2015-09-12 الساعة 03:07ص
الأخبار القادمة من اليمن تبعث على القلق والخوف. فعناوينها باتت تدور حول موضوع واحد تقريبا. هو الاحتشاد العسكري لتحرير صنعاء من سيطرة الحوثيين. إذ بات الحديث متواترا عن وصول قوات يمنية إلى جانب قوات أخرى من السعودية وقطر والإمارات والكويت والسودان (مصر نفت ما أذيع عن وصول 800 جندي مصري)، البعض قدروا تلك القوات بين ثلاثة وعشرة آلاف جندي. ومع القوات معلومات كثيرة عن الدبابات والمدرعات وناقلات الجنود وطائرات اباتشى. ثمة معلومات أخرى تحدثت عن التمركز في مأرب تمهيدا لحسم معركة صنعاء. ثم أخبار مزعجة عن بدء القصف الجوى لبعض مواقع الحوثيين في العاصمة، وعن مغادرة السفير الإيراني لها، استباقا للمعركة.
رغم أن المعارك لا تزال تدور في ضواحي تعز، إلا أن الإعداد للهجوم على صنعاء، الذي تمهد له الغارات الجوية الآن، أصبح يستأثر بالعناوين والتقارير الصحفية. وهو أمر مفهوم ومبرر لأن استرداد صنعاء من الحوثيين سيكون بداية النهاية لغارتهم التي مكنتهم من الاستيلاء على المدينة قبل عام تقريبا (في 21 سبتمبر 2014).
لأن صنعاء هي رمز الانتصار، كما أنها شهادة الهزيمة والانكسار فإن الحوثيين وقوات صالح الموالية لهم حشدوا بدورهم حشودهم وتحسبوا للمعركة الفاصلة. وليس هناك شك في أنهم خلال العام المنقضي أعدوا عدتهم لهذا اليوم، الأمر الذي يعنى أن المعركة على الأرض ستكون شرسة وضارية، وأن كل طرف سوف يعتبرها بالنسبة إليه معركة حياة أو موت.
لأن الأمر كذلك، وبغض النظر عن المنتصر والمهزوم في المواجهة، فإن ضحية القتال في كل الأحوال ستكون المدينة بسكانها البالغ عددهم مليوني نسمة. ومما خبرناه في معارك عدن وتعز، فإن الحرب خلفت وشردت الآلاف، ودمرت كل ما طالته من العمران فضلا عن البنى التحتية. وقد تحدثت الأرقام حتى الآن عن 4500 قتيل إلى جانب ثلاثة ملايين مشرد، كما أشارت التقارير إلى انتشار حمى الضنك وتعطل العمل في مختلف المرافق بما في ذلك حرمان تلاميذ المدارس من الالتحاق بالعام الدراسي الجديد.
ذلك حدث ومعركة صنعاء الأرضية لم تبدأ بعد. الأمر الذي يصور لنا الكارثة الكبرى التي يمكن أن تحل بواحدة من أقدم مدن العالم إذا ما تحولت إلى ساحة للاقتتال بين الطرفين. علما بأن المدينة تعيش الآن حالة محزنة من البؤس، فهي ــ إلى جانب القصف المروع ــ محرومة من الكهرباء والنفط والماء والتموين وغير ذلك من المقومات الأساسية لاستمرار الحياة. ثم إنها أيضا بغير سلطة تديرها، الأمر الذي حولها إلى عاصمة لإحدى الدول الفاشلة.
ما عاد سرا أن القصف الجوى لم يحدث تغييرا ملموسا في توازن القوى على الأرض، لذلك فإنه أحدث من الدمار وإسالة الدماء والترويع بأكثر مما أحدث من التحرير المنشود. ولم تتغير تلك الموازين إلا حين بدأ الهجوم البرى الذي أسهمت فيه القوات السعودية والإماراتية بدور فاعل إلى جانب المقاومة الشعبية، الأمر الذي كان له دوره المؤثر في تحرير عدن، مع ذلك فإذا كان للهجوم البرى جدواه العسكرية إلا أن خسائره البشرية فادحة للغاية.
من ناحية ثانية فإننا إذا وضعنا في الاعتبار أن اليمنيين المنخرطين في صفوف الحوثيين وقوات صالح يحاربون على أرضهم التي هم أدرى بها، في حين أن قوات التحالف أغلبها مستجلب من الخارج فذلك يعنى أن الطرف الأول سيكون في مركز أقوى وإن المواجهة ستكون طويلة الأمد وخسائرها في البشر والعمران ستكون باهظة للغاية.
لأن الجميع يدركون ذلك، ويعرفون أن الكل مهزوم في معركة تحرير صنعاء، بحيث إن أي نصر عسكري سيكون بلا طعم أو قيمة، فثمة جهد مواز يحاول الآن استباق المواجهة العسكرية والتوصل إلى حل سياسي قبل أن تقع الواقعة. وللأسف فإن ذلك الجهد دولي بأكثر منه عربي. إذ يباشره في الرياض المبعوث الدولي والسفيران الأمريكي والبريطاني في صنعاء، إلى جانب بعض الشخصيات اليمنية. وقد علمت أن الأطراف المتحاربة اتفقت على عقد اجتماع في مسقط هذا الأسبوع (يوم 15 سبتمبر) لوقف إطلاق النار، إذا نجح سوف يعقبه اجتماع آخر للأطراف ذاتها في الكويت لبحث الجانب السياسي من الأزمة.
إلى جانب ذلك فمن الواضح أنه لم يعد هناك أمل يرجى من الجامعة العربية التي أصبحت تتحكم في قراراتها وبياناتها مراكز القوى العربية التي تؤيد الحسم العسكري في الوقت الراهن.
بقيت عندي ملاحظتان إحداهما استفهامية والثانية استنكارية. خلاصة الأولى إن اليمن ظلت بلدا منبوذا من جانب مجلس التعاون الخليجي الذي ظل يتمنع في قبول عضويتها طوال السنوات التي خلت، وحين وقعت الغارة الحوثية تذكر الجميع أن أمن اليمن من أمنهم وسارعوا إلى إرسال قواتهم إلى هناك لتحريرها. وهو أمر محير «واكتشاف» يحتاج إلى تفسير. الملاحظة الاستنكارية تتمثل في أن الدول العربية الكبرى تتحدث عن أهمية الحل السياسي للأزمة في سوريا، رغم الفظائع والبشاعات التي مارسها النظام هناك، في حين أن الدول ذاتها لم نر لها حماسا للحل السياسي في اليمن، رغم تواضع مأساته بالمقارنة مما هو حاصل في سوريا. وهو ما يمثل لغزا محيرا وباعثا على الدهشة والاستنكار.
إن إنقاذ صنعاء واليمن كله من جحيم الحرب بات بحاجة إلى معجزة. ويا ليتنا نردد مع اليمنيين دعاءهم: «يا لطيفا لما نزل الطف بنا فيما نزل».