2015-07-14 الساعة 04:20م
يمكن القول إن استهداف ناصر الوحيشي (أبو بصير) قائد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مؤخرا، الذي كان يشغل منصب المساعد الخاص لابن لادن في 2001، هو إيذان بعودة «القاعدة» من العالمية إلى المحلّية تمهيدا لاندثارها في ظل تراجع التنظيم وتحول كثير من قياداته إلى دولة «داعش».
الوحيشي واحد من أهم المدرجين في قائمة الإرهابيين المطلوبين في السعودية واليمن، وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2014 رفعت وزارة الخارجية الأميركية مكافأة أي معلومات تؤدي إلى اعتقال أو مقتل الوحيشي إلى 10 ملايين دولار أميركي، وهو نفس المبلغ المرصود لزعيم «داعش» أبو بكر البغدادي.
ما الذي ينتظر التنظيم ما بعد الوحيشي؟ سؤال يمكن معرفة بعض إجابته إذا ما علمنا أن الوحيشي كان مرشحًا لخلافة أيمن الظواهري كقائد عام لتنظيم القاعدة المترهل والمثقل بإرث الشيوخ القدامى، الذين غادرتهم الأضواء إلى تنظيم داعش، هذا الاختيار كان سيشكل دفعة باتجاه إعادة ترميم التنظيم بقيادات جديدة، لكن اغتيال الوحيشي يلغي مسألة قيادة التطرف العالمي، ليغدو تنظيم القاعدة واحدا من التنظيمات العنفية المستترة والمتصلة بالداخل المحلي، كما هو الحال في شمال أفريقيا، وفي الصومال وسيناء وعدد من الدول التي تستبطن تنظيمات قاعدية صغيرة لا تشكل تهديدًا يذكر، وما زالت في طور الخروج من صدمة تراجع التنظيم الأم.
الإدارة الأميركية كالعادة تزعم أن مقتل الوحيشي تم بمحض الصدفة، وهو أمر يعكس رغبة القائمين في الحرب العالمية على الإرهاب إلى حماية عملائهم في الداخل اليمني، الذين يعتبرون حجر الأساس في كل عمليات الطائرات من دون طيّار التي تستخدمها الولايات المتحدة في تصفية عناصر تنظيم القاعدة واحدًا تلو الآخر، رغم أنها كانت وما زالت محل جدل كبير عند منظمات حقوق الإنسان.
عشرات الضربات تم تنفيذها منذ بداية العام الحالي، وهي عادة تستهدف تجمعات متطرفة دون التدقيق في هويّة المحيطين بالمكان، وفي ما يخص عملية الوحيشي هناك الحديث عن عملية كبرى مزمعة في أوروبا كانت نقطة البداية في البحث عن خيوط الكارثة قبل وقوعها، والتي كانت تستهدف سياحا إسبانا في محاولة أخرى بعد حادثة 2007.
التنظيم عيّن قاسم الريمي خلفًا للوحيشي، وهو شريكه في عملية 2007، وأحد أهم الشخصيات اليمنية في تنظيمات القتال المنتشرة في اليمن والمرتبطة عادة بالمناطق التي ينتمي قادة التنظيم إليها، مما يجعل علاقة القيادات القاعدية بالواقع اليمني معقدة بسبب اشتباكات القبيلة والمناطقية والدعم الاجتماعي المتعاطف معهم، إضافة إلى العلاقة القوية بينهم وبين نظام صالح وقياداته الذين استخدموا كارت «القاعدة» في الإيقاع بخصومهم في الجنوب وتكبيل الحالة اليمنية بالعنف القاعدي أو بسطوة الميليشيات المسلحة التابعة للحوثيين.
غياب الوحيشي يعلن عن نهاية حقبة قيادات «القاعدة» التقليدية التي أمضت سنوات طويلة في التدرب واكتساب الخبرة. كما أن الوحيشي كان واحداً من أهم الشخصيات التي تستقطب المقاتلين من الخارج، وتحديداً من الخليج والسعودية، حيث وصف مقاتلي السعودية بالمهاجرين، وخصّهم بمراكز تدريب ووضع خاص.
«القاعدة» اليوم في كل مكان تعيش أزمة وجودية، دفعت بكثير من خلاياها إلى الانتقال إلى مربع «داعش»، مع أن «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» كان أكثر نسخ «القاعدة» كفرًا بـتنظيم «داعش» وتشكيكًا في خليفته المزعوم، حيث نعلم أن الخلاف بين البغدادي وأبو محمد الجولاني جعل التنظيم ينحاز إلى رؤية الجولاني، لكن تحولات كبيرة ساهم فيها صعود «داعش»، جعلت «القاعدة» تعيش ارتباكًا كبيرًا، وفي اليمن تحديدًا دعا مأمون حاتم، أحد قيادات «القاعدة» بمحافظة أبين، كل المتشددين إلى الالتحاق بـ«داعش» في تسجيل صوتي شهير بعنوان: «النصرة اليمانية للدولة الإسلامية»، وتضمّنت دفاعا عن «داعش» والهجوم على دول المنطقة بما فيها السعودية.
مقتل الوحيشي كان محصّلة لصراع «قاعدي» – «داعشي» في اليمن اشتد أواره في بدايات 2014 أيضا، بعدما أصدر التنظيم بيانًا مكتوبًا وصوتيًا بعنوان «رسالة مفتوحة لمجاهدي الشام» قرّر فيها إحجام الجماعة عن الدخول على خط الخلاف بين الجماعات المقاتلة في سوريا، واستعداد «القاعدة» في اليمن للدخول كوسيط لكن بشروط كثيرة، أهمها:
1 - الحفاظ على بيعة «القاعدة» العامة، أي التنظيم الأم، الذي يقوده الظواهري، خلفًا لابن لادن. 2 - حماية كوادر التنظيم في الصراعات بين «النصرة» و«داعش»، وهو ما فسّر في ذلك الوقت بحرص «قاعدة اليمن» على الاستقلال والحفاظ على شرعية تاريخ «القاعدة» وإرثها، الذي لا يمكن تسليمه لجماعة مشبوهة في تأسيسها وأهدافها.
ويظل سكوت القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة عن صعود «داعش»، وتركيزها على القاعدة المنكسرة والمتهشمة، مثيرًا لعدد من التساؤلات عن أي إرهاب نتحدث، في حين أن سياسة الولايات المتحدة تتحدث عن علاقة الإرهاب باستهداف أمنها الداخلي، في إشارة إلى عدم تضررها من استراتيجية «داعش» التي انتقل من قتال العدو «البعيد» إلى ممثله في نظره الأنظمة العربية واستجلاب الفوضى، وتقويض أمن الدول العربية لتكرار تجربة الاستباحة للعراق والشام وهو ما سيندم عليه العالم كله في حال تحققه.