2015-08-28 الساعة 10:19ص
مذ دخلت عمر الزوّاج وأنا أبحث في مراجع عربية وأجنبية عمّا كتب فيها بخصوص معايير اختيار شركاء الحياة و تفضيلاتهم، فوجدت نقّاطًا شتّى، إلا إنني لم أجد في أي مرجع يعول عليه بابا يقول:
"تخيّروا جوازات السفر"
بحثت في التاريخ، فوجدت رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- قد تزوّج قرشية، وحبشية، ويهودية نُصرية، وقبطية! وتزوج العديد من الملوك والقياصرة نساء من كل بقاع الأرض. مع كل ذلك، يرفض المجتمع الشرقي أن يتخلّى عن عصبيته القبلية المنتنة، وعلى ما يبدو أنه كلمّا مرّ به زمن حديث عاد بكامل إرادته و برغبة منه إلى حضن الجاهلية.
بحثت في ذاكرتي، فوجدت جلسة لي مع جدّي كان فيها حازمًا وجادًّا، قال لي:
"أفضل النساء أقلهن مهورًا، لا تصدقي يوما أن المال يصنع للمرأة قدرًا أو قيمة، بل على العكس تمامًا، حين تكره الفتاة زوجًا مسيئًا فظ الخلق فإنها ستدفع كل ما تستطيع دفعه للخلاص منه، وإن كان زوجها كريم النفس، حسن الخلق، فالمال -كل المال- بعينه لن يوفيها حقّها "حكى لي يومها عن إحدى زوجات أخوالي، ابنة شيخ من كبار علماء دمشق و من أفضل أنسابها، رفضت ووالدها أن تأخد مهرًا سوى ما يقوم به العقد -على ما أظن كانت بضعة ليرات سورية- وقال له والدها ليلة العقد: "أبو عبد الله، لقد استأمنتك على ابنتي بأمانة لا تقدر بمال ولا ذهب". حتّى هذه اللحظة لا يزال جدّي يوصي ابنه بها كل يوم ويكرر: "لم أجد مهرًا أغلى من مهرها". لم يكن هناك يومها حرب ولا لجوء. أما والدي فقد علّمه والده أن الرجل الأمين في هذا الزمان يُشترى، ويُسهَّل له، ويكرَم حتّى يزداد هو كرمًا وحسن خلق. والدتي كانت تدعو لي دومًا أن يزوجني الله ممن يتفهمني ويحنو عليّ. لم أسمعها يومًا تقول: ربّ ابعث لها رجلا ترتضي جنسيته!
يصادف هذا الشهر مرور عام لي على الارتباط بمصري، أنا السورية الجذور، مواليد الرياض ومواطنتها، لست ضحية حرب ضروس أجبرتني أن أتزوج أجنبيًّا لم أكن لأرتضيه لنفسي لولا الظروف كما رجح المدون مصطفى إسماعيل وزميلته نجوان.. ولله الحمد لم يتضرر والدي بالحرب، لسنا مشردين ولا عابري سبيل. أعرف شخصيًّا أربع سوريات لم يولدن في سوريا ولسن من ساكناتها، تزوجن من جنسيات أخرى في الفترة الأخيرة، ومثلهن كثيرات لم أعرفهن شخصيًّا لكنهن حتمًا لسن بحاجة إشفاق مدونين ولا باحثي اجتماع لأنهن لم يقعن ضحية استغلال أحد! ولم يفقد آباؤهن كرامتهم بعدُ حتى يعرضوا بناتهم كسلعة رخيصة في السّوق الدولي كما أُشير في المقالين السابقين، ولم تخسر سوريا بعد رجالها حتّى تورّد بناتها للمستوردين.
من قديم الزمان والعلماء يحاولون منع الناس من علاج المرض بمرض أشد وأدهى، عبثًا! فهم اليوم يظنون أن العقلية الجمعية للهاربين من تجارب سيئة محيطة بهم وسعيهم للزواج من جنسيات أخرى كقاعدة تقول أن الأخريات أفضل، تعالج عبر عقلية جمعية أخرى تقول أن جنسيتهم هي الأفضل على الإطلاق! والحقيقة أن العقلية الجمعية التي تصنف ملايين الناس بحسب ألوان جوازات سفرهم عقلية لا تنظر إلى عمق الأمر ولا الإنسان. والمصيبة أنّ الجمهور يصفق للداء يظن فيه الخلاص والشفاء!
من قال أن الله حين وزع الأخلاق والأقدار على هذه الأرض وزعها على حسب الترتيب الجغرافي؟
تزوجوا من تنبض له قلوبكم، تزوجوا من تجدون معه السكينة والراحة والأمان، تزوجوا من إذا ضاقت عليه الحياة وجد فيكم سعة وملاذًا، تزوجوا من له القدرة على الصفح والعفو فالحياة مليئة بالعثرات والأخطاء، تزوجوا من تجدون فيهم أشخاصًا ستحبّون أن تشاركوهم تربية أطفالكم، تزوجوا من يترك لكم فسحة من الخصوصية ويعطيكم الكثير من الاحترام، تزوجوا من تجدون أنفسكم برفقتهم أشخاصًا أفضل.
تزوجوا من يجعل الزواج منه فكرة محببة تودون خوض غمارها لأجله، بغض النظر عن جنسيتاهم أو قبيلتهم أو عروقهم، كم من بني حارة واحدة تزوجوا وطلقوا وكم من أزواج مختلفين عاشوا سعداء حتّى آخر يوم لهم على هذه الحياة؟
الأرض -كل الأرض - أرض الله، والخلق -كل الخلق- خلق الله، أعطاهم جميعًا ذات العقل، وذات القلب، وذات الجسد. لكنهم "بأفرادهم وأعينهم" شكّلوا شخصياتهم الفريدة من نوعها سلبًا أو إيجابًا..
تزوجوا بشرًا.. لا أوراقًا ثبوتية!