2015-09-19 الساعة 03:39م
تابعت بتمعن التغطية الاعلامية الإماراتية لردود الفعل على استشهاد الجنود الإماراتيين في هجوم صافر. لا شك أن التغطية كانت لافتة وركزت على الشهداء وفخر عائلاتهم بهم. أظهرت التغطية أيضا تقاربا واضحا بين الشعب وقيادته وتلاحما كان غير واضح للكثيرين ممن ظلوا ينظرون بشك إلى علاقة الخليجيين ببلادهم وفي أنهم “أهل رخاء ورخاوة”. ما نشاهده اليوم من شدة بأس في القتال وتمكن من تقنيات الأسلحة واحتراف في الالتزام بالواجبات، غير صورة الخليجي التقليدية تماما.
لكن ما لفت نظري أكثر هو أصوات أمهات الشهداء التي نقلتها وسائل الاعلام. ثمة شيء مختلف تماما.
أم الشهيد الإماراتي لا تختلف عن أي أم تفقد ابنها. فلا يوجد عاطفة أقوى من تلك التي تربط الأم بابنها. الولد هو استثمار العمر النفسي والمادي بالنسبة للأمهات. وفقدانه جرح لا يعوض. الابن يشاهد أمه تكبر وتشيخ وتموت فيتعامل مع الأمر على انه حقيقة مقبولة سرعان ما يتأقلم معها وتعود اليه ذكراها في المناسبات والأعياد. الابن يمضي في حياته. الأم التي تفقد ولدها لا تشفى من خسارتها الكبيرة هذه. ابنها يعيش معها كل يوم. لا تستطيع نسيانه أبدا.
هذا ما يجعل الأم محورا أساسيا في شرعية الحرب لأن الجنود – الأبناء هم مادتها اليومية.
الذين يموتون في حرب اليمن العبثية من اليمنيين لا نسمع حكايات امهاتهم. يراهن مشعلو الحروب في اليمن على أن الأم اليمنية تنزوي بعيدا في احزانها وتسكت. لا اذكر اني رأيت أما يمنية ثكلى تتحدث على شاشة تلفزيون. هذا الصمت هو ما يجعل الحوثي واشكاله يستخفون بدماء الناس ويرسلون المغرر بهم إلى الموت دون حد أدنى من الالتزام تجاه الأمهات. فطالما الأم غارقة في احزانها، كان من السهل زج المزيد في أتون الحرب. بل يمعنون في تدليسهم بربط الأمر بغيبيات جاءتهم جاهزة من إيران ولبنان.
كانت الأم الإماراتية أول من ظهر على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد للحديث عن معنى استشهاد ابنها في الحرب في اليمن. أم الشهيد تفتخر باستشهاد ابنها عندما تعرف أنه يخوض حربا ضد باطل. تسامي الأم الثكلى على حزنها شيء لم نعتده. كان البعض يكتب عن الأمر. ولكن أصوات الأمهات المباشرة هذه المرة كانت جديدة على آذاننا.
في جانب من الأمر، يبرز الإيمان. الإماراتيون في العموم، كما يشهد الكثير من اليمنيين ممن عملوا فيها، يؤمنون بقضاء الله وقدره. وهذا ينعكس على تلقيهم المصاب.
ولكن الإمارات أيضا شعب صغير نسبيا. كل جندي يستشهد أو يصاب هو خسارة مباشرة يحس بها المجتمع. وعندما يرى المجتمع الإماراتي أن الأمهات في طليعة المؤمنين بحتمية الحرب، فأنه يرى الخسائر بعين مختلفة تربط بين المسؤولية الوطنية والاحساس بعظم المهمة وحقيقة الخطر.
نريد أن نسمع أصوات أمهات ضحايا حروبنا في اليمن، تلك الحروب العبثية التي ما ان تنتهي حتى تلد حروبا أخرى. نريد لأبنائنا أن يضحوا بحياتهم في قضايا عادلة وليس فداء لصالح او للحوثي. دعونا نجعل صوت الأم هو المقياس.