2017-09-02 الساعة 03:39م (يمن سكاي - الاناضول)
يستقبل اليمنيون المقرون اسم بلادهم بـ"السعيد"، دون أي مظاهر سعادة تذكر، فوباء الكوليرا مُستفحل، والأوضاع المعيشية تزداد قسوة وسوءًا، فيما الحرب تواصل تقطيع أوصال البلاد.
إنه العيد الثاني الذي يمر على اليمني "أحمد صالح"، بعيداً عن أسرته التي تعيش في "ذمار" وسط البلاد، في حين سيضطر مجبرا لقضائه في مدينة "مأرب"(شرق العاصمة).
"صالح" الذي انتقل بمفرده إلى "مأرب" من أجل العمل هناك، تاركا زوجته و4 أبناء، يخشى اليوم العودة لمجرد قضاء العيد بين أفراد أسرته، فربما يصطدم بحاجز للحوثيين وتهمة بالانتماء إلى الجيش والمقاومة التي باتت جاهزة للمارين عبر نقاط التفتيش، وهو ما يعني اعتقاله أو حتى قتله بحسب قوله.
حال كثير من اليمنيين لا يختلف عن "صالح"، فبسبب الحرب نزح الآلاف من مناطق سيطرة الحوثيين وحلفائهم، إلى المحافظات الشرقية التي لا تزال تتمتع بقليل من الخدمات، وتتوفر فيها فرص العمل.
ولدى عزم هؤلاء العودة أو مجرد زيارة ذويهم، فإنهم مجبرون للمرور عبر نقاط التفتيش التي يقيمها مسلحو الحوثي، لكن معظمهم يتخوفون المرور عبرها ويفضلون البقاء في مناطق عملهم، بعيدا عن أسرهم.
وفي حديثه للأناضول، يقول "صالح" (46 عاماً) متهكّما، إنه يفضّل "قضاء العيد في مأرب (مكان إقامته) بدلا من قلعة رداع (سجن شهير استحدثه الحوثيون في محافظة البيضاء/ جنوب)".
الرجل الأربعيني الذي احتجزه "الحوثيون" أثناء سفره إلى مدينته العام الماضي، فضَل البقاء في مأرب مرغما، واكتفى بإرسال مبلغ مالي لأسرته، ومعايدتهم عبر الهاتف.
إلى "مأرب" أيضا، نزح "صالح الحكيمي" مع اثنين من أولاده قبل عامين، مُخلّفا زوجته وبناته الأربعة، ولم يكن قادراً على أخذهم معه، لكن الخوف يعتريه من تركهم في محافظة "إب" وسط البلاد.
"الحكيمي" (65 عاما) يحدث مراسل الأناضول، وأمنياته بقضاء العيد بين عائلته بدت واضحة، لكنه –كما صالح- يخشى تعرض "الحوثيين" له أثناء عودته.
ويقول إن "الحوثيين يريدون القبض عليه؛ للضغط على أبنائه المنتمين للقوات الحكومية (تابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي) بتسليم أنفسهم".
"أخشى أن يُزج بي في السجن، فألحقهم بأذىً أو مشكلة؛ لذلك فضلت البقاء وعدم السفر لزيارة زوجتي وبناتي، على الرغم من اشتياقي لقضاء العيد معهم"، يقول الحكيمي.
** طرقات استثنائية
المضطر لزيارة عائلته في منطقة سكنه الأصيلة، يلجأ إلى حل يبدو صعبا لكنه أفضل مقارنة بنقاط تفتيش "الحوثيين"، وذلك من خلال طرق طويلة ووعرة، لكنها تحتاج وقت أطول بكثير.
"عبده عباس" خياط يمني من محافظة "إب"(غرب) لكنه يعمل في "مأرب"، يقول مُعلّقا على الطرقات المُستحدثة بسبب الحرب والتي يسلكها عند زيارة أهله، "إنها وعرة وطويلة جداً، وتعرقل السفر، كما أنها تحتاج وقتا أطول".
ويقول "عباس" للأناضول، إن الرحلة التي كانت تستغرق 5 ساعات قبل الحرب، أصبحت تأخذ أكثر من 12 ساعة، بسبب إغلاق الطرق الرئيسية بين معظم المحافظات اليمنية وإقامة حواجز ونقاط تفتيش عليها.
ويضيف أن عمله لا يسمح له بالسفر إلا ليلة العيد، ومع طول المسافات وإغلاق الخطوط الرئيسية سيضطر للبقاء في "مأرب".
"سأُحرم من قضاء العيد مع أسرتي، بسبب مخاوف الطريق والرحلة المرهقة والمتعبة"، بحزن شديد يضيف "عباس".
وأغلقت الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين ونصف، الطرق الرئيسية بين المحافظات الشمالية والشرقية، حيث تدور معارك بين الجيش اليمني من جهة، وميليشيا "الحوثي" وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح من جهة أخرى.
وبسبب الحرب، أصبح يتعذّر الوصول لطريق "صنعاء-مأرب"، وجرا استبدالها بطريق "صنعاء-ذمار-البيضاء-مأرب"، التي تمر بأربع محافظات في رحلة تصل مدتها لـ12 ساعة تقريبا.
**عيدٌ دون ملابس
لأول مرة، تبدو الأسواق في العاصمة اليمنية صنعاء، شبه خالية من المتسوقين، فقد عزف معظم اليمنيون عن شراء ملابس العيد، مُكتفين بتلك التي اشتروها في عيد الفطر الماضي.
"طه الصغير"، موظف في وزارة المياه (يديرها الحوثيون) ولديه 5 أطفال، يقول للأناضول، إنهم "لم يعودوا فرحين باستقبال العيد، وسيكون من المؤلم لي أن أراهم دون ملابس جديدة، وألعاب".
ويضيف، "وضعي الاقتصادي لا يسمح. صرفوا لنا (الحوثيين) 32 ألف ريال (85دولار)، بمقدار نصف راتب لأجل مصاريف العيد، لكنها غير كافية".
وباختصار يقول "الصغير"، "هذا الوضع يحد من فرحتنا".
وبحسب تجار في شارع جمال، وسط صنعاء، والذي يعد مركز التسوق الرئيسي بالعاصمة، فإن الحركة التجارية انخفضت إلى أقل من النصف، خاصة محلات بيع الملابس والكماليات.
ويقول "سليم المطحني" الذي يعمل في تجارة الملابس، إن الإقبال على الشراء ضعيف جداً، ولا يكاد يقارن مع الحركة التجارية خلال الأعوام السابقة.
وفي حديث للأناضول، أشار :المطحني" إلى أن "اليمنيين يضعون أولوياتهم في شراء الأساسيات بدلا من الملابس".
أما "بدرية سنان" التي تعيش في مدينة الحديدة (غرب)، أكثر المحافظات تضرراً بفعل الحرب، فتقول "ما عاد هنالك عيد، ولا ملابس، ولا حتى أجواء، بالكاد نقدر نأكّل عيالنا".
وتضيف "سنان" التي تعمل موظفة في إحدى المستشفيات، إن ملامح العيد لا تكاد تظهر، خصوصاً أن سكان المدينة يعيشون ظروفاً بالغة القسوة.
وتساءلت، أي عيد هذا الذي يأتي وسط ارتفاع الحرارة، وانقطاع الكهرباء. الناس هنا يبللون أجسادهم بالماء البارد.
ويتحدث "عبد القوي الشرعبي" بأسى، بعد أن حنث بوعده لأطفاله؛ فيقول "وضعوا خططهم لقضاء العيد في القرية مع أصدقائهم وأقاربهم، لكنني لم أتمكن من الوفاء بوعدي".
ويضيف، "أطفالي غاضبون مني، لكن ما باليد حيلة، فالسفر للقرية يحتاج إلى 150 ألف ريال (320 دولار) على الأقل، ولا أملك هذا المبلغ".
ويعاني اليمنيون من تداعيات الحرب، بما فيهم مليون ومائتي ألف موظف يعملون في القطاع الحكومي، ويعيلون نحو 7 مليون شخص، حيث يمر على بعضهم الشهر الـ11 دون أن يستلموا رواتبهم.
ويشهد اليمن، منذ خريف 2014، حرباً بين القوات الموالية للحكومة من جهة، ومسلحي جماعة "الحوثي"، والقوات الموالية لصالح من جهة أخرى، مخلفة أوضاعاً إنسانية وصحية صعبة، فضلًا عن تدهور حاد في اقتصاد البلد الفقير.