2015-07-05 الساعة 03:26ص
مع انزلاق الثورة السورية إلى حالة شبيهة بالحرب الأهلية تحدّث كثيرون عن «الحل اليمني» الممكن تصديره إلى سوريا. كان الحل اليمني يتمثّل في حوار وطني شامل لا يستبعد أحداً، يجري تحت رعاية الأمم المتّحدة. أي مزيداً من السياسة التي لا بديل عنها. ومؤخراً بعد إحراز المعارضة السورية نجاحاً عسكرياً ضد التشكيلات العسكرية التابعة للنظام في دمشق راح آخرون يتحدثون عن النموذج السوري الممكن تصديره إلى اليمن. وهو نموذج يعتمد على الدعم السخي لقوى عسكرية محلّية وتغطيتها سياسياً. أي مزيداً من الحرب، تلك التي سيقال إنها لا بد منها.
بعد 38 زيارة لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى صنعاء انفجرت الحرب في اليمن، أو الحرب الهجين. وحتى الآن لم يصدر عن الأمم المتحدة بيان يقول ما الذي جرى، ولماذا جرى. لم يعد أحد قادراً على الجزم بما إذا كان مبعوث الأمين العام متواطئاً أم عاجزاً. استغرقت كل زيارة حدا أدنى أسبوعاً، ما يعني أن الرجل قضى في صنعاء خلال ثلاثة أعوام ما يزيد على 270 يوماً. وهي فترة كافية لفهم كل الأشياء، وللتنبؤ بالمستقبل. وذلك لم يحدُث مع المبعوث الأممي.
بموازاة الحوار الوطني، حيث جرى الاتفاق على ما يقارب 1800 توصية، كان الحوثيون يغزون المُدن. رأت الأمم المتحدة أن ذلك أمراً لا يفترض به تعكير عملية الحوار. وشيئاً فشيئاً كان الحوار الوطني يصير عملية حوار. أي متتالية عمليّاتية لا تفضي إلى نتائج، أو لا تغير الوقائع، ولا توقف شيئاً. وعندما حدث التدخل العربي بتاريخ 26 مارس 2015، كان الأمين العام لا يزال يجري حواراً في صنعاء، ويهاتف الساسة ويلتقيهم بالفعل. قال بعد ذلك، في إفادته أمام مجلس الأمن، إن كل شيء كان يسير وفقاً للخطة غير أن التدخل العسكري العربي قوّض العملية برمّتها. والتدخل العربي كان قد حدث عندما كان الحوثيون ينهبون قصر الرئيس هادي في عدن بعد ضربه بالطيران الحربي.
احتفظت الأمم المتحدة بصمتها المُريب عندما كان الحوثيون يعتقلون الرئيس والحكومة. استمرت عملية الحوار. حتى والرئيس يفرّ عبر الصحراء إلى عُمان استمر مندوب الأمين العام للأمم المتحدة يجري حواراً في موفمبيك، وربما غضب لتخلف ممثلي بعض الأحزاب عن الحضور. كانت الحرب الأهلية قد حدثت في كل الجهات واشتعلت من الجوف حتى شبوة، والبيضاء إلى عدن. حافظت الأمم المتحدة على عملية الحوار. وفي موفمبيك، الفندق الأكثر شهرة في اليمن، ذهب بن عُمر يناقش مع المتحاورين مقترحات تفصيلية تجاوزتها الأحداث بمسافة بعيدة. وعلِق «بن عُمر» في صراعات جانبية وصار واحداً من الساسة اليمنيين. وبينما كانت دبابات الحوثيين تنتقل من صنعاء إلى لحج، ومن إب إلى الضالع ذهب بن عُمر يكتب على صفحته على الفيس بوك ردوداً متشنّجة ضد بعض الساسة اليمنيين. صار بن عُمر، دون أن يدري، أحد الأطراف المتصارعة في اليمن، وجرت عليه المقادير اليمنيّة.
في نقاشاته الفردية أراد بن عُمر خلق حالة عامة من التسليم بالوضع الناشئ. حاول إقناع القوى السياسية والمشيخيّة بأن العالم غير مستعد لإعطاء اليمن مزيداً من الاهتمام، فثمّة ما يشغله. وسارر الرئيس هادي بصعوبة إجراء تغيير جذري على الوضع الذي خلقه الحوثيون وأنه من الأفضل إجراء مناورات من داخل الوضع لا من خارجه، فليس ثمّة من حيلة. وبحسب مسؤول حوثي كبير فقد كان الإعلان الدستوري الحوثي متفقاً عليه مع بن عُمر. ويبدو، وفقاً لأكثر من مصدر معلوماتي، أن الحوثيين سمعوا من بن عُمر جملة «إذا كان لديكم مشروع واضح مرّروه».
كان مجلس الأمن، بالتوازي، قد أصدر أكثر من قرار. وحدث أن سُمي صالح معرقلاً أكثر من مرّة وكذلك بعض قيادات الحوثيين. لم يستخدم بن عُمر تلك الأوراق للضغط على الأطراف الأقوى. بدلاً عن ذلك راح يخوض صراعاً موضَوِيّاً ضد الأحزاب الإسلامية، ملمّحاً ومبتزّاً. وبدلاً عن أن يستخدم تلك اللغة التي تقول إن كل القوى متعادلة، وأن عملية ترعاها الأمم المتحدة لا يمكنها سوى أن تكون ناجحة وشفافة راح يرسل إشارات تخويف غريبة لبعض الأطراف. سمع السياسيّون من بن عُمر كلاماً من قبيل «إن العالم سيتخلى عنكم»، ولم تسمع الميليشيات المسلّحة كلمات على شاكلة «إن العالم سيقف ضدّكم». بدلاً عن ذلك ذهب يتحدث إلى سياسي معروف، كما في التسجيل المسرّب، قائلاً إنه ليس لدى الأمم المتحدة الكثير لتفعله حيال الأمر القائم، وأن العالم لم يعُد مستعداً للمضي في المسألة اليمنية إلى أبعد من ذلك. ويبدو أن الحوثيين كانوا قد سمعوا منه مثل ذلك التأكيد مراراً، الأمر الذي فتح شهيتهم لباقي المُدن.
اللغة البن عُمرِية، والإشارات الكثيفة التي كانت تصدر عنه، فتحت شهية الحوثيين لمزيد من الغزو. وبينما كان رجال الحوثي يحضرون جلسات مندوب الأمين العام في الموفمبيك كان عبد الملك الحوثي يردّد عبر قناة المسيرة، وعلى نحو متكرّر: العالم الخارجي لا يعنينا. وكان يقصد، في الأساس، الأمم المتحدة ومجلس الأمن. أما ممثلو القوى السياسية فقد تعرّضوا لتهديدات خطرة في حضرة بن عُمر، من ذلك ما حدث لأمين عام التنظيم الناصري من قبل مدير مكتب عبد الملك الحوثي. تجاهل بن عُمر كل ذلك.
بمقدورنا القول إن الأمم المتحدة أنتجت الحرب الراهنة في اليمن. في الأيام الأخيرة قال بن عُمر إن عمله في اليمن لا يتعدى 911، يقصد الطوارئ. ولكي يزيل الشك قال بوضوح إنه يعمل في صنعاء للوساطة بين الأطراف لأجل إخراج المعتقلين أو المخفيين. سمع الساسة في صنعاء هذه الكلمات في الزيارة الثامنة والثلاثين لمندوب الأمين العام للأمم المتحدة، وعندما صار كل اليمن الشمالي تحت سيطرة الآلة العسكرية للحوثيين.
كان بن عُمر هو الغطاء الوحيد الذي حال دون أن توصف الحشود العسكرية الحوثية بأنها عدون، أي حرب أهلية. وكان الحوثيون بحاجة ماسّة إليه. وعندما غادر اليمن وأبدِل بمندوب آخر كتب عنه حمزة الحوثي مقطوعة تشبه البكاء على الحبيب والدار. أما بن عُمر نفسه فتلقت صفحته الرئيسية على الفيس بوك سيلاً من آلاف التعليقات قلّ أن تجد لها، في إجماعها وحدّتها، مثيلاً.