بعد الإعلان عن المصادقة على الحكومة الإسرائيلية الجديدة في وقت متأخر من أول من أمس، دعا رئيسها بنيامين نتنياهو إلى عقد جلستها الأولى، للتأكيد على «نبذ الخلافات وخدمة مصالح إسرائيل الأمنية، والسعي للسلام، والسهر على احتياجات جميع المواطنين في إسرائيل». إلا أنه لم يتطرق إلى حل الدولتين، الذي تدعو إليه الأمم المتحدة والولايات المتحدة، والجامعة العربية، فضلا عن الاتحاد الأوروبي.
وخلال هذه الجلسة الأولية قال نتنياهو إنّ «إسرائيل ستستمر في بذل جهودها لتعزيز التوصّل إلى تسوية سياسية، مع الحفاظ على مصالحها الحيوية لأمن مواطني إسرائيل»، مشددا على أنّ حكومته «ستحاول استغلال فرصة التطوّرات الإقليمية والتقرب من الدول المعتدلة في المنطقة».
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد حصلت على مصادقة الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) بأكثرية ضئيلة (59) بعد مخاض عسير، حيث واجهت خطرا حقيقيا بالفشل. فقد كان من المقرر أن يلتئم الكنيست للمصادقة على الحكومة الجديدة في الساعة السابعة من مساء أول من أمس، كجلسة احتفالية يتم فيها أداء القسم ويحضرها رئيس الدولة وقرينته وأفراد عائلات الوزراء. لكن مع اقتراب الساعة السابعة مساء لم يكن نتنياهو قد أتم تشكيل حكومته بشكل نهائي، بعد أن هدد عدد من رفاقه بالامتناع عن منح صوتهم للحكومة. وكان يكفي أن ينفذ أحدهم تهديده حتى تسقط. وقد اضطر نتنياهو إلى طلب تأجيل جلسة الكنيست ثلاث ساعات حتى يواصل محاولاته لإقناع رفاقه الغاضبين.
وبينما وصف يتسحاق هيرتسوغ، رئيس المعسكر الصهيوني، الحكومة الحالية بأنها «حكومة سيرك بنيت على الكذب والأضاليل لأن الشركاء فيها تعاملوا بطريقة النشالين»، قدر عدد من الخبراء والمحللين أنها قد لا تصمد أكثر من سنة، إلا إذا نجح نتنياهو في إعادة حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان إليها، أو بضم هيرتسوغ، الذي أعلن بشكل حاسم، أمس، أنه غير معني بالعرض. وأضافوا أن إسرائيل لم تشهد في تاريخها حكومة عدوانية أو متطرفة مثل الحكومة الحالية. كما تنبأ عدد من السياسيين الإسرائيليين بحدوث صدامات مباشرة بين الحكومة الجديدة والمجتمع الدولي، خاصة بعد أن أطلق الرئيس الأميركي باراك أوباما الشرارة الأولى في هذا الاتجاه، حينما قال إنه «بسبب مواقف هذه الحكومة ستتعرقل مسيرة السلام». كما بدأ الحديث عن هجمة أوروبية منسقة مع واشنطن منذ الآن، في ظل اعتراف الفاتيكان بفلسطين. كما أن صبر بعض البلدان الأوروبية بدأ ينفد إزاء نتنياهو، لا سيما مع استمرار التوسع في الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة.
ومن الطرائف والمواقف المعبرة التي حدثت عندما تحدث نتنياهو عن سعيه للسلام داخل الكنيست، فانفجرت القاعة بالضحك، وحدث تلاسن بين أعضاء الكنيست العرب من القائمة المشتركة، وبين نواب اليمين، خصوصا بعد أن راح النواب العرب يسمعون تسجيلا لتصريحات نتنياهو عن «الخطر من تصويت المواطنين العرب (فلسطينيي 48)». فأمر رئيس الجلسة بطرد ثلاثة منهم، فانسحبوا جميعا من الجلسة محتجين. وبعد ساعات على نيل ثقة الحكومة، دعت واشنطن الحكومة اليمينية الجديدة إلى ضرورة التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين لأن ذلك يصب في صالح إسرائيل،
وتطرق الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى ضرورة التوصل إلى السلام، حيث قال للصحافيين في ختام قمة كامب ديفيد، التي عرفت مشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجي «ما زلت أؤمن أن حل الدولتين مهم للغاية، ليس فقط للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وإنما لأمن إسرائيل على المدى البعيد كدولة ديمقراطية ويهودية»، وتابع أوباما موضحا «أعلم أن الحكومة التي تشكلت تضم بعض الذين لا يؤمنون بالضرورة بهذه الفرضية، ولكنها تبقى فرضيتي».
وتضم الحكومة الجديدة متطرفين من المستوطنات، فضلا عن يهود متشددين ومعارضين لمبدأ الدولة الفلسطينية. ولذلك وصف صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، حكومة نتنياهو بأنها «حكومة حرب»، وقال إن نتنياهو «يتولى مهمة دفن حل الدولتين».
ويراقب المجتمع الدولي منذ الانتخابات التشريعية الإسرائيلية التي جرت في 17 مارس (آذار) الماضي ما ستؤول إليه الحكومة المقبلة، بعد أسابيع من المشاورات الصعبة، بينما يقول دبلوماسيون أوروبيون إن فرنسا قد تستأنف جهودها خلال الصيف من أجل الحصول على قرار من مجلس الأمن الدولي ينهي النزاع.
وتصر إسرائيل على أن الطريق الوحيد للتوصل إلى حل بين الطرفين هو المباحثات الثنائية المباشرة مع الفلسطينيين، رافضة تدخل الأمم المتحدة لتحديد مهلة زمنية لذلك.
وفي مواجهة التحديات الدبلوماسية المتزايدة، لم يعين نتنياهو وزيرا للخارجية، مفضلا أن يبقي الحقيبة لنفسه في الوقت الحالي. وعين تسيبي هوتوفلي، من الجناح اليميني المتطرف في حزبه الليكود، نائبة لوزير الخارجية، في خطوة اعتبرت صحيفة «واشنطن بوست» أنها لن تلقى ترحيبا حول العالم. وفي هذا الشأن كتب هيرب كينون مراسل الشؤون الخارجية في الصحيفة «لا يمكننا سوى أن نتخيل البرقيات الدبلوماسية المرسلة من (سفارات) الولايات المتحدة ونيوزيلندا وبريطانيا وإسبانيا إلى بلادهم حول الحكومة الجديدة: حكومة يمين متطرف، مع وزارة خارجية تديرها يوما بيوم هوتوفلي، المؤيدة لحل الدولة الواحدة.. والمقربة جدا من مجتمع المستوطنات».
وتابع كينون موضحا أكثر «بكلمات أخرى، تمثل هوتوفلي عكس ما تريد الغالبية في العالم، وبينها الرئيس الأميركي باراك أوباما، أن ترى في إسرائيل».
من جهتها حذرت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها من أنه على الحكومة الجديدة أن تتعامل سريعا مع القضايا الأساسية، وكتبت الصحيفة أنه «لا يمكن لإسرائيل أن تسمح لنفسها بتضييع المزيد من الوقت، وأن إنهاء الاحتلال والكفاح من أجل إثبات الطابع الديمقراطي للدولة يجب أن يكونا على رأس أجندة القيادة.. لكن حكومة نتنياهو الرابعة مجردة من الرؤية، ومن أي رسائل إيجابية جديدة. نتمنى ألا يطول ذلك كثيرا».
وبحصول حكومته على 61 صوتا في البرلمان يبقى نتنياهو ضعيفا، ليس فقط أمام معارضة قوية، وإنما أيضا أمام حلفائه السأخطين.
من جهة ثانية، قال مكتب فيدريكا موغيريني، مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، إنها ستسافر إلى الشرق الأوسط الأسبوع القادم للاجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بعدما شكل حكومة ائتلافية جديدة، ومع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وأضاف المكتب في بيان أمس إن موغيريني ستناقش خلال زيارتها يومي الأربعاء والخميس «العلاقات الثنائية، فضلا عن الاحتمالات الخاصة بعملية السلام في الشرق الأوسط». كما سيبحث وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قضايا المنطقة مع موغيريني خلال اجتماع اعتيادي في بروكسل بعد غد الاثنين.