أهم الأخبار

أزمة الغاز في مناطق سيطرة الحوثيين.. فساد اقتصادي وطبقية مقيتة

2021-11-30 الساعة 07:34م (يمن سكاي - )

يعاني اليمني من حروب مركبة، قد لا يكون أسوأها حرب السلاح التقليدية؛ فحرب المتاجرة بالأزمات تبدو أكثر ضراوة وشراسة، وهي مستمرة بلا هوادة ضد المواطن المسحوق الذي وجد نفسه وحيداً دون أي سند في دوامة صراع مع الحياة تفوق طاقته وقدرته.

 

البحث عن "أسطوانة غاز" وارتفاع سعرها في مناطق سيطرة الحوثيين واحدة من أبرز صور معاناة المواطن اليمني اليومية، للحد الذي أصبحت فيه الكثير من الأسر اليمنية في مناطق حكم المليشيا خارج حدود القدرة على شراء الغاز المنزلي وتوفير ثمن أسطوانة الغاز في ظل انعدام الدخل وشظف العيش.

 

وباتت هذه الأسر المعدمة تستخدم الفحم أو الخشب أو الكرتون الذي يتم تجميعه أو بقايا مخلفات الحطب المستخدم في الأفران لتطهو الطعام، ولم يعد خارج المألوف أن ترى هذه الفئة في الشارع تجمع ما تجده من الحطب أو أمام المخابز لتجمع الفحم لتستخدمه كوقود للطهي مرة أخرى، أو تقطع الأشجار في الأماكن العامة لتوفير الحطب.

 

 

طرق حوثية لتوزيع الغاز:

قد يوحي هذا العنوان للوهلة الأولى أن المواطن يمتلك خيارات متعددة للحصول على الغاز، لكن ذلك ليس صحيحا، فهذه الطرق الأربعة في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي تعبر عن "عقلية فاسدة" إذ "تقسم المستهلك وفق معيار طبقي لامتصاص أكبر قدر من الموارد المالية، وفق أسعار تتجاوز قدرة المواطن العادي".

 

من الطرق الأربع هذه للحصول على الغاز المنزلي، يتم فيها صرف الأسطوانات عبر عاقل الحارة، وتقتضي هذه الطريقة التسجيل في كشف العاقل، وإجراءات متابعة مملة تبدأ من إثبات وجودك وأسرتك في المربع السكني، وإدراجك في الكشف، مرورا بصرف كرت مخصص لصرف أسطوانة الغاز، وانتظار يوم تسليم الأسطوانة فارغة عند التجميع ثم يوم إعادتها إلى الحارة مرة أخرى ثم الاستلام، وهكذا تحتاج إلى أسبوع كامل في متابعة أسطوانة غاز، ويصل سعر أسطوانة الغاز بحسب هذه الطريقة إلى (4600) ريال.

 

أما الطرق الأخرى فهي الغاز الذي يوفر للمطاعم، وتتم أيضا عبر إجراءات طويلة للحصول على حصة لا تكفي غالباً وتبلغ تكلفة الأسطوانة بالنسبة لهم 6800 ريال، وطريقة الغاز المخصص للسيارات، وتتم عبر محطات معينة تقوم بصرف الغاز على فترات متقطعة وغير منتظمة وفق كشوفات محطات تتغير من فترة لأخرى، ويصل سعر أسطوانة الغاز ( 20لتر) في هذه المحطات إلى (7400) ريال.

 

أما الطريقة الأخيرة، وهي الطريقة الأكثر نشاطا ووفرة، فهي السوق السوداء التي عملت الميليشيا على تسهيل الحصول على المشتقات النفطية والغاز عبرها ويتراوح سعر الاسطوانة فيها بين (11000 – 12000) ريال في الظروف العادية، ويمكن أن يتجاوز ذلك بكثير في ظل ظروف شحة المعروض من الغاز في هذه السوق.

 

هذه الطرق بحسب مراقبين للوضع الاقتصادي، أدت إلى نتائج اقتصادية كارثية على المواطن، كونه المستفيد النهائي من هذه الخدمة سواء كان للاستخدام المنزلي أو في المحلات للعمل أو في وسائل المواصلات العامة والخاصة، إذ صعدت الميليشيا من سعرها متحججة بظروف الصراع وما تسميه "العدوان"، من 1200 ريال الى هذه المبالغ الكبيرة.

 

 

صور معاناة لا تنتهي

يقول (حسين) وهو مواطن يقف في طابور طويل أمام محطة الغاز في منطقته: أنا أقف في هذا الطابور على أمل الحصول على أسطوانة غاز إضافية، لأن الأسطوانة التي تصرف عبر عاقل الحارة لا تكفيني أنا وأسرتي لما يقرب من شهر وأحيانا أكثر من شهر، وسعرها هنا مرتفع يصل إلى (7400) ريال، وقد حصلت على كرت من عاقل حارتي ليتم الصرف هنا في المحطة عبر كشف وبالبطاقة الشخصية، وهذه أول مرة نعبئ فيها غاز من المحطة عبر العاقل منذ ستة أشهر تقريبا.

 

أما (محمد) مالك مطعم فيقول: ما يصرف لنا من حصة الغاز في الشهر ولمرة واحدة هي (9) أسطوانات لا تكفي، فأنا أستهلك اسطوانتين من الغاز في اليوم، بمعنى أني أستهلك (60) أسطوانة في الشهر الواحد، لذلك ليس أمامي خيار سوى أن أشتري غاز من السوق السوداء بسعر (12000) ريال للأسطوانة وأحيانا بسعر أعلى من ذلك. بينما يؤكد (عصام) وهو صاحب كافتيريا أن مشكلة الغاز مشكلة كبيرة لنا، والأزمة شديدة، وما يصرف لنا هو (5) أسطوانات من الغاز في الأسبوع عبر نقابة المطاعم في حين نستهلك (3) أسطوانات غاز يوميا لذلك أغطي العجز من السوق السوداء مضطرا بسعر (13000) ريال حتى لا يتوقف عملي.

 

ومثله يقول (خالد) وهو يدير أحد المطاعم، مضيفاً: مشكلة النقابة أنها لا توفر لنا أسطوانات الغاز الكافية على الرغم من أنه غاز مستورد من الخارج وليس محلي ويباع بسعر مرتفع، ولكن مع ذلك يصرف لي (4) أسطوانات غاز في الأسبوع وبصورة غير منتظمة أحيانا وبمبلغ (6800) ريال للأسطوانة الواحدة إضافة إلى ما يتحصل عليه مندوبو التوزيع للغاز الخاص بالمطاعم، بينما استهلاكي من الغاز يعادل أسطوانتين في اليوم، بمعنى أن ما يصرف لي لأسبوع لا يغطي إلا يومين فقط والباقي كله من السوق السوداء التي يتوفر فها الغاز بسعره المرتفع في أي وقت.

 

أما (عبد الله) سائق باص أجرة فيقول وهو يدفع باصه الصغير بيديه ضمن طابور طويل من السيارات: نضطر للانتظار في هذا الطابور لساعات طويلة وربما لأكثر من يوم تظل سياراتنا واقفة في مكانها حتى نتمكن من تعبئة خزان السيارة بالغاز وبسعر (7400) ريال لكل عشرين لتر، ويتم هذا حسب جداول محطات تعبئة الغاز التي تنزلها شركة الغاز بين فترة وأخرى، والمشكلة أنها غير ثابتة ولا تكفي احتياجنا ورغم أن سعرها أفضل بكثير من سعر الغاز في السوق السوداء إلا أنها تستهلك منا كثيرا من الوقت الذي لا نتمكن فيه من العمل بسبب الانتظار الطويل، ولا نعرف متى ستنتهي هذه المعاناة.

 

أفران الغاز.. إهمال متعمد

على الرغم من الحاجة الماسة للغاز من قبل مالكي أفران إنتاج الخبز، ورغم ضرورة توفير الغاز لهم كونهم يوفرون الخبز الضروري للمواطن، فإن هؤلاء يشكون أيضا من الإهمال، فهم محرومون تماما من الحصول عليه، عدا من السوق السوداء الأعلى سعرا، وعلى الرغم أيضا من محاولات ملاك المخابز الضغط عبر نقابتهم لمعاملتهم كما يتم التعامل مع نقابة ملاك المطاعم، إلا أنه لم يستجب لمطالبهم.

 

يقول (محمد) مالك أحد المخابز: نحن نستخدم الحطب في إنتاجنا للخبز، ولا نستخدم الغاز لأنه غير متوفر، وإذا توفر فهو مكلف جدا بالنسبة لنا، فاستهلاك الفرن للغاز كثير، ولك أن تقدر إذا كنت سأستهلك ثلاث أسطوانات غاز في اليوم بسعر (7000) ريال على افتراض توفيره لنا كحصة مثل أصحاب المطاعم، فهذا يعني أنني أحتاج لمبلغ (21000) ريال في اليوم، وهذا لا أقدر على تحمله نظرا لدخلي المحدود بينما صاحب المطعم يستهلك غاز أقل ولديه مردود يغطي قيمة استهلاك الغاز، لذلك أفضل استخدام الحطب، وإن كان سعره في ارتفاع أيضا حيث يتراوح سعر شاحنة الحطب بين (250- 300) ألف ريال، لكنه ما يزال يمثل خياراً أفضل، يضيف: ماذا نفعل؟ هل نتوقف عن العمل ونموت جوعا؟

 

وجهة نظر مقابلة:

يبرر مندوبو الغاز في الحارات ومحطات تعبئة الغاز الأزمة بقلة المعروض من الغاز سواء من الغاز المحلي الذي يأتي من محافظة مأرب، أو الغاز المستورد من الخارج، فاشتعال المواجهات في مأرب، وقلة الانتاج بالنسبة للغاز المحلي، هي السبب في ذلك، إضافة إلى منع السفن الناقلة من تفريغ حمولاتها من الغاز المستورد من قبل التحالف، وإن كان كل ذلك وجيهاً، لكنه ليس كل الحكاية، بحسب خبراء. .

 

فمن جهة تبدو هذه التبريرات غير مقنعة وخصوصا أن الغاز المستورد يتم الاعلان من آن لآخر وعبر الموقع الرسمي لشركة الغاز اليمنية عن وصول ناقلات تحمل آلاف الأطنان منه، والغاز عموما متوفر في السوق السوداء بلا انقطاع.. فلماذا إذا تحدث الأزمة؟

 

يقول (أحمد) وهو مندوب توزيع يعمل لدى الشركة اليمنية للغاز: "الغاز التجاري متوفر، ويمكن أن يغطي السوق لشهور طويلة، ولكن مع ذلك لابد من وجود أزمة، وهناك استرزاق كبير في هذا الملف"، ويثير سؤالا مهما، كيف استطاعت الجهات المعنية لدى الميليشيا توفير مادتي البترول والديزل المستورد مؤخرا في كل محطات الوقود في العاصمة صنعاء والمدن الأخرى بالسعر الجديد (11200 ريال للبترول، 11400 للديزل)، بينما عجزت عن توفير مادة الغاز المستورد أيضا في هذه المحطات وبسعر ثابت وموحد للمستهلك كما فعلت بالنسبة للبترول والديزل؟ الأمر الذي يكشف عن ملف فساد كبير وممنهج بالنسبة لمادة الغاز وخصوصا الغاز المنزلي الذي أضر بحياة المواطن على كل المستويات.

 

فساد مزمن

تتعدد صور الفساد والانتفاع غير المشروع في ملف الغاز في زمن المليشيا النهمة، التي لا تكتفي من إيقاع الوجع بالمواطن، والتي شكلت طابورا طويلا من المحسوبين والمنتفعين والمتاجرين بمادة الغاز، ابتداء من شبكة عقال الحارات، ومندوبي التوزيع، ومندوبي شركة الغاز، والمشرفين على المناطق السكنية والأسواق، وغيرها، أنتجت هذه المحسوبية سوقا سوداء للغاز في قلب المدن وتحت سمع وبصر هذه السلطة، وربما دعم هذه السوق غير المشروعة في شبكة مصالح مترابطة بين هذه الفئات وبلا رحمة.

 

يقول (علي) بائع غاز في السوق السوداء: سعر أسطوانة الغاز لدينا (11500) ريال، ونحصل على الغاز من عقال الحارات الذين يحصلون عليه بطريقتهم الخاصة، وهم يبيعون لنا بسعر مرتفع يتراوح بين (9000 – 10000) ريال للأسطوانة أقل من (20) لتر في العادة، ويقولون لنا إذا كنتم تريدون بهذا السعر وإلا سنبيعها لأصحاب المطاعم، فنشتري غالي ونبيع بهذا السعر المرتفع.

 

هذه المتاجرة تكشف عن شبكة توزيع ضخمة لديها القدرة على توفير كميات كبيرة من الغاز لإنعاش السوق السوداء بصورة مستمرة، إضافة إلى استئثار فئات معينة بحصص تفوق حاجتها من الغاز كعقال الحارات والمندوبين الذين لديهم عدد أكبر من أسطوانات الغاز، وما يكرس مظهر الطبقية في هذا الملف أكثر هو أن بعض موظفي حكومة الميليشيا في قطاعات معينة كوزارة النفط والغاز والشركات التابعة، لهم امتيازات خاصة من الغاز ضمن حصص أخرى تفوق حاجتهم الطبيعية في طبقية كريهة تزيد الفقير فقرا والغني استئثارا، ولا يمكن تبريرها وفقا لمعيار العدالة الاجتماعية والإنسانية ولا تحمي الفئات الاجتماعية الفقيرة والأولى بالرعاية.

 

ويظل ملف المعاناة من أزمة الغاز المستمرة يطرح تفسيرات قد تتجاوز فرضية المتاجرة بالأزمات اقتصاديا، إلى المتاجرة السياسية بهدف الإلهاء والإنهاك في ظل ظروف الصراع، ووضع المواطن في دوامة مستمرة من الأزمات المعيشية المتلاحقة، والتي تظل تلهيه عن الالتفات للقضايا العامة والمصيرية، وهنا يبرز السؤال: هل هذه الأزمة ناجمة عن أوضاع الصراع والحرب القائمة فعلاً.. أم هي سياسة ممنهجة ومتعمدة لتحقيق مآرب أخرى؟

*المصدر أونلاين 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص