2016-04-25 الساعة 03:28م (يمن سكاي - متابعات)
يتحمل الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، وزر عملية التغيير العميقة التي تشهدها المملكة، إنْ على الصعيد السياسي أو الاقتصادي. وعلى خلاف المرات السابقة فإن التغيير يتم تحت ضوء إعلامي مبهر، وفي أجواء تفاعل غير مسبوقة، لا على المستوى الخارجي فقط بل على المستوى المحلي أيضا.
هذا على صعيد الشكل، أما على صعيد المضمون فإن ما يطاله التغيير هو في معظمه -إن لم يكن كله- استحقاقات مؤجلة، كان على المملكة أن تفي بها منذ زمن بعيد، لكنها كانت ترجئها، أو تتردد في الوفاء بها؛ لأنها لم تكن تشعر بضغط الخارج، ولا بعبء الداخل كما هو عليه الوضع الآن.
وعندما يقول الأمير محمد بن سلمان “بملء الفم: إننا كنا على حافة الإفلاس”، فإنه لا يضع يده على جرح نازف فقط، بل يشخص عمق الجرح وخطورته .
في السابق كانت المملكة قادرة على الانتظار والتأجيل، فموارد النفط وفيرة، والطلب عليه عال. وكانت “القصعة” كبيرة، والإمكانيات كافية، للاستجابة لكافة الطلبات حتى لو لم تكن صحيحة، ولا مقبولة. ونشأ نتيجة ذلك، وبسببه نمط حياة لا يتفق مع المعايير الاقتصادية ولا يؤسس لتنمية مستدامة ومستقرة.
في ذلك الوقت كان الخارج يخطب ودّ المملكة، وكان مستعدا لدعم مواقفها، ويتسابق في الدفاع عن أخطائها، أو على الأقل التغاضي عنها؛ كرمى لعين النفط حينًا، أو طمعًا بالشراكة الاقتصادية أو الاستثمارات المالية حينًا آخر.
لم يكن هناك من يجرؤ على القول، إن هذا الودَّ مزيفٌ، أو حالةٌ عارضةٌ ومؤقتة، وإن ما يضمره بعض الأصدقاء والحلفاء في السر، هو على خلاف ما يظهرونه في العلن.
كانت الأصوات التي نبهت إلى خطورة التعامي عن استحقاقات التغيير الداخلي، أصواتًا ضعيفة لا يصل صداها إلى دوائر صنع القرار، فيما يهيمن المنتفعون والمستفيدون من حالة المراوحة بين تغييرغير ناجز وجمود قاتل، على كامل الأدوار، ويستأثرون بالمشهد، بكل تفاصيله السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية.
تحت ضغط الطابع الاستهلاكي المتزايد، ظل تنويع مصادر بديلة للنفط أقرب للمناظرة الفكرية منه للممارسة العملية، وما تحقق من إنجازات على صعيد الصناعة والإنشاءات لم يكن متناسبًا مع ما هو مطلوب، أو ما هو ممكن لبلد كبير غني بالموارد، ومتنوع في الإمكانيات.
اليوم تنفجر الأزمات المؤجلة، أو المسكوت عنها دفعة واحدة في الداخل وفي الخارج، دون أن تتوافر فرصة للمراوحة، أو التردد، ليصبح عنوان الحزم ضرورة لا اختيارا ، وفرضا واجبا لا نافلة أو تطوعا.
في الداخل تبدو الفاتورة المستحقة عالية الكلفة، فما تحتاجه المملكة من مشاريع لتجديد أو استكمال منظومة الخدمات ناهيك عن منظومة الإنتاج لا يستنزف مدخرات المملكة واحتياطياتها فقط ، بل يتطلب وقتًا ثمينًا، تحتاج المملكة لاختصاره إلى كلفة باهظة، وإلى قرارات صعبة.
أما في الخارج وعلى مستوى الإقليم ، فيطلب من السعوديين بوضوح الآن ، أن ينزعوا شوكهم بيدهم؛ فالحلفاء الذين اعتمدت عليهم المملكة في الماضي، لم يعودوا طوع البنان كما كنا نظن، أو كما أوحت لنا التجارب الماضية حين الاستنجاد بهم أنه هو الخيار الأسهل، والقرار الأسرع.
وأكثر من ذلك فإن الأزمات التي كانت تمر بها المنطقة على فترات متباعدة، أو بوتائر معتدلة، باتت تتسارع بشدة، وتقرع الأبواب، وتقض المضاجع، بحيث لم تعد هناك إمكانية لتجاهلها أو التغاضي عنها.
قدر محمد بن سلمان الذي يقف في عين عاصفة التغييرالآن، أن يتحمل عبء الماضي، وأن يتصدى لتحدي المستقبل الذي حمل أمانته.
عندما يلجأ محمد بن سلمان للإعلام للتبشير بالتغيير المنتظر أو الترويج له، لا يلجأ إليه حبا في الظهور، وتلميعا للصورة، بل لأنه يعرف أن المهمة لن تكون سهلة أو ميسرة.
وهو وإن كان يحظى بدعم ومساندة النخبة السياسية والفكرية، يدرك ولا شك حجم المقاومة التي تنتظرعملية التغيير وتتهيأ للانقضاض عليها وإعاقتها.
وحسنًا فعل ويفعل الأمير الشاب وهو يلجأ إلى مكاشفة ومصارحة لم نكن نعهدها في المسؤولين السعوديين؛ فعملية التغيير ليست جهدا فرديا وليست قرارا سياسيا وإداريا بل هي حجر كبير في مياه راكدة، ولابدّ من حشد الطاقات المجتمعية، لتجنب ارتداداتها السلبية، والعمل لإنجاحها والتفاعل معها، ومن دون ذلك فإن هذا الجهد مهما كبر مداه، واتسعت دائرته، سيكون صرخة في واد أصم لا يسمع صداها من يستهدفهم التغيير، ومن يحصدون ثماره.