أهم الأخبار
مروان الغفوري

مروان الغفوري

عصر الشعوب اليمنية!

2015-12-05 الساعة 08:29م

 

أفقياً صار لدينا شعوب يمنية عديدة. لكل شعب لغته، مدونته الوطنية، أعداؤه، أصدقاؤه، خطابه، قيمه، وحتى جيشه وأمنه!

وله قبوره، وثاراته.

 

من حضرموت، حيث لا يكترث الناس لما يجري خارجها

حتى الحديدة غرباً، هناك حيث التهامي الاعتيادي الذي لا يفكر سوى بالشمس والأمواج.

لا لغة مشتركة، لا قضايا مشتركة، ولا آلام مشتركة.

 

عشرات القضايا الجنوبية، ولكل قضية ألف لحن.

يصرخ أهل صنعاء: عدن بيت القاعدة. يشير أهل عدن: صنعاء بيت الداء.

 

حوثيون في الشمال: ملكيون في زي جمهوري.

مؤتمريون في الوسط: جمهوريون بسلاح ملكي.

جنوبيون حول هادي: وحدويون حتى تنتهي الحرب.

جنوبيون لا يحبون هادي: انفصالين وإن لم تضع الحرب أوزارها.

شماليون في تعز: كل هذا لا يهم، أوقفوا المدفعية أولاً، دعونا نشرب قليلاً من الماء.

 

ثلاثة أحزاب هشة وسط كل هذا الركام تعرّف الوطن بطريقة واحدة وتبحث عنه بألف طريقة مختلفة.

 

قادة في السبعينات بلا أخلاق

وقادة في الثلاثينات بلا عقل.

 

عاصمة جديدة لا تعترف بأحد، حتى بنفسها. وعاصمة قديمة لا تتبع أحداً ولا يتبعها أحد.

 

زمن الشعوب اليمنية العظيمة.

يتآلف "حلف قبائل حضرموت" مع القاعدة، وقد اتخذت مسمى جديداً "أبناء حضرموت". يقول أهل حضرموت: زيتنا في دقيقنا.

لكن القاعدة عندما تطرق أبواب لا تنظم السير كما تفعل في حضرموت، بل تفخخ الأجساد. تضع الديناميت في الدقيق. الديناميت لا الزيت.

 

القاعدة لا تبحث عن الحوثيين، الحوثيون لا يبحثون عن القاعدة. الرئيس لا يعلم شيئاً، فقد قال للسعوديين: عليكم 80٪ وعلينا الباقي. ثم ذهب يبيع ذلك الباقي مع فريقه.

 

القبائل التي نفدت ذخيرتها الحوثية راحت إلى مأرب تبحث عن ذخيرة جمهورية!

 

زمن الشعوب اليمنية، ولكل شعب أغنية، ولكل أغنية ألف موال.

 

الرؤساء: صالح ومحمد الحوثي وهادي وعلي ناصر والعطاس وبحاح وعلي سالم.

وهناك عشرات الشعوب.

 

يدعو أهل حجة على السعودية، ويبكي أهل تعز إذا تأخرت السعودية، ويقول أهل عدن إن السعودية تحبهم ولا تحبهم.

زمن الشعوب اليمنية.

 

المقاومة الجنوبية انقسمت إلى مقاتلين إصلاحيين وسلفيين يعتقدون أنهم يمنيون، ومقاتلون آخرون، يطالبون بالاستقلال، وقاعدة متعددة الجنسيات.

تعز: أوقفوا المدفعية

الحديدة: نريد كهرباء

عدن: تأخرت الرواتب

صنعاء: أوقفوا الطلعات الجوية

صعدة: اطفئوا الحرائق

إب: أمطرت السماء بغزارة هذه المرة

عمران: نريد مزيداً من الدقيق، الخبازات يشتكين.

 

زمن الشعوب اليمنية، لكل شعب قضاياه.

 

تشتعل الحرب في تعز ومأرب، ويقول عقلاء إب: نحن محافظة السلام لا شأن لنا بتلك الحروب.

 

وعندما كانت الحرائق تلتهم عدن كانت حضرموت غاضبة بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

 

زمن الشعوب اليمنية. زمن العقول الصغيرة، العقول الأكثر صغراً، زمن الأدمغة المجهرية التي تستوعب بالكاد أرباع المواضيع وأعشار القضايا.

 

زمن محمد الحوثي العظيم والشعوب اليمنية العظيمة.

لقد وضع التاريخ أكبر بقعة براز في الجزء الجنوبي الغربي من قارة آسيا. انظروا إلى كرش الرجل وملامحه، تعرفوا على فكرة المنشأ.

 

شن أهل يافع حملة على محافظ عدن السابق، البكري، لأنه إصلاحي. وعندما هاجمه أهل أبين تذكر أهل يافع أنه واحد منهم وراحوا يدافعون عنه ويمجدونه.

 

زمن الشعوب اليمنية، شعوب في الشمال وشعوب في الوسط وشعوب في الجنوب وشعوب في الشتات.

لا توجد لغة مشتركة بين تلك الشعوب، وتبدو الحرب المجنونة هي اللغة الوحيدة التي يفهمونها. إذ لا يمكن أن يستخدم سياسي حضرمي وسياسي من تعز وسياسي من صعدة وسياسي من أبين اللغة نفسها. على مستوى المواطن الاعتيادي يبدو الأمر أكثر درامية!

 

شعوب يمنية لا تختلف حول الموقف من الديموقراطية وشكل نظام الحكم .. بل عند مستويات أكثر بدائية: ما إذا كانت اليمن من اليمن؟

ما إذا كانت الجمهورية من الملكية؟

 

هل تتذكرون النوبة وهو يقول عبر قناة العربية:

نحن المقاومة الجنوبية، نطالب بالاستقلال واستعادة الدولة وإصلاح مسار الوحدة وتنفيذ مشروع الفيدرالية وتمكين الرئيس هادي من أداء مهامه.

 

تستمع إلى سياسي كبير ليحدثك عن الجنوب الذي لم يكن جزءاً من اليمن سوى في العام 1967! متحدياً التاريخ الممتد لآلاف السنين. تستمع إلى نقاشات الشعوب اليمنية فتجد نفسك أمام لغة ومنطق بلغتا في التفاهة حداً لا يمكن معه دحضها!

 

تستمع إلى سياسي كبير في الرئاسة يقول: إن سقوط عمران في يد الحوثيين يحرم الإصلاح من عمقه الاستراتيجي!

 

زمن الشعوب اليمنية التي لم تعد الآن تعلم ماذا تريد!

زمن الانحطاط اليمني، القاع اليمني الشاسع.

 

زمن شعوبنا اليمنية العظيمة التي ..

فتت الحروب ضميرها وصحتها النفسية، وسقطت في الجوع والذهول.

زمن الشعوب اليمنية.

عند كل حاجز تجد شعباً: لغة خاصة، مدونة أخلاقية وسياسية خاصة، وحتى سلاحاً مختلفاً..

 

زمن الشعوب اليمنية، الزمن البربري الشامل.

زمن الشهداء من كل السواقي، وكل شهيد أزهق روح شهيد.

 

هذا الزمن اليمني المفكك

قد تبدو معه فكرة تقسيم اليمن إلى كانتونات مستقلة فكرة عملية، وحلاً ممكناً وحيداً.

 

على الأقل:

للحيولة دون أن يقتل أحد الشعوب اليمنية شعباً يمنياً آخراً كما يجري الآن.

 

فالشعب اليمني العظيم القادم من صعدة يقتل الشعب اليمني العظيم في تعز. بينما الشعب اليمني العظيم القادم من مأرب يقتل الشعب اليمني العظيم في الجوف. أما الشعب اليمني القادم من حضرموت فهو يقتل الشعب اليمني العظيم في أبين!

وفي الحرب عثرنا على شعب يمني عظيم قادم من تعز كان يقتل الشعب اليمني العظيم في لحج.

إلخ..

 

الشعب الذي سمح لنفسه في أن يصير شعوباً لن يصبح بقاؤه ممكناً إلا إذا إذا استعاد ذاته الوطنية المتفوقة على الذوات الدنيا وقبض على آلامه واستعاد عقله..

 

أو لينتقل من عصر الشعوب اليمنية إلى عصر الدول اليمنية، حتى يمكن وضع حد للجوع والمدفعية!

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص