أهم الأخبار

مجزرة الكرامة.. ثمان سنوات من العدالة الغائبة

2019-03-19 الساعة 06:20م (يمن سكاي - المصدر اونلاين)

قبل ثمان سنوات وتحديداً في 18 مارس/آذار 2011، كانت الثورة الشبابية اليمنية، على موعد مع مجزرة مروعة، سقط فيها 52 شهيداً من المتظاهرين، وهم يحاولون اجتياز حاجز اسمنتي وضعته قوات الأمن التابعة لسلطة صالح على الطرف الجنوبي لساحة التغيير بالقرب من جامعة صنعاء.

 

كانت بركة الدماء في أحد الشوارع المؤدية إلى جامعة صنعاء، المشهد الأكثر تأثيراً في الوجدان اليمني، والذي كان له التأثير الأكبر في خلخلة نظام صالح، وانشقاق الكثير من قياداته العسكرية والسياسية والدبلوماسية.
تأتي الذكرى الثامنة لمجزرة جمعة الكرامة، بعد عام وثلاثة أشهر وأربعة أيام على مقتل المتهم الأول في الجريمة، رئيس النظام السابق علي عبدالله صالح.

 

ثمان سنوات والقتلة يمرحون

 

اليوم، وبعد ثمان سنوات من تلك الجريمة، لا تزال الأيادي التي تلطخت بدماء شباب الثورة وهم ينشدون الحرية والديمقراطية، بعيدةً عن يد العدالة التي أغتالها بعد ذلك انقلاب المليشيات الحوثية فضاعت الجريمة والمجزرة بين عشرات المجازر التي تُرتكب يومياً بحق أبناء الشعب اليمني منذ خمس سنوات.

 

تمكن حينها شباب الثورة من اجتياز الحاجز الإسمنتي، واقتحام منزل لمحافظ المحويت -حينها استخدمه القتلة لقنص شباب الثورة- وتمكن المحتجون من اعتقال 19 شخصاً وفق ما نشرت صحيفة الثورة الصادرة في الساحة.

 

اعترف الجناة بمعلومات في منتهى الخطورة، عدد منهم  مستأجرون من أحياء مختلفة في العاصمة صنعاء، وأكثرهم  يتوزعون في انتماءاتهم بين الحرس الخاص "اللواء ألأول" وقوات الأمن المركزي وكلتاهما يقودهما نجلا شقيق الرئيس السابق صالح.

 

لم يكن المخطط الوحيد فصالح كان عازماً على اقتحام الساحة والترتيبات الأمنية جارية في شارع الميثاق وشارع الزراعة والتمركز في بيوت على الشارعين استعداداً لشن هجوم من اتجاهات شوارع، العدل والحرية والزراعة، على المعتصمين.

 

ذكر الجناة المقبوض عليهم، أسماء عدد من زملائهم الهاربين وكذلك المبالغ التي يستلمها البلاطجة وعن الشخصيات التي تقوم بالإشراف على هذه العمليات من المسئولين المباشرين في المديريات والحارات والمسئولين غير المباشرين سواءً في الاستخبارات أو الأمن المركزي.

 

بعد غروب شمس ذلك اليوم، ظهر صالح ليعلن حزنه على تلك الدماء، ويعلن حالة الطوارئ، محملاً الثوار وسكان الأحياء المسؤولية عن سقوط القتلى، وأن نظامه لم يكن مسؤولاً عن المجزرة.
كانت الأحداث المزلزلة تتوالى على نظام صالح فاستقالة الكثير من قيادات الجيش والمسؤولين بحزبه قد توالت من اليمن ومن عواصم أخرى.

 

أعلن صالح تشكيل لجنة تحقيق في الجريمة برئاسه النائب العام الدكتور عبدالله العلفي، والذي باشر نزوله إلى ساحة التغيير والمستشفى الميداني وتسلمت النيابة الجناة المقبوض عليهم من الفرقة الأولى مدرع.
أشارت اصابع الإتهام إلى صالح ونجل أخيه يحيى محمد عبدالله صالح أركان الأمن المركزي، ووكيل الأمن القومي عمار صالح وقائد الحراسة الخاصة طارق صالح.

 

بعد قرابة الشهر والأسبوع، أقال صالح، النائب العام عبد الله العُلفي من منصبه في 28 أبريل/نيسان 2011، كان العلفي قد طالب القوات الأمنية بحماية المتظاهرين، وانتقد حالة الطوارئ، وأمر باستمرار حبس المشتبه بهم الـ14 جميعاً على ذمة التحقيق –أفرج عن 5 من المشتبه بهم بطريقة مريبة- وحسبما ورد في مقابلة أجراها مع صحيفة إقليمية، حينها، هدد بالإستقالة إذا لم يتم اعتقال أهم المشتبه بهم، ومنهم مسؤولين حكوميين كبار.

 

بدأت محاكمة الجناة  في المجزرة يوم 29 سبتمبر/أيلول 2012، قدم القاضي علي سعيد الصامت، كبير ممثلي الادعاء في القضية، لائحة الاتهام التي تضم 78 متهماً إلى محكمة الجنايات الإبتدائية بمنطقة غرب العاصمة. ورد في اللائحة أن ثلاثين متهماً ـ بمن فيهم كافة المتهمين الرئيسيين تقريباً ـ قد تم إطلاق سراحهم، وفق منظمة هيومن رايتس ووتش.

 

زعم محامو المتهمين والضحايا أن النيابة وجهت الإتهام إلى المشتبه بهم بشكل تعسفي تقريباً، للتعمية على غياب المتهمين الرئيسيين، ظل 30 على الأقل من المتهمين طليقين، بمن فيهم المتهمين الرئيسيين ـ عقيد وشقيقه كانا يشغلان وقتها منصبين أمنيين رفيعين. يزعم محامو المتهمين والضحايا على حد سواء أن السلطات لم تبذل جهدًا جدياً للعثور على المشتبه بهم.

 

أفرجت المحكمة فوراُ عن 34 من المشتبه بهم لنقص الأدلة. ويبدو أن الكثيرين من هؤلاء المتهمين الـ34 قد لجأوا للاختباء، حيث لم يمثل أمام المحكمة في إحدى الجلسات في سبتمبر/أيلول سوى سبعة متهمين.

أسقطت لائحة الاتهام التهمة عن 59 من المشتبه بهم، بمن فيهم محافظ محويت أحمد علي محسن الأحول، ولم يُتهم بالقتل العمد إلا 2 من بين الـ14 متهماً الذين احتجزوا على ذمة التحقيق.

 

أشارت هيومن رايتس ووتش، في تقريرها إلى تورط عائلة صالح في المجزرة، حيث وقفت قوات الأمن المركزي، التي كانت مسلحة بالعصي ومدفع مائي فقط، وقفت تتفرج بينما كان بعض المسلحين الذين يعملون لحساب عائلة صالح ظاهرين للعيان، حسب المقاطع المصورة وشهادة الشهود أمام السلطات، والمقابلات التي أجرتها هيومن رايتس ووتش. انسحب بعض المسلحين عبر طابور لقوات الأمن المركزي دون أن يستوقفهم أحد، كما قال اثنان من الشهود لـ هيومن رايتس ووتش.

 

يحيى صالح، رئيس أركان قوات الأمن المركزي وابن شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، قال لـ هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار 2012 إنه "لم يكن هناك فشل" من جانب قواته. وقال إنه أرسل القوات على الفور لكنها لم تكن تملك سوى العصي وكان المسلحون يفوقونها تسليحاً.

 

ويقول حقوقيون إن النائب العام الذي عينه صالح خلفاً للعلفي، علي الأعوش (لا يزال في منصبه حتى اليوم ) مسؤول بشكل مباشر عن تمييع القضية وإفلات القتلة من العقاب، حيث قدم الأعوش عريضة اتهام خالية من اتهام علي صالح من جريمة جمعه الكرامة، وبعد جهود المحامين واستجابة المحكمة لطلب التصدي، بإدخال علي صالح وأركان حكمة والتحقيق معهم، قدم طعناً أمام محكمة الاستئناف في سابقة هي الأولى من نوعها وفق رئيس منظمة سام للحقوق والحريات في جنيف.

 

ومع تدخل السعودية ودول الخليج وتوسطها بين نظام صالح واحزاب المشترك (تكتل المعارضة)، كان رئيس النظام متنبهاً لجسامة ما ارتكبت قواته ومقربوه من جريمة، وأن القانون سيلاحقه بعد انتهاء نظامه، فكان اشتراطه الحصول على الحصانة وكل أركان دولته، تعقيداً أخر أعاق تحقيق العدالة إضافة إلى وضع المؤسسة القضائية التابعة بشكل مخل للنظام ورأس السلطة.

 

وفي 27 أبريل/نيسان 2013، أثمرت جهود محامي الضحايا في استصدار أمر من محكمة غرب الأمانة، بالتحقيق مع صالح وغيره من كبار المسؤولين السابقين ـ بمن فيهم ابني أخيه يحيى صالح وطارق صالح، ومنذ ذلك الحين، تاهت القضية وأفلت منفذوها من العدالة بكل بساطة بتواطؤ من الرئاسة اليمنية والحكومة التي شاركت فيها الأحزاب المؤيدة للثورة بنصف المقاعد.

 

في سبتمبر/أيلول 2013 أمر الرئيس عبد ربه منصور هادي بتشكيل لجنة مستقلة وغير منحازة لتقصي الحقائق، لكي تحقق في انتهاكات حقوق الإنسان التي شهدتها انتفاضة عام 2011، بما في ذلك هجوم جمعة الكرامة، وبعد أسابيع تم تعليق التحقيقات إلى أجل غير مسمى، ليستمر القتلة طلقاء يعيشون في سعادة، وتعيش عشرات الأسر حتى يومنا هذا جحيم الانتظار للعدالة الغائبة.

 

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص