما دقات قنبلة موقوتة».   فردت عليه الحكومة اليمنية فى المنفى السعودى بأن شهر رمضان شهر جهاد ولا يلزم ابدا أن يتوقف فيه القتال.. وانه لا فرق عند الحوثى بين رمضان وغيره.

 

ونقلت جريدة السفير عن عضو الوفد عبد العزيز الجباري، وهو الأمين العام لحزب «العدالة والبناء»، قوله  «لن نسمح بأن يعاد ما حصل في الماضي». مستعيدا  أجواء الهدنة السابقة التي فرضتها واشنطن على «التحالف» «الهدنة الإنسانية لخمسة أيام تم استغلالها أبشع استغلال، لقد حرَّكوا أسلحة ثقيلة ومنصات صواريخ السكود باتجاه الحدود مع السعودية»

عيار رفض الهدنة كان أعلى بكثير من فم أحمد المسيري، عضو الوفد وقائد  «المقاومة الجنوبية» التي تخوض جانباً من الحرب البريَّة ضدَّ الجيش اليمني و «أنصار الله». " إنَّه لا يمكن لأحد المزاودة عليه، بأنَّه جزء من «حكومة منفى مترفة»، مردداً أنَّه جاء إلى جنيف قادماً «من جبهات القتال، من عدن عبر حضرموت وشروروة». لم يتردَّد في رفض مبدأ «الهدنة الإنسانية» جملة وتفصيلاً، معلقاً بالقول «الأمر مرفوض، لا رمضان ولا بعد رمضان، إنَّه شهر كريم يجوز فيه الجهاد، ونحن نجاهد في سبيل اللهان وغيره من الشهور.

 

التشاور بدلا من التفاوض

 

البداية ادن كانت نارية حملها شعار السعودية ووفد الحكومة اليمنية "جئنا لبحث اليات تنفيد قرار مجلس الامن وليس للحوار او التفاوض" "والمهمة هى استعادة الدولة وانسحاب الميلشيات"

 

من جهته، قال نائب هادي ورئيس حكومته خالد بحاح في مؤتمر صحافي عقده في الرياض أن اللقاء في جنيف "هو للتشاور"، مشدداً على أن "الأولوية هي لـ"استعادة الدولة" ومن ثم استكمال العملية السياسية على أساس "المرجعيات" المتفق عليها مسبقاً والتي لن يتم التفاوض حولها.

وقال بحاح إن لقاء جنيف "تشاوري وليس تفاوضيا" مؤكداً "استكمال المفاوضات" في السابق، و"الإتفاق على المرجعيات"، وهي بحسب رأيه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومؤتمر الحوار الوطني ومقرراته والقرارات الدولية لاسيما القرار 2216.

واعتبر بحاح أن التفاوض مجددا يعني التراجع إلى ما قبل "أربع سنوات مضت" من المفاوضات بين الأطراف اليمنية.

وقال بحاح "علينا أن نعيد الدولة ونعيد هذه الميليشيا المارقة ... ميليشيا الحوثي صالح ... إلى وضعها الطبيعي"، مشدداً على أن "المرحلة الأولى هي استعادة الدولة" على يكون هناك "مرحلة ثانية" تتضمن "استكمال العملية السياسية ... التي توقفت في اليمن، لإقرار الدستور وإجراء الانتخابات".

 

طبعا التشدد اليمنى – السعودى مفهوم ، فهى من الاصل كانت تعارض مبدأ التفاوض، فإستبدلته بالتشاور، وهى من الاصل كانت اقترحت الرياض مكانا للقاء ، ومن هنا كانت حريصة على أن تظهر فى موقف الطرف المتشدد المنتصر . احمد المسيرى عضو الوفد الحكومى أكد هدا المعنى «لقد قبلنا إرضاءً للأمم المتحدة، حتى لا يقولوا إننا ضدّ السلام، وكي لا يقولوا إننا متعنتين».

