أهم الأخبار

«الحنيشي» صائد الألغام.. حين يختبئ الموت داخل علبة «البيبسي»

2018-11-14 الساعة 07:44م (يمن سكاي - المصدر اونلاين)

«انتبه وين تحط رِجْلك» هي أول نصيحة وجهها لنا «الحاج مبخوت» ما إن رآنا قادمين نحوه، قبل أن يلقانا بوجه بشوش، موشى بلحية وشارب يكسوهما البياض، متكئا على عكاز، وعيناه ترقبان الأرض والأحجار بحثا عن خبيئة، ليعطينا بعدها شرحاً مفصلاً عن الألغام المزروعة في منطقته «شرق صنعاء»، والتي كانت مسرح مواجهات بين القوات الحكومية ومسلحي جماعة الحوثيين أواخر العام 2015 ومطلع 2016م.

 

الحاج مبخوت الحنيشي، «65 عاما» من أبناء منطقة يام -وهي سلسلة جبلية وعرة تقع شمال مديرية نهم شرق العاصمة صنعاء-والتي عاد اليها بعد نحو عام من النزوح، ليجدها «منطقة ملغومة» بعد أن أجبرت القوات الحكومية مسلحي جماعة الحوثيين على مغادرتها، وخلفوا وراءهم آلاف الألغام.

 

يعمل الحاج «مبخوت» في رعي الماشية، وهي المهنة التي يمارسها جل أبناء المنطقة. لكن الحاجة رشحته لعمل آخر هو التطوع في نزع الألغام المدفونة في منطقته، والتي باتت تشكل تهديداً حقيقاً لحياة المواطنين وممتلكاتهم.

 

تحدث مبخوت لـ«المصدر أونلاين» عن دوافعه للتعاطي مع هذه المهمة الخطرة يقول إنه نذر نفسه لهذه المهمة بهدف حماية حياة أهل منطقته وممتلكاتهم، بعد أن «تسببت هذه الألغام بإصابة أطفال ونساء وقتلت أطفالاً ونساء في مناطق مجاورة، كما قتلت علينا أكثر من 500 شاة، غير الإبل والدواب».

 

ويتابع بلكنته البدوية الواضحة: «صرنا محاصرين بسبب هذه الألغام، فنحن نسكن جبال وعرة لا تصلها السيارات، وننقل البضائع من الأسواق والماء من الوادي على ظهور الإبل والدواب، والتي تقتلها الألغام التي زرعها الحوثيون في الطرقات كلها».

 

وفي ظل غياب شبه تام للمنظمات المختصة بهذا الشأن سواء الحكومية منها أو غير الحكومية، وانشغال قوات الجيش بالمواجهات التي لا تزال تدور رحاها على مقربة من المنطقة، قرر «مبخوت» المساهمة في مهمة الدفاع عن الحياة، وانبرى يواجه الألغام بيديه العاريتين، دون امتلاك الخبرة اللازمة ولا المعدات المطلوبة لتنفيذ مثل هذا العمل الصعب.

 

بدأ «مبخوت» بالتعامل مع الألغام، يقول: «كنت أكتشف اللغم فأطلق النار عليه من بعيد حتى ينفجر، أو أقترب منه وألقي عليه الحجارة ثم أنبطح، حتى لا يصيبني أثناء الانفجار».

 

لكن مهارته تطورت، وأكسبته الأيام خبرة، يقول «كنت أتأمل الألغام وأفكر فيها كثيرا، حتى توصلت لطريقة عملها، وصرت أجيد تفكيكها دون أن أحتاج لتفجيرها».

 

ويزرع المسلحون الحوثيون ألغاما ذات أشكال وأحجام مختلفة وفق ما يرويه «مبخوت»، من بينها «ألغام تشبه الصخور وأخرى داخل قوارير المشروبات الغازية وعلب العصير الفارغة. وهي في الغالب ألغام فردية تهدد حياة أطفالنا ونسائنا».

 

تعرض «مبخوت» -خلال رحلة عمله-للإصابة مرتين، كلفته إحداهما خسارة عينه اليمنى، وإصابته بشظايا في ساقه اليسرى، لا زال يعاني منها الى اليوم، لكنه يؤكد على الاستمرار فيقول: «بدأت بهذا العمل من نفسي، لم أنتظر للدولة ولا لغيرها حتى انتزعت الكثير، وإن شاء الله سأستمر حتى أطهر بقية المنطقة».

 

إلى جوار استخراجه للألغام يعمل «مبخوت» كخبير لدى أهالي المنطقة حيث يدلهم على الطرق الأكثر أماناً ليسلكوها، ويرشدهم الى وسائل الوقاية من خطر الألغام، الأمر الذي أحاله إلى بطل في نظر الأهالي، وعندما سألت عنه أحد الأطفال قال: «الشيخ مبخوت بطل، يبعد الألغام بيديه، با تقتلنا الألغام لولا الشيخ مبخوت».

 

يمارس «الحاج مبخوت» هوايته في صيد الألغام منذ عودته الى منزله بعد سيطرة القوات الحكومية على المنطقة مطلع العام 2016م، وقد تمكن من اصطياد ما يزيد عن 250 لغما وعبوة.

 

ويؤكد «من جزء من جبال يام فقط»، فيما لا تزال أجزاء أخرى من السلسلة الجبلية الممتدة مليئة بالألغام التي زرعت بطريقة عشوائية، وباتت تشكل تهديدا لأهالي المنطقة حاضرا ومستقبلا.

 

وفي حديث لـ«المصدر أونلاين» أفاد مصدر عسكري في المنطقة العسكرية السابعة، وهي المنطقة التي تخوض المعارك شرق صنعاء، أن الفرق الهندسية التابعة للمنطقة انتزعت «11.773» أحد عشر ألفا وسبعمائة وثلاثة وسبعين لغما وعبوة ناسفة منذ معركة تحرير معسكر الفرضة أواخر 2015م.

 

وتشير الإحصاءات الأولية إلى أن المسلحين الحوثيين زرعوا منذ مارس 2015م، نحو مليون لغم في أنحاء متفرقة من اليمن، راح ضحيتها حتى مارس 2018، نحو 1200 قتيل و2300 مصاب جلهم من المدنيين، وفقا لتصريح لوزير الخارجية خالد اليماني أواخر يونيو الماضي.

 

وكشف تقرير نشره «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط» في يوليو الماضي، أن «الحوثيين يعمدون الى زراعة الألغام بمعدل مرتفع جدا»، لكن وحسب شهادات ميدانية فإن ما زرعوه في جبهة نهم أكثر كثافة من غيرها من الجبهات، وذلك بسبب الأهمية الاستراتيجية للجبهة القريبة من العاصمة صنعاء.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص