2016-01-14 الساعة 06:40م (يمن سكاي - متابعات)
في الوقت الذي اتجهت فيه دول النفط إلى التعاطي مع الانهيار الحاصل في أسعار النفط، تستعد روسيا لمواجهة أزمات قاسية تنتظرها بمجموعة من الإجراءات الصعبة، التي تتعلق بترشيد وخفض جملة الإنفاق العام.
وما يزيد من أزمة النفط في روسيا هي الجبهات العديدة التي فتحتها على نفسها مؤخرا، خاصة الأزمة في سوريا، التي من المتوقع أن تكبد الاقتصاد الروسي مزيدا من الخسائر، وتخلف عجزا كبيرا بدأت تظهر آثاره في القرارات الحكومية التي أعلنتها الأربعاء، والخاصة بخفض الإنفاق العام، بما لا يقل عن 10 في المئة.
وعلى الرغم من أن التوقعات تشير إلى انحدار أسعار النفط خلال الفترة المقبلة لتصل إلى نحو 20 دولارا، فقد أعلنت روسيا أنها لن تواجه أي عجز حال وصول سعر برميل النفط إلى 82 دولارا، وهو ما يشير إلى ارتفاع العجز العام لدى روسيا خلال العام الجاري.
وأمام انهيار أسعار المحروقات، أعلنت الحكومة الروسية الأربعاء، أنها تستعد لخفض نفقاتها بمعدل 10 في المئة "تفاديا لإصابة البلاد بإفلاس شبيه بما حدث في عام 1998".
من جانبه، قال رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، خلال منتدى اقتصادي في موسكو لخص فيه الوضع: "علينا أن نعيش وفق إمكانياتنا من خلال خفض نفقات الموازنة ونفقات مؤسسات الدولة، وخصخصة أصول الدولة".
فيما قال نائب رئيس الوزراء، إيغو شوفالوف، إنه لا بد من اتخاذ "تدابير قاسية. لا أقول إن الأمر مريح، لكنه مفيد" لضبط الموازنة، وجعل الاقتصاد أقل اعتمادا على المحروقات.
يشار إلى أن روسيا الخاضعة لعقوبات اقتصادية بسبب الأزمة الأوكرانية السنة الماضية، عانت من انكماش أدى إلى انخفاض كبير في القدرة الشرائية للسكان.
وأدى تدهور أسعار النفط وانخفاضه إلى 30 دولارا للبرميل، وهو مستوى ما كان يمكن تخيل حدوثه قبل فترة قصيرة، إلى تغيير المعطيات بصورة مفاجئة بالنسبة إلى روسيا التي تعتمد على المحروقات لتأمين عائداتها التي كانت تأمل في أن يعود اقتصادها للانتعاش خلال 2016، بعد انكماش شديد العام الماضي.
وقال وزير المالية أنتون سيلوانوف: "علينا اتخاذ تدابير مدروسة، وتكييف ميزانيتنا مع المعطيات الجديدة. إذا لم نفعل سيتكرر ما حدث في 1998"، التي شهدت أزمة مالية عميقة تسببت في تخلف روسيا عن سداد ديونها، "وسيدفع المواطنون من خلال التضخم ثمن ما لم نفعله عبر تكييف الميزانية".
وتابع: "ينتظر من الوزارات أن تقدم خطة لخفض النفقات بنسبة 10 في المئة، مقارنة مع ما هو وارد في قانون الميزانية الذي تم إقراره قبل بضعة أسابيع".
وأوضح أن تصحيح النفقات يمثل 500 مليار روبل تساوي نحو ستة مليارات يورو، ويفترض أن يتم الانتهاء منه قبل نهاية الربع الأول من السنة.
وأكد سلوانوف أن الحكومة تعمل على توفير عائدات جديدة، لاسيما من خلال بيع حصصها في الشركات العامة، ما يمكن أن يؤمن ألف مليار روبل على مدى سنتين (12 مليار يورو).
وأعدت موازنة 2016 بالاعتماد على سعر 50 دولارا للبرميل، مع عجز ثلاثة في المئة من إجمالي الناتج الداخلي حدده الرئيس فلاديمير بوتين سقفا أعلى. وقال سيلوانوف إنه بالإمكان إبقاء العجز عند 2.6 في المئة العام الماضي.
وتوقع البنك المركزي الروسي أن ينخفض إجمالي الناتج المحلي خلال 2016 إذا استمر انخفاض أسعار النفط، بعد أن تراجع بنسبة 3.7 في المئة في 2015، وفق الأرقام الحكومية.
وقامت الحكومة بخفض كبير في عدد موظفي الإدارات الحكومية وقطاعات الصحة والشرطة، لتركيز جهودها على القطاعات الصعبة مثل البنوك والبناء والسيارات.
وقررت زيادة معاشات التقاعد هذه السنة بنسبة أربعة في المئة فقط، في حين بلغت نسبة التضخم السنة الماضية 12.9 في المئة.
وانخفض صندوق احتياطي الميزانية في روسيا بنحو 9.4 مليار دولار في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وفي حال استمرار انخفاض أسعار النفط، فإن ذلك سوف يؤدي إلى إغلاق بعض الأصول المنتجة للخام في روسيا.
وفي محاولة من الحكومة لتغطية عجز الميزانية، فقد استخدمت روسيا أموالا من الصندوق، حيث إن قيمة الصندوق 49.95 مليار دولار في أول كانون الثاني/ يناير، انخفاضا من 59.35 مليار دولار في أول كانون الأول/ ديسمبر. وفي أول تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بلغت قيمة الصندوق 70.51 مليار دولار.
وقالت وزارة المالية في بيان لها، إن حيازات بقيمة 4.52 مليار دولار و4.14 مليار يورو و0.67 مليار جنيه إسترليني بيعت في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بما يعادل 710.67 مليار روبل.
ومما لا شك فيه، أن انكماش صندوق الاحتياطي بوتيرة سريعة على مدى الأشهر القليلة الماضية أبرز الضغوط على مالية الحكومة الناتجة عن هبوط أسعار النفط.
استمرار انخفاض أسعار النفط
وحول استمرار انخفاض أسعار النفط، قال نائب وزير المالية الروسي، ماكسيم أورشكين، إنه قد يؤدي لإغلاق بعض الأصول المنتجة للخام في روسيا، بل من المؤكد أنها قد تقود إلى إغلاقات سريعة ومؤلمة جدا لبعض الأصول المنتجة للنفط، في الأشهر المقبلة.
وعلى الرغم من الأزمة الحالية، فإن شركات النفط الروسية تصمد حتى الآن في مواجهة انخفاض أسعار النفط مدعومة بانخفاض قيمة الروبل، بجانب عوامل أخرى، ما نتج عنه انخفاض التكلفة، إلى جانب أن أسعار النفط هبطت 70 في المئة عن ذروتها في منتصف عام 2014، لتصل إلى ما يزيد قليلا على 30 دولارا للبرميل.
وتوقعت شركة "ترانسنفت" الروسية التي تحتكر خطوط أنابيب النفط في البلاد تراجع صادرات النفط الخام الروسية بنسبة ستة في المئة، لتصل إلى 215.8 مليون طن في 2016، من 229.6 مليون طن في العام الماضي.
وبلغ إنتاج روسيا من النفط أعلى مستوياته في فترة ما بعد الحقبة السوفيتية، ليصل إلى أكثر من 10.8 مليون برميل يوميا، بفضل الحقول التي دخلت الخدمة حديثا، وكذلك إنتاج مكثفات الغاز.
وتستبعد الحكومة حتى الآن إجراء تخفيضات متعمدة في إنتاج النفط الخام الذي يساهم مع إنتاج الغاز الطبيعي بنصف إيرادات الموازنة العامة للدولة، قائلة: "إن الظروف المناخية القاسية لا تسمح بالاستئناف السريع للإنتاج من الآبار بعد إغلاقها".
وفي محاولة لوزير المالية الروسي، أنطون سيلوانوف، لوضع حلول لأزمة النفط والانخفاض الحاد في الأسعار، قال: "بإمكان روسيا وضع موازنة لا عجز فيها عند سعر 82 دولارا لبرميل النفط، خاصة أن عجز ميزانية العام الماضي بلغ نحو 2.6 في المئة من الناتج المحلي".
وكانت روسيا وضعت موازنتها لهذا العام على أساس سعر 50 دولارا لبرميل النفط، لكن مزيج "برنت" خام القياس العالمي بلغ اليوم نحو 31 دولارا للبرميل.
وقال سيلوانوف: "سيتحقق التوازن في ميزانيتنا عندما يبلغ السعر 82 دولارا للبرميل، ولذا فإن هناك الكثير من القرارات التي ينبغي أخذها في ما يتعلق بسياسة الموزانة".