2020-03-29 الساعة 10:34م (يمن سكاي - المصدر اونلاين)
تقضي "سمية ناجي النعيمي" معظم نهارها في رعي الأغنام وجمع الحطب في جبال "بني فرج" بمديرية نهم شرق العاصمة صنعاء، حيث ابتعدت المواجهات بين الجيش وميليشيا الحوثي عن منطقتها ما يعني مساحات أوسع للرعي وجمع الحطب، لكنها لم تكن تدري أن موتاً كامناً تحت التراب يترصدها وينتظر مرورها.
وبينما كانت تردد أهازيج اعتادت كغيرها من الراعيات أن تتغلب بها على وقت الرعي الطويل، دخلت "سمية" التي تبلغ من العمر 35 عاما حقلاً للألغام التي زرعتها ميليشيا الحوثي في الجبل، داسَت على أحد الألغام لينفجر بها ويلقيها غارقة في دمائها.
مصدر محلي يروي لـ"المصدر أونلاين" القصة يقول: "سمع زوجها صوت الانفجار المدوي في منطقة لم تعد الحرب حاضرة فيها، فانطلق لتفقد زوجته التي رآها تصارع الموت، وما إن اقترب منها مسرعا حتى كان أحد الألغام أقرب إليه منها، لينفجر به هو الآخر ويلقيه مضرجاً بدمه ومثخناً بجراحات لن يبرأ منها".
ووفقاً للمصدر، أسعفت سمية وزوجها إلى أحد مشافي مدينة صنعاء، لكنها فارقت الحياة بعد ساعات، وتركت زوجاً معاقاً، تسبب انفجار اللغم ببتر إحدى قدميه وإصابته بجروح عديدة، وثلاث بنات وولد سيواجهون قسوة اليتم ومرارة الحياة، ويشكون قاتلاً يترصدهم وغيرهم دونما رحمة.
أسكت اللغم تلك الأهازيج وأسدل الستار على حياة سمية، إلا أنها وزوجها ليسا الضحيتين الوحيدين للألغام الحوثية كما يقول سكان للمصدر أونلاين، فقد توقفت المواجهات في أغلب مناطق مديرية نهم لكن الموت لم يتوقف عن حصد أرواح المدنيين ومواشيهم نتيجة لحقول الألغام التي تمتد في المواقع التي كانت تتمترس فيها ميليشيا الحوثي في مواجهتها مع قوات الحكومة الشرعية وكذلك في مناطق أخرى بعيدة عن المواجهات زرعتها الميليشيا بالألغام كإجراء احترازي لاحتمالية تقدم الجيش في تلك المناطق.
شخصان آخران من منطقة "بني فرج" أيضاً، كان أحدهما يمشي في الجبل حين وقعت قدمه على أحد الألغام، الذي أفقده إحدى ساقيه ويده وألقاه أرضاً، بينما انفجر لغم بصديقه الآخر فأفقده ساقيه وأصابه بجروح مختلفة في جسده.
"وادي محلي" كان على موعد مع مجزرة أخرى من ضحايا الألغام الحوثية، بعد أن صعد ثمانية من أبناء المنطقة إلى "جبل القتب" و"كيال الرباح" ودخلوا في أحد حقول الألغام التي خلفها المقاتلون الحوثيون، فانفجر لغم بأحدهم وحاول الآخرون النجاة لكنهم كانوا قد توغلوا أكثر في حقل الألغام، لتتوالى الانفجارات وتودي بحياة سبعة منهم وإصابة الثامن وفقا للمصادر.
وفي ذات الجبل، انفجر لغم حوثي بأربعة آخرين مات منهم ثلاثة هم "عدنان سعيد حليف" و"غمدان يحيى حليف" و"بشار صالح حليف" وجرح الشخص الرابع وبترت قدم أحد الذين قدموا لإسعافهم واسمه "سام أحسن علي الحاج" بحسب مصادر محلية.
لم يقتصر ضحايا الألغام الحوثية على منطقة محددة فقد امتدت حوادث الانفجارات وسقوط الضحايا بامتداد المناطق المزروعة بالألغام، ففي جبال "يام" التي تقع شمال الخط الإسفلتي ومعسكر فرضة نهم، أفاد سكان محليون "المصدر أونلاين" بانفجار أحد الألغام بالمواطن "علي صالح علي أبو لوح" وهو راعي أغنام يبلغ من العمر 45 عاماً، من أبناء قبيلة "الحنشات"، حيث بقي ينزف حتى فارق الحياة، وظل أهله يبحثون عنه لمدة 3 أيام، ليجدوه جثة ملقية في شِعب "زهراء الجبل" وقد فارق الحياة، بعد أن ظل ينزف دون أن يسعفه أحد.
مواطنون آخرون فقدوا مواشيهم في العديد من المواقع التي ظنوها آمنة بعد أن ابتعدت عنها المواجهات ليجدوا أن الموت مازال لهم ولمواشيهم بالمرصاد ما يجعل الحياة الطبيعية والتنقل الآمن أمراً بعيد المنال في ظل أخطار محدقة وتجاهل كامل من قبل مليشيا الحوثي التي لم تكلف نفسها عناء تفكيك حقول الألغام وإخلاء المناطق التي أصبحت تسيطر عليها.
يقول المواطن (ع.م.ص) بعد أن أصبحت مناطقنا خالية من المواجهات والحرب حاولنا أن نمارس حياتنا الطبيعية في التنقل والرعي إلا أن الألغام المزروعة في الجبال والشعاب أحالت حياتنا إلى رعب وجعلت كل خطوة نخطوها محفوفة بالخطر وكل يوم نفقد بعض أهلنا أو مواشينا حتى أصبح الكل يخشى المشي ويجد صعوبة في رعي أغنامه التي يضطر لملاحقتها في الجبال المفتوحة.
تشكل تلك الألغام المزروعة في مناطق متفرقة من مديرية نهم خطراً، سيطول مداه، يذهب ضحيته مدنيون آمنون يترصدهم الموت ويحدق بهم الخطر؛ فقرابة خمسة عشر قتيل وتسعة جرحى أغلبهم معاقون خلال أقل من شهر بعيداً عن الفرق الهندسية والمنظمات الدولية والتناول الإعلامي هو عدد يستحق الوقوف معه والضغط على المليشيات الحوثية لنزع تلك الألغام وإزاحة ذلك الكابوس الذي يتهدد حياة المواطنين ويحيل حياتهم إلى خوف دائم.