 

ومن المؤكد أن للرياض اسبابها للغضب فقد دهبت الى واشنطون تشكو الاتفاق النووى مع ايران، فوجدت واشنطون تلوح لها باتفاق "شراكة " سعودى – ايرانى فى اليمن.

 

ترانزيت عمان

 

ويبدو ان قناة لحوار صعب قد فتحت بالفعل عبر العاصمة العمانية (المنامة) التى استقبلت وفودا خليجية وامريكية وحوثية ويبدو أن  الحراك العماني سيستمر  ما قبل مؤتمر جنيف وبعده .

وفي وقت عاد وفد "أنصار الله" إلى مسقط بعد زيارة قصيرة إلى موسكو، زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف العاصمة العمانية لبضع ساعات حيث التقى نظيره العماني يوسف بن علوي، وتباحثا "القضايا الثنائية والتطورات الاقليمية"، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية "فارس".

 

ولا توحى المؤشرات بفرص لنجاح هده الجولة من المفاوضات، والنجاح الاساسى بالنسبة للحوثيين هو اعتراف الامم المتحدة بهم كطرف اصيل فى الازمة، وقبول مقترحهم برفض الحوار فى الرياض واجرائه فى عاصمة محايدة، وقد تكون هده النتيجة هى اساس قبولهم لهده الجولة من المفاوضات، لكنهم لم يدهبوا على وجه القطع لتسليم السلطة، بل لاكتساب الشرعية.

 

من هنا تبدو عقدة المفاوضات وتلوح ندر فشل هده الجولة .. لمن الكلمة : نص القرار الاممى الدى لم يعد يلح عليه بنصيته من اصدروه؟ ام وقائع ما جرى من قتال؟ وعلام اتجهت الارادة الدولية عملية استنزاف حربية وتفاوضية أم ضغوط لتحقيق السلام؟ وهل المطلوب وضع التسوية على النار ام فى ثلاجة الدبلوماسية الدولية؟

 

 

والخلاصة أن الازمة اليمنية تمددت من ساحات القصف الى قصر المؤتمرات حيث اشتعلت حرب كلامية قبل أن تبدأ المحادثات، كما أشتعلت عمليات القصف بغارات لقوات التحالف على صنعاء شمل مجمع وزارة الدفاع ومخازن دخيرة فى الجبال، ومن الجانب اليمنى زخات طلقات مدافع مورتور وصواريخ جراد على المناطق الحدودية السعودية وعلى الاخص فى جيزان والظهران، كما نجح الحوثيون قبل بدء مفاوضات جنييف بيوم فى السيطرة على مدينة الحزم، عاصمة محافظة الجوف الشمالية المحاذية للحدود السعودية.

 

 

 

الحرب : عرض مستمر وكدلك المفاوضات

 

وأجواء الشك ومخلفات الحرب ليست أهم عقبات المفاوضات، بل التعارض الشديد فى نوايا الطرفين، و ايضا التعارض الشديد بين نصوص القرار الاممى الدى تتمسك به حكومة المنفى حول المطالب السعودية (انسحاب الميلشيات وتسليم السلاح والمعسكرات  ومقار الحكومة وعودة الشرعية)  وبين الحقائق على الارض بالسيطرة الحوثية على معظم مدن اليمن، وعلى مفاصل الدولة، وهى الحقائق التى لم تغيرها حملة عاصفة الحزم، وان نجحت فى وضع الحوثيين تحت الضغط وتشجيع معارضيهم بوجود ظهير لهم ، فى حرب يرى مراقبون انه لن يحسمها غير التدخل البرى، ولكن السؤال يبقى معلقا: يحسمها التدخل البرى لصالح من؟  فعندما تتشابك حروب التدخل مع الحرب الاهلية يسرى عليها المثل القائل "الداخل مفقود والخارج مولود"

 

الحرب ادن وحتى اشعار اخر مستمرة وكدلك المفاوضات .. ولكن السلام لا يزال بعيدا فحتى الان لم يصرخ طرف من الالم ولم تنكسر عند أحد ارادة القتال.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص