2024-11-23 الساعة 01:01م (يمن سكاي - المصدر أونلاين)
مقدمة: لحظة غير مسبوقة
في خطوة قد تُعيد تشكيل مفهوم العدالة الدولية وتجدد الثقة بالمؤسسات القضائية العالمية، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارًا طال انتظاره، يقضي باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني. هذه الخطوة، إذا ما تم تنفيذها، ستكون نقطة تحول تاريخية في مسار المحاسبة على الجرائم الدولية، مما يضع قادة دولة إسرائيل في قلب معركة قانونية قد تمتد تبعاتها إلى مستويات غير مسبوقة.
يُنظر إلى القرار باعتباره استحقاقًا قانونيًاً وإنسانيًا طويل الأمد، حيث يعيد تسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي طالما أُهملت في الساحة الدولية. ومع ذلك، فإن الخطوة لا تقتصر على تداعياتها القانونية؛ بل تمتد آثارها إلى المشهد السياسي العالمي، محدثة زلزالًا دبلوماسيًا يفرض تساؤلات ملحة حول حصانة القيادات السياسية، وحدود السيادة الوطنية، وإمكانية إنصاف الشعوب المضطهدة عبر الآليات الدولية.
بينما يُثني أنصار العدالة على هذه الخطوة باعتبارها انتصارًا للقانون الإنساني الدولي، تُثار تساؤلات حول العقبات التي قد تعيق تنفيذ هذا القرار، ومدى استعداد المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته في مواجهة الضغوط السياسية والإقليمية التي تفرضها هذه القضية.
تحليل قانوني للتداعيات الدولية:
قرار المحكمة الجنائية الدولية بمتابعة التحقيقات يمثل لحظة تاريخية للعدالة الدولية ويضع سابقة يمكن أن تؤثر على النزاعات المستقبلية. بينما سيستمر نتنياهو وغالانت بالدفاع عن موقفهما على الساحة الداخلية، سيواجهان تحديات قانونية ودبلوماسية غير مسبوقة على الساحة الدولية أهمها:-
العلاقات الدولية والقانون الدولي: قراءة في التداعيات والمواقف حيال قرار المحكمة الجنائية الدولية
قرار المحكمة الجنائية الدولية الصادر اليوم يمثل اختباراً حقيقيًا لمدى التزام المجتمع الدولي بمبادئ العدالة وسيادة القانون. المواقف المتباينة تعكس صراعات أعمق حول المصالح الاستراتيجية والسيادة الوطنية في عالم تسوده تحالفات متشابكة وأهداف متضاربة.
القرار القضائي قد يشكل تحولًا في مقاربتها للعدالة الدولية، تتفاوت المواقف الدولية بين تأييد القرار ورفضه، وهو ما يعكس مصالح متشابكة وديناميكيات متغيرة في العلاقات الدولية، يمكن أن نرى مواقف متباينة تحكمها العلاقات الاستراتيجية والمصيرية وبيان ذلك على النحو التالي:
الولايات المتحدة: التحديات القانونية والتحالفات الاستراتيجية
باعتبارها الحليف الأبرز لإسرائيل، ويمكن وصفها من قرارات المحكمة بأنها “منحازة سياسيًا”، فقد ترى الولايات المتحدة أن هذا القرار يهدد مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، ويفتح الباب أمام مساءلة حلفائها عن انتهاكات مزعومة للقانون الدولي.
ولذا يتوقع أن واشنطن قد تلجأ إلى الضغط على المحكمة الجنائية الدولية بشكل مباشر أو غير مباشر. وقد تستخدم أساليب دبلوماسية واقتصادية للتأثير على الدول الأعضاء في المحكمة لعرقلة تنفيذ القرار.
حيث هناك بعض تصريحات سابقة أدلى بها مسؤولون أمريكيون تجاه تحقيقات المحكمة في قضايا أخرى. على الصعيد القانوني، يتعارض هذا مع التزامات الولايات المتحدة السابقة تجاه النظام الدولي، مما يعكس ازدواجية في التعامل مع القانون الدولي بناءً على الحلفاء والمصالح.
الاتحاد الأوروبي: بين المبادئ والمصالح
بالرغم من دعم الاتحاد الأوروبي لحل الدولتين واعترافه بالدور المحوري للقانون الدولي، فإن الموقف الأوروبي قد يشهد انقسامات نتيجة المصالح الوطنية المختلفة، حيث من المرجح أن تدعم دول مثل النرويج وإيرلندا القرار، استنادًا إلى مواقفهما المؤيدة للعدالة الدولية والحقوق الفلسطينية.
بينما دول ألمانيا وفرنسا قد تعبران عن تحفظات خشية تأثير القرار على استقرار المنطقة. هذا التحفظ يعكس القلق الأوروبي من تقويض أي جهود دبلوماسية سابقة لتحقيق السلام.
الدول العربية المطبّعة مع إسرائيل: بين الشارع والمصالح الدبلوماسية
الدول العربية التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، مثل الإمارات والبحرين والمغرب، تجد نفسها أمام معضلة قانونية وسياسية، فقد تسعى هذه الدول إلى اعتماد خطاب عام يدعو إلى احترام القانون الدولي دون الإضرار بعلاقاتها الثنائية مع إسرائيل. على النقيض، من المحتمل أن تواجه ضغوطًا داخلية من شعوبها التي ترى في القرار خطوة نحو تحقيق العدالة، مع استمرار العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في ظل هذا القرار قد يُضعف موقفها أمام الهيئات الدولية ويعرضها لاتهامات بعدم الالتزام بمبادئ العدالة والشرعية الدولية.
انعكاسات القرار على إسرائيل
لاشك ان للقرار تداعيات مزدوجة علي الكيان الصهيوني المحتل، علي المستوي الداخلي، الذي يعيش حالة انقسام غير مسبوق، وشعور أكثر من أي وقت مضي أن كيانه الوجودي في خطر، وخارجياً، في ظل خسران الصورة الذهنية التي عمل علي رسمها في الذهنية العالمية من ٧٠ عاما، كدولة ديمقراطية، ملتزمة بحقوق الإنسان، واهم هذه الانعكاسات علي المستوى الداخلي.
الإدانة الدولية التي قد تواجهها إسرائيل نتيجة تصعيد سياساتها تجاه الفلسطينيين من شأنها أن تحدث تغييرات جذرية داخل المشهد السياسي الإسرائيلي:
تأثير القرار على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي
لا شك ان القرار