2016-06-08 الساعة 11:50م (يمن سكاي - متابعات)
يعتمد الفلسطينيون والسوريون المقيمون بمخيم اليرموك للاجئين في جنوب دمشق، على المساعدات الغذائية للعيش في الحرب الأهلية التي تعصف بسوريا. لكن الوصول إلى تلك المساعدات قد يكلف المرء حياته.
ففي ظل القتال الدائر بين تنظيم “داعش” وجبهة النصرة من أجل السيطرة على المخيم، إضافة للحصار الذي تفرضه قوات النظام السوري على أحيائه، عجزت الأمم المتحدة منذ أكثر من عام عن إيصال المساعدات لداخل المخيم.
في الرحلة إلى نقطة الحصول على المساعدات لا تتوفر للسكان في بعض المناطق أي “حماية” من رصاص القناصة إلا قطع قماش سميك تتدلى بين المباني. ولا ينجح القناصة عادة في التمييز بين المقاتلين وغيرهم.
وبعد أن يجتاز سكان المخيم هذا التحدي، يتعين عليهم عبور نقطة تفتيش أقامتها “داعش”. وتسيطر نقطة التفتيش تلك على الطريق الواصل إلى بلدة يلدا المجاورة حيث تتولى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” ومنظمات أخرى تسليم المساعدات حينما يتسنى لها ذلك.
ووصف ساكن يطلق على نفسه اسم محمود- رغم تأكيده أن ذلك اسم مستعار يستخدمه خوفًا من بطش القوى المتحاربة في المخيم- في حوار نشرته وكالة رويترز للأنباء، كيف يقوم بهذه الرحلة ثلاث مرات أسبوعيا.
وأضاف الشاب البالغ من العمر 22 عاما “أخرج من منزلي وأجد نقطة تفتيش على بعد كيلومتر تقريبا. أغلب الشوارع في المخيم تقع في مرمى نيران القناصة.. من الجانبين. يكون علي أن أحذر منهم. يمكنني الركض في بعض الشوارع ولا يسعني في البعض الآخر سوى السير.”
وعلى الرغم من فرار عشرات الآلاف من المخيم منذ اندلاع الحرب، لكن مئات السكان لا يزال يملكون جرأة القيام بنفس الرحلة.
وشيد مخيم اليرموك قبل عشرات السنوات كواحد من مخيمات كثيرة أقيمت في المنطقة بعد الحرب بين العرب وإسرائيل في 1948، من أجل إيواء الفلسطينيين الذين فروا أو طردوا من منازلهم. واليوم يكاد مخيم اليرموك يضيق بساكنيه من اللاجئين الأصليين ناهيك عن بعض السوريين الذين شردتهم الحرب فسكنوا بالمخيم.
وتعرض مخيم اليرموك عشرات المرات لقصف، وحوصر وعزل عن العالم الخارجي منذ بدايات الصراع متعدد الأطراف الذي يعيش الآن عامه السادس. واقتتلت قوات النظام السوري ومعارضون مسلحون من أجل السيطرة على المخيم الذي يقع على بعد كيلومترات قليلة من قلب دمشق.
أرض الاقتتال
دخل مقاتلو تنظيم “داعش” المخيم الذي يعج بالبنايات في أبريل نيسان من العام الماضي بفضل مساعدة من جبهة النصرة، في موقف تعاون نادر بين الفصيلين الخصمين. وسيطرت داعش وقتها على غالبية المخيم، بحسب ماذكرته وكالة رويترز.
وبعدها رفع الطرفان- تنظيم داعش وجبهة النصرة- السلاح كل في وجه الآخر وأتت المعارك في الأسابيع الأخيرة على عدد لا يحصى مما تبقى من مساكن المخيم في ظل محاولة داعش على انتزاع مناطق تسيطر عليها جبهة النصرة، يضاف إلى ذلك الحصار الخانق الذي تفرضه قوات النظام على المخيم.
ونقلت وكالة رويترز عن أحد قاطني مخيم اليرموك قوله “ساءت الأوضاع بشدة في الفترة الأخيرة. هذا قتال يدور داخل المخيم فقط.. ولا يمتد لمنطقة أخرى.. يتركز هنا فقط. وأضاف، أن المقاتلين يستهدفون المنازل ويحرقونها ولو كان بداخلها سكان بغرض عرقلة تقدم الطرف الآخر.
وفي الناحية الأخرى من شريط داخل أرض فضاء متاخمة لمنطقة سيطرة تنظيم داعش، هناك مقاتلون تحت راية “الجيش السوري الحر” يسيطرون على بلدة يلدا.
ونقلت رويترز عن شاهد آخر من سكان مخيم اليرموك، أطلق على نفسه اسم يوسف “تتوقف مدى خطورة الطريق إلى يلدا على سخونة المعارك هناك. في الفترة الأخيرة يتعين على من يسكنون في مناطق القتال الاحتماء بقطع قماش سميكة أو بالأرصفة أسفل البنايات. وأضاف يوسف “يوم الخميس الماضي أصيب أحد الأشخاص برصاصة قناص.”
وقال ساكن آخر قدم نفسه باسم محمد وعمره 30 عاما “إذا رغب أحدهم في مغادرة منزله للحصول على بعض الماء فقد لا يعود.”
وأضاف محمد الذي عمل قبل اندلاع الحرب في سوريا ببيع الأطعمة من كشك في الشارع “قد يدفع المرء حياته ثمنا للحصول على كسرة خبز أو بعض الطعام.”
إمدادات متواضعة
وقال أبو أنس وهو عامل سابق “كثير من الناس يكتفون بالجلوس في منازلهم.. نحن عالقون هنا وعالقون في المخيم.”
وأضاف الشاهد لوكالة رويترز للأنباء “الماء قليل جدا والوقود قليل. نحصل على المساعدات بالأساس من الأونروا.. لا نحصل على الكثير لكنهم أملنا الرئيسي.. كل 20 يوما نحصل على حزمة تكفي بالكاد عائلة واحدة.”
ونوه أبو أنس إلى أن هذه الحزمة تتكون من 4 كيلوجرامات من العدس و5 كيلوجرامات من السكر وكيلوجراما من المعكرونة وعلب طماطم.
وقد يتسبب القتال في إغلاق نقطة التفتيش لأيام. لكن إذا تسنى للسكان العبور يصبح بمقدور محمد ويوسف وغيرهما شراء أشياء أخرى يمكنهم دفع ثمنها من أكشاك صغيرة في يلدا قبل العودة.
وحتى الحصول على مساعدات فإن قطع الكيلومترات القليلة من دمشق إلى يلدا مرورا بمناطق تسيطر عليها الحكومة وأخرى تسيطر عليها المعارضة يتطلب حديثا مضنيا مع السلطات المحلية ووجهاء وقادة من طرفي الصراع.
عمليات تفاوض مضنية
و نقلت وكالة رويترز عن كريس جانيس المتحدث باسم الأونروا قوله “حين سمح لنا بالوصول إلى يلدا لأول مرة.. ولمجرد الوصول إلى هناك كان على الأمم المتحدة التفاوض على 17 اتفاقا منفصلا.” وعلى مدى شهر على الأقل بدءا من أبريل نيسان تعجز الأونروا حتى عن الوصول إلى يلدا وحذرت من أن السكان يواجهون خطر (المجاعة) إن لم تستأنف المساعدات”.
وقال جانيس “داخل اليرموك دأبت القوات المتحاربة على استخدام ذخائر كبيرة دون تمييز. من غير المقبول على الإطلاق أن يجد أناس تساعدهم الأمم المتحدة في القرن الحادي والعشرين أنفسهم في هذا الوضع في عاصمة بلد عضو بالأمم المتحدة.”
هجرة
في ظل الانقطاع المتكرر للكهرباء والماء يلجأ الناس لاستخدام المولدات وشرب ماء يباع على ظهر شاحنات، حيث يؤكد شهود أن الماء الذي يستخرج من آبار بعيدة “ملوث” ولا يمكن استخدامه إلا للاستحمام.
وبين آلاف ممن نزحوا في موجة هجرة من مخيم اليرموك بحث البعض عن ملجأ داخل سوريا بينما قصد آخرون دولا مجاورة أو أوروبية.
وقال عامل إغاثة في مؤسسة “جفرا” التي ترصد أوضاع حقوق الإنسان في المخيمات الفلسطينية بسوريا، إن المئات تركوا المخيم خلال الأسابيع الماضية فقط.
وكان عدد الفلسطينيين من ساكني المخيم قبل الحرب 160 ألفا مقابل 3 إلى 6 آلاف فقط في الوقت الحالي. وقال عامل الإغاثة إن عددا مماثلا تقريبا للنازحين من المخيم يعيش في يلدا.
وأكد محمود- شاهد مخيم اليرموك- الذي أفاد بمقتل والدته في قصف للقوات الحكومية قبل 3 سنوات إنه “سيبقى” في المخيم. وأضاف “بيتي هنا وأبي يعيش هنا. حين أذهب إلى يلدا أشعر أني نازح. اليرموك مخيمي.. لن أتركه أبدا”.