أهم الأخبار

مشاريع ناشئة.. شبح الإفلاس يهدد مصادر الدخل لعشرات الأسر في تعز

2024-10-26 الساعة 08:44م (يمن سكاي - المصدر أونلاين | غدير الشرعبي)

من منزل قرب خطوط التماس شرق مدينة تعز، جنوبي غرب البلاد، تحاول "أم أيهم" (40 عاما) الاستمرار في صناعة مباخر "الكونكريك" وبيعها إلى جانب خلطات البخور ضمن مشروع ناشئ بدأته قبل سنوات لإعالة أطفالها الخمسة بعد أن فقد زوجها مصدر دخله الوحيد بسبب الحرب وباءت جميع محاولاته المتكررة في البحث عن فرصة عمل جديدة بالفشل.

 

تعد أنيسة محمد عبد الواحد "أم أيهم" واحدة من عشرات النساء اللاتي اتجهن لإنشاء مشاريعهن الصغيرة بإمكانات بسيطة للاستفادة من عوائد بيع المنتجات في تلبية الاحتياجات المعيشية لأسرهن، لكن شبح الإفلاس بات يهدد هذه المشاريع ما قد يتسبب في حرمان تلك الأسر من مصدر دخلها الوحيد.

 

ومع استمرار تدهور الأوضاع المعيشية في اليمن البلد الذي يشهد حربا مستمرة للعام العاشر تواليا، يواصل متوسط نصيب الفرد في التناقص تدريجيا، حيث تشير أحدث التقارير الأممية إلى أن نحو 6 ملايين يمني على بعد خطوة واحدة من المجاعة.

 

 

تؤكد "أم أيهم" التي قدمت من ريف تعز إلى المدينة رفقة أطفالها قبل عام أن الانهيار المستمر لقيمة العملة المحلية؛ ألقى بظلاله على مشروعها، حيث تجاوز سعر الدولار حاجز 2000 ريالا في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، ما تسبب في ارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة التي حجر الزاوية بالنسبة للمشاريع الصغيرة والناشئة.

 

وتضيف رائدة مشروع "الكونكريك" والبخور في حديثها لـ"المصدر أونلاين" أنها لمست تراجعا كبيرا في الإقبال على شراء منتجاتها بفعل تدهور الوضع المعيشي، وضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين، حيث باعت خلال الفترة ثلاث فقط من المباخر التي تصنعها من مركب بودرة يتم إضافة السائل "الإكريليكي" أو الماء إليه وصبه في قوالب جاهزة ليعطي شكلا نهائيا أشبه بالملمس الحجري.

 

 

عزوف عن الكماليات

 

ترى أم أيهم أن معظم السكان في مدينة تعز يواجهون صعوبة في توفير الاحتياجات الأساسية بفعل الغلاء الفاحش، وتدني الأجور، وقلة فرص العمل، الأمر الذي يدفعهم للعزوف عن اقتناء المنتجات التي يوفرها مشروعها والمشاريع المماثلة؛ على اعتبار أن هذه المنتجات أصبحت من "الكماليات".

 

وهو الأمر الذي تؤيده رائدة الأعمال لطفية محمد سيف (35 عاما)، حيث تشير إلى أن ضعف الإقبال أثر بشكل كبير على مشروعها "كوافير أم كريم"، بفعل انهيار قيمة العملة المحلية وتدني مستوى الدخل.

 

وأوضحت أم كريم في حديثها لـ"المصدر أونلاين" أن المشاريع الناشئة والصغيرة باتت تواجه صعوبات كبيرة في تسويق المنتجات وترغيب الناس في اقتنائها، مؤكدة أن "الوضع صعب مرة، الناس مش قادرين يوفروا الأساسيات لأسرهم فطبيعي إنهم يعتبروا هذي الأشياء كماليات".

 

وأضافت: "الله يعين أصحاب المشاريع والمواطن، لا احنا بأيدينا نخفض من سعر المنتجات ولا المواطن قادر يدفع مقابل المنتج بسبب الوضع اللي احنا فيه، يعني كلنا متضررين".

 

 

 

تذبذب الأسعار وفجوة الإقناع

 

تؤكد مالكة مشروع "كوافير أم أمجد" أنها تضطر إلى شراء المواد التي يتناسب ثمنها مع طالبي الخدمة، حيث تتفادى شراء المنتجات التي يرتفع سعرها بشكل ملحوظ مع تراجع قيمة العملة المحلية، وذلك حتى لا تقع في صدام مع الزبون لإقناعه بالسعر الجديد، حد وصفها.

 

وتقول لطفية محمد: "أحاول أتفادى شراء المنتجات الغالية عشان الموضوع صعب إنك تقنعي الزبائن بسعر مختلف كل مرة والسبب إنه المواد يرتفع سعرها علينا، وعشان كذا في شغلنا اللي أشوف إنه يعتمد على اليد أكثر من المواد نحاول نخفف من تأثيرات هذا الموضوع".

 

وتشير في حديثها لـ"المصدر أونلاين" إلى أن تذبذب الأسعار يجعل من الصعب على المشاريع الناشئة والصغيرة مواجهة الانهيار المستمرة للوضع المعيشي، وبالتالي يضيف من أعباء الأسر التي تعتمد على هذه المشاريع لتوفير متطلبات الحياة.

 

وتضيف لطفية محمد:" الصراحة نواجه مشكلة كبيرة بالأسعار لأنه إذا رفعنا السعر على الزبون ما نقدر نقنعه وإذا عملنا تخفيض إضافي تسببنا لأنفسنا بالخسارة فنحاول نوازن في شغلنا بين الأمرين".

 

 

 

تقليص المساعدات عبء إضافي

 

على الجانب الآخر يساور "أم أيهم" قلق إضافي بعد استثنائها من قائمة الأسر المستفيدة من المساعدات التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي إلى جانب آلاف الأسر إثر أزمة حادة في التمويل تواجهه المنظمات الإغاثية والإنسانية في اليمن، حيث تشير الأمم المتحدة في أحدث تقاريرها حول تدخلاتها الإنسانية في البلاد أن التمويل الذي تلقته حتى منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الجاري يمثل ما نسبته 46,4% فقط ما يترك فجوة تمويلية قدرها 1.45 مليار دولار.

 

وفي هذا السياق، تؤكد "أم أيهم" أنها باتت تواجه مشكلات إضافية لإعالة أطفالها كون المساعدات كانت تؤمن لأسرتها جزءً من الاحتياجات الأساسية، وهو ما يساعدها على مواجهة متطلبات المعيشة إلى جانب المردود المادي المتواضع من مشروعها الصغير.

 

وتضيف بنبرة حزينة: "كان باقي معانا الإغاثة ذلحين سقطوا أسماءنا مع ناس كثير، والوضع صعب ما حد يقدر يتحمل، إن شاء الله يعملوا حل لهذا الموضوع، كثير من الأسر مفيش معهم دخل ثابت وينتظروا صرف المساعدات بفارغ الصبر".

 

وفي وقت سابق، أفادت تقارير أن عدد الأسر المستثناة من مساعدات الغذاء العالمي بلغ 33 ألف في تعز وحدها، وهو ما يمثل 38% من حصة المحافظات المحررة، فيما أرجع مدير مكتب البرنامج بتعز السيد "شانرجي" ذلك إلى انخفاض التمويل من 4 مليارات إلى 700 مليون دولار، خلال اجتماع مع سلطات المحافظة لبحث تداعيات قرار التقليص.

 

 

ارتفاع تكلفة المواد

 

تواجه المشاريع الصغيرة والناشئة في مدينة تعز، مشكلات في التعامل مع الارتفاع المستمر لأسعار المواد الأساسية التي تقوم عليها تلك المشاريع، ما يجعل تجار الجملة يتعاملون مع هذه المشاريع بالنقد وليس الآجل كما كان سابقا خشية التعرض للخسارة بفعل الانهيار المستمر للعملة المحلية.

 

وبهذا الصدد، يقول ياسين عبدالعزيز ثابت وهو أحد تجار الجملة في مدينة تعز أن التذبذب المستمر لأسعار الصرف دفع التجار إلى اعتماد العملة الصعبة في حركة البيع والشراء من خلال تحديث قائمة أسعار السلع وفقا للصرف اليومي.

 

ويضيف تاجر الجملة في حديثه لـ"المصدر أونلاين" أن على المشاريع الناشئة اعتماد سعر ثابت لمنتجاتهم بالعملة الصعبة والبيع بما يقابلها بالعملة المحلية، لكنه في الوقت ذاته يستبعد أن تكون هذه الآلية فعالة في هذا الجانب كون تاجر التجزئة يواجه صعوبة في اقناع الزبون بالتغير المفاجئ لأسعار السلع ذات الكميات الصغيرة.

 

ويشير "ثابت" إلى أن التاجر يقوم بتوفير السلع التي يحتاجها الزبون، وعادة يتم ذلك بشكل مستمر، ولكن القدرة الشرائية تحكمها عوامل اقتصادية عليا، لذلك أصحاب المشاريع الصغيرة أو التاجر حلوله معدومة نوعا ما، وبالتالي فإن أهم ما قد يساعده على التغلب على ذلك هو البيع بأسعار ثابتة وهامش ربح زهيد ويستمر على ذلك حتى يتم ثبات الصرف .

 

ويوجه تاجر الجملة نصائح لرواد المشاريع الصغيرة والناشئة لتفادي الإفلاس بفعل الوضع الاقتصادي بأن عليهم "تقليل المصروفات والتقليل من عملية الشراء حتى يتم تثبيت سعر الصرف، وأيضا إيقاف البيع الآجل بشكل تام". كما يحثهم على التحلي بالصبر والتقشف بالميزانية التشغيلية والعمل على كسب عملاء جدد.

 

 

 

تعزيز ثقافة الدعم

 

تعتقد الناشطة مريم الشرعبي، وهي إحدى المناصرات للمشاريع النسائية، أن من واجب السلطات المحلية دعم المشاريع الناشئة والصغيرة، وتسهيل إجراءات منح التراخيص لرائدات الأعمال، كما تحث المواطنين إلى دعم المشاريع المحلية باعتبار ذلك دعما للاقتصاد الوطني وتحسين الوضع المعيشي للأسر.

 

كما ترى أنه يمكن لرائدات الأعمال الصغيرة التخفيف من تأثيرات تقلبات أسعار الصرف وارتفاع تكلفة المواد؛ من خلال توضيح هذه التغيرات الفجائية وتقديم قائمة شفافة بالتسعيرات، بالإضافة إلى تقديم شرح حول أسباب ارتفاع التكاليف، مع محاولة تقديم بدائل وخدمات إضافية لتعويض الزبون.

 

وتضيف الشرعبي في حديثها لـ"المصدر أونلاين" أن التأثيرات تشمل انخفاض المبيعات، وارتفاع تكاليف التشغيل، وصعوبة الوصول إلى المواد الخام. منوهة إلى أنه يمكن تجاوز الأزمة عبر تقليص النفقات غير الضرورية، تنويع مصادر الدخل، وزيادة التسويق الرقمي لتوسيع قاعدة العملاء.

 

 

وتختتم الناشطة مريم الشرعبي حديثها بالقول:" لتجنب الإفلاس؛ أعتقد أن على رواد المشاريع الصغيرة والناشئة محاولة التكيف مع الظروف الراهنة عبر الابتكار والمرونة، والتركيز على التسويق لكسب الزبون".

 

 

بصيص أمل لرواد المشاريع

 

في افتتاحية المؤتمر الاقتصادي الأول المنعقد في مدينة تعز خلال الفترة 15-17 أكتوبر/ تشرين أول الجاري؛ كشف رئيس الغرفة التجارية الصناعية بالمحافظة شوقي هائل عن مساع للغرفة في تقديم البرامج التدريبية والتوجيهية لرواد الأعمال بهدف مساعدتهم على تطوير مهاراتهم وزيادة فرص نجاح مشاريعهم.

 

وأضاف رجل الأعمال شوقي هائل أن الغرفة التجارية تتبنى نشر ثقافة العمل الحر وتشجيع المواطنين لإقامة مشاريعهم الخاصة، بما يسهم في خلق بيئة اقتصادية نشطة وداعمة للمشاريع الصغيرة والأصغر. مؤكدا تقديم "بنك التضامن" الذي يرأس مجلس إدارته تسهيلات في تقديم التمويل لرواد هذه المشاريع.

 

وللحديث حول الآلية التي ستدعم بها الغرفة التجارية الصناعية بتعز، أوضحت الإدارة في تصريح خاص لـ"المصدر أونلاين" أن ذلك سيتم عبر مركز تعز لرواد الأعمال التابع للغرفة والمتخصص بدعم رواد الأعمال ودعم الشباب، لافتة إلى أن المركز ينفذ بصورة مستمرة دورات تدريبية في المجالات المحاسبية والتسويقية والإدارية لهذه الفئة بهدف تأهيلهم للانخراط في سوق العمل.

 

في السياق، تتطلع رائدة مشروع "الكونكريك" والبخور "أم أيهم" إلى أن يمثل هذا الإعلان فرصة حقيقية لدعم المشاريع الناشئة والصغيرة خصوصا وأن التحديات تتفاقم يوما بعد آخر أمام رواد هذه المشاريع بفعل انهيار الوضع الاقتصادي.

 

 

إدارة سيدات الأعمال

 

تؤكد أروى العمري مدير إدارة سيدات الأعمال في الغرفة التجارية الصناعية أن لديها شعبة خاصة برائدات الأعمال والأسر المنتجة، من خلال منح النساء اللاتي يرغبن في البدء بمشاريعهن الخاصة عضوية مؤقتة تمكنهن من الانخراط في مجتمع رواد الأعمال والاستفادة من التدريبات والأنشطة التي تقدمها الغرفة بالتعاون مع شركائها المحليين.

 

وتضيف العمري في حديثها لـ"المصدر أونلاين" أن إدارة سيدات الأعمال تحاول دعم رائدات الأعمال وتقديم الحلول للمشاكل التي يتعرضن لها خصوصا الإجراءات التعسفية التي قد تحدث من بعض المكاتب الإدارية أثناء تحصيل الضرائب وغيره.

 

وتشير إلى أن الغرفة التجارية الصناعية بتعز تواصل تقديم الاستشارات والفرص التدريبة لرواد ورائدات الأعمال عبر الإعلان في موقع التواصل الاجتماعي أو باختيار المستهدفين وإشعارهم مسبقا للحضور والمشاركة في هذه الأنشطة.

 

وحول ما إذا كانت الغرفة التجارية يمكنها تقديم دعم ملموس لرواد المشاريع الناشئة والصغيرة؛ تقول مدير إدارة سيدات الأعمال إن الوضع الاقتصادي المتدهور ألقى بظلاله على الجميع، مؤكدة أن الغرفة التجارية تتبنى الدفاع عن القطاع الخاص أمام الجهات الإدارية، كما تواصل الرفع برؤيتها الاقتصادية للسلطات الحكومية بصورة مستمرة.

 

وتختتم أروى العمري حديثها بالقول:" يجب على رواد ورائدات الأعمال تطوير مهاراتهم والبحث عن فرص إضافية إلى جانب هذه المشاريع، والانخراط بشكل فعال في المجتمع المدني والفعاليات الشبابية كون ذلك يجعلك أكثر إيجابية".

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص