2015-05-24 الساعة 03:41ص (يمن سكاي - متابعة خاصة)
يتحيّن الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، لحظة إعلان ما يشبه الجهاد العام في صفوف حزبه وجمهوره وطائفته. "الآن هو وقت التعبئة العامة، وقد نعلنها على كل الناس"، هو ما نقلته وسائل إعلامية محسوبة على الحزب، خلال احتفال داخلي نظّمه الحزب بمناسبة "يوم الجريح المقاوم". أطلّ نصرالله على المعنيين في هذه المناسبة، من جرحى وكوادر ومسؤولين، وتحدث عن الحرب التي يخوضها الحزب في سورية بصفتها "الحرب ضد التكفيريين". وقدّم الخطاب الداخلي والفعلي لحزب الله، والذي ليس فيه أي اعتبار للدولة أو القوانين أو المسؤولية المفروضة على كلام يمكن أن يصدر عن جهة سياسية بهذا الحجم.
ولم يوضح البيان الذي صدر عصر أمس عن "العلاقات الاعلامية" لحزب الله، سوى أن "بعض ما نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي وفي بعض الصحف عن كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مجتزأ وأُخرج عن السياق الطبيعي للخطاب"، من دون تحديد أي جزء تحديداً هو "المجتزأ" في الخطاب. ما تم تسريبه رأى كثيرون فيه نفساً مذهبياً غير مسبوق إذ عادة ما كان نصرالله يشدّد في خطاباته على "نبذ الفتنة السنية ــ الشيعية". عاد نصرالله هذه المرة إلى معركة صفين، إلى القرن السابع ميلادي أو عام 37 للهجرة، أي أولى معارك علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان. حمل نصرالله المعركة في سورية والمنطقة إلى أعلى قممها المذهبية، وطعّمها بنكهات الشرف والكرامة ليرفع حدّة التعبئة أو "استنهاض الهمم" بحسب ما قال. جاءت العبارة الآتية في هذا السياق: "هي معركة وجودية بكل معنى الكلمة، بل معركة عرض ودين".
وفي سياق حرب مماثلة، يبحث نصرالله عن بثّ الروح والثقة والإيمان في مقاتليه، وأشار إلى ذلك بشكل مباشر من خلال تأكيده على أنه في "المرحلة الجديدة لا مكان للإحباط بيننا، يجب أن تكون معنوياتنا مرتفعة وحالتنا النفسية قوية". باعتبار أنّ المعركة المقبلة تتطلب من الحزب ومناصريه كل شيء، بحيث "سنقاتل في كل مكان، بلا وجل ولا مستحى من أحد، سنقاتل بعيون مفتوحة، ومن لا يعجبه خيارنا فليفعل ما يراه مناسباً له". أي على المعنيين الانضمام إلى هذه الحرب، سنداً أو عدواً، أو فليجلسوا جانباً متفرّجين مع تشديد نصرالله على أن "كل من يثبط عزيمة الناس أو يتكلم غير هذا الكلام هو غبي وأعمى وخائن"، وهو كلام لا يرى فيه معارضو نصرالله إلا تهديداً مباشراً غير مسبوق.
لكن نصرالله خصّ الذين يخالفونه الرأي من الطائفة الشيعية بكلام خاص ووعود خاصة. "لن نهادن شيعة السفارة الأميركية"، أي الشيطان الأكبر الذي لا تزال المفاوضات الإيرانية جارية معه. هذا اتهام واضح بالعمالة والخيانة ألحقه نصرالله بعبارة "لن يستطيع أحد تغيير قناعاتنا، ولن نسكت بعد اليوم ولن نداري أحداً". وإذا كان السكوت يوازي حملات التخوين التي انطلقت عام 2012، فإنّ عدم المداراة يعني بشكل أو بآخر الانتقال إلى مرحلة الإجراءات التأديبية يمكن للحزب اتخاذها بحق من يسميهم "الخونة والمتآمرين". وأمام خطاب مماثل يمكن الآن تفسير ما سبق لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة (الكتلة النيابية لحزب الله)، النائب محمد رعد، أن قاله للأمين العام لتيار المستقبل قبل أيام بأنّ "حسابه بعدين" أي حسابه سيأتي لاحقاً.
في الخطاب التعبوي لنصرالله، أصبحت ما يسميها "المؤامرة على الحزب" كبيرة لكون "الخلاف السعودي والقطري والتركي انتهى، فانخرط الثلاثة في المعركة ضدنا". جمع نصرالله كل خصومه ووضعهم في سلّة واحدة: التكفيريين والخليجيين ومعارضيه في الداخل اللبناني، وبات يقود حرباً عامة ضد الجميع. هي حرب "لو استشهد فيها نصفنا وبقي النصف الآخر ليعيش بكرامة وعزة وشرف سيكون هذا الخيار هو الأفضل. بل في هذه المعركة، لو استشهد ثلاثة أرباعنا وبقي ربع بشرف وكرامة سيكون هذا أفضل".
في هذا الكلام، يرى كثيرون تمهيداً للخسائر التي ستقع في صفوف حزب الله، ومحاولة إقناع الجمهور بأنّ "الوضع يحتاج إلى تضحيات كبيرة لأن الهجمة كبيرة". هو قول فعلي لجمهور الحزب والطائفة أنّ الثمن سيكون باهظاً، وأنهم مضطرون إلى الموت ودفع هذا الثمن وإلا تحوّلوا إلى أغبياء أو عميان أو خونة.
طوال ثلاث سنوات من الحرب في سورية، ضجّت "بيئة حزب الله" على مواقع التواصل الاجتماعي وفي المجالس الاجتماعية بتهديدات مماثلة، وكان قيادة الحزب والمسؤولون فيها يخرجون من وقت لآخر لتهدئة هذا النفس وهذا الخطاب. لكن التسريب الإعلامي الحاصل على لسان نصرالله هذه المرة، أوضح أنّ ثمة مصدراً رسمياً في الحزب يضخّ مواقف ممثالة، ومن أعلى الهرم هذه المرة، ليبدو أنّ نصرالله تبنّى أخيراً خطاب جمهوره.
يحتفظ نصرالله لنفسه بمفاجآت خاصة بهذه الحرب، فـ"نحن نمتلك أوراق قوة لم نستخدمها في المواجهة بعد"، من دون أن يوضح في مواجهة أي عدو سيتم استخدامها، في الداخل أو في سورية أو في أراضي المحور الخصم. التحضيرات قائمة لإطلالة نصرالله العلنية بمناسبة تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي غداً في 25 مايو/أيار. فهل يستعيد نصرالله معركة صفين، أم أن ثمة من سيذكره بأنّ الأخيرة انتهت بالتحكيم بين الطرفين؟ مع الخطاب الأخير لنصرالله، بات كثيرون في لبنان يستذكرون ملامح تكوين الحزب في ثمانينات القرن الماضي.