2015-07-15 الساعة 01:09ص
تتبين في كل يوم يمضي من مسار الصراع في اليمن تفاصيل جديدة أكثر تعقيداً وانكشافاً، تسهم، بشكل كبير، في إيضاح ملابسات حالة المراوحة وعدم الإنجاز على الأرض، فيما يتعلق بفريق الشرعية المدعومة من التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية.
حالة المراوحة، غير الطبيعية هذه في مسار الصراع الدائر بين مشروعي الدولة واللا دولة، هي الأخرى معقدة، ناتجة من عوامل أكثر تعقيداً على كل المستويات المحلية والإقليمية والدولية. ولكن، يبقى أن العامل الأكثر خطورة في إطالة أمد الأزمة وعدم الحسم فيها يرجع، بدرجة رئيسية، إلى حالة الصراع الصامت داخل معسكر التحالف العربي.
صحيح أن ثمة عوامل أخرى متعددة. لكن، تبقى حالة الصراع الصامت داخل كيان التحالف العربي الأخطر، بالنظر إلى تداعيات مثل هذا الصراع على مسار الحرب ويومياته الدامية التي بدأت تظهر على شكل أخطاء كارثية، تصيب بشكل رئيس ومباشر القوات المحسوبة على الشرعية، أو تلك التي تحقق تقدماً كبيراً على الأرض، لصالح استعادة الدولة المختطفة. فعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، حدثت أخطاء كبيرة ألقت بظلالها على تراجع كبير وواضح للمقاومة الشعبية، بل الأخطر، على إثر تلك الأخطاء سقطت عاصمة محافظة الجوف في يد مليشيات الحوثي وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، بعد تلقي مقاتلي المقاومة من قبائل الجوف ضربات قاتلة من طيران التحالف، سقط على إثرها أكثر من عشرين فرداً للمقاومة الشعبية على مشارف محافظة صعدة، معقل متمردي مليشيات الحوثي.
العامل الأكثر خطورة في إطالة أمد الأزمة وعدم الحسم فيها يرجع، بدرجة رئيسية، إلى حالة الصراع الصامت داخل معسكر التحالف العربي
وبعد ذلك، وقبل هذا وبعده، استهدفت ثلاثة أسواق شعبية، في كل من محافظة عمران والحديدة ولحج، وخلفت وراءها عشرات القتلى، وخسائر كبيرة في الممتلكات وغيرها، في دلالة واضحة على أن ثمة زيادة في هذه الأخطاء، بطريقة تلفت الانتباه، وكأنها شبه مقصودة، الهدف منها زيادة الغضب الشعبي من استمرار ضرب طيران التحالف العربي.
صراحة، نحن أمام تساؤلات تبحث عن إجابات عن مغزى تكرار هذه الأخطاء، وفي توقيت أحياناً لا يخلو من إشارات إلى أنها قطعاً ليست خطأً، بقدر ما هي عمليات، مستهدِفة، تخدم أطرافاً ما على الأرض، بالتنسيق مع أطراف ما ضمن قوات التحالف العربي. فعلى سبيل المثال، كانت قوات المقاومة الشعبية على وشك الوصول إلى معاقل متمردي الحوثي على حدود محافظة الجوف مع صعدة، وفي منطقة اليتمة على بعد مسافة بسيطة، للوصول إلى معاقل الجماعة، فإذا بطائرات التحالف تقصف قوات المقاومة الشعبية، وتلحق بها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، ما أدى، بعد ذلك، إلى تضعضع جبهة المقاومة، والتي على إثرها سقطت مدينة حزم الجوف العاصمة بأيام.
تكرر هذا الاستهداف نفسه، في معسكر العبر على الحدود الفاصلة بين محافظة حضرموت والمملكة العربية السعودية، بالقرب من منفذ الوديعة، هذا الهجوم الذي راح ضحيته خيرة ضباط الجيش الموالي للشرعية، كالعميد أحمد يحيى الأبارة، وعدد من رفاقه، وهو ما يعيد التساؤلات نفسها عن مغزى مثل هذه الأخطاء المتكررة، ولماذا لا يفتح تحقيق شفاف وعاجل عن هذه الأخطاء المتكررة بطريقة مستفزة.
لكن، ربما تكشف مثل هذه الأخطاء لنا، بشكل صريح وواضح، عن وجود صراع خفي وكبير ضمن مكونات قوات التحالف العربي، وخصوصاً في ظل الصمت المطبق حول مطالب إجراء تحقيقات سريعة لمعرفة ملابسات هذه الأخطاء، عدا عن التطورات الكبيرة على الأرض، والتي تصب في معظمها لصالح الانقلابيين. وتعزز مثل هذه الحقيقة وجود تنازع إرادات داخل قوات التحالف ما بدأ يطرأ على سطح المشهد، أخيراً، من أصوات صريحة وواضحة، تدعو، منذ بداية الأزمة، إلى حل سياسي، ما يعني الاعتراف بسلطة الأمر الواقع الانقلابية، ومن ثم الذهاب إلى تقاسم الشرعية معه. وتكاد تكون مثل هذه الرؤية أكثر وضوحاً في توجهات سياسة الإمارات العربية المتحدة، على ما يتردد ويشيع، ومن خلفها مصر، التي سمحت، أخيراً، لمليشيات الحوثي بإقامة معرض للصور في القاهرة لكشف ما يطلقون عليه في الإعلام الحوثي "عدوان آل سعود".
ثمة حديث عن عمل الإمارات على الدفع نحو انتصار الانقلابيين، ظناً منها أن ذلك سيعيد صالح ونظامه لاعبين رئيسيين في اليمن
يحتم مثل هذا الارتباك حالة مكاشفة، يجب أن تتم، فيما يتعلق ليس فقط بهذه الأخطاء المتكررة، ولكن، أيضاً، بمواقف بعض الدول المشاركة من مسألة الخريطة الداخلية للنزاع في اليمن، وثمة حديث عن عمل الإمارات على الدفع نحو انتصار الانقلابيين، ظناً منها أن ذلك سيعيد صالح ونظامه لاعبين رئيسيين في اليمن، فيما لا تدرك مثل هذه السياسة القائمة على قراءة مزاجية فردية أن صالح لم يعد سوى ورقة محروقة في يد إيران، ومن ثم في يد وكيلها الحصري، جماعة الحوثي.
ويأتي هنا، تساؤل مشروع عن كل هذا الارتباك الحاصل، فيما يتعلق بعدم حصول أي إنجاز يذكر على الأرض، سوى الذي تحققه المقاومة الشعبية، بجهودها البسيطة والمتواضعة، والمسنود، أيضاً، بضربات طيران التحالف، لكن هذا الإنجاز لا يتناسب مع المأمول من قوات التحالف ومن اليمنيين.
وأعتقد، هنا، أن القول إن سبب كل هذا التأخير في حسم شيء ما على الأرض يرجع بشكل كبير إلى حالة الانقسامات بين صفوف النخبة اليمنية الموجودة في الرياض، أو الموجودة على أرض المعركة، باعتقادي أن كل هذه الأطراف تستمد دعمها وصمودها من المملكة العربية السعودية، وبالتالي، هي صاحبة القرار الفصل في سير المعركة في اليمن، فهي، أي المملكة، من تدير المعركة، ووحدها القادرة على ترتيب أولوياتها، ولا يمكن لأحد، كائناً من كان، أن يسعى إلى العمل عكساً للتوجه السعودي في اليمن في هذه المرحلة.
باختصار، أعتقد أن المملكة أمام لحظة حاسمة فيما يتعلق بحقيقة موقف شركائها في التحالف العربي، وخصوصاً الجانبين الإماراتي والمصري، واللذين يسعيان، حالياً، إلى خالق حالة ضوضاء في المشهد الجنوبي، أو فيما يتعلق بفزاعة الأخونة التي أسقطت اليمن كلها في يد إيران من قبل.
فهؤلاء، جميعاً، بحاجة للحظة مكاشفة، وخصوصاً في ظل حالة الارتباك الحاصل، والتي تعود بشكل كبير إلى تنازع غير معلن، فيما يتعلق بسير العمليات في اليمن، تحكمها ضبابية رؤية وتنازع إرادات، انعكست، بشكل كبير وواضح، على سير الحرب منذ البداية، وظهرت، حالياً، على شكل أخطاء عسكرية ومواقف سياسية، هنا أو هناك، تصب في صالح الانقلابيين قطعاً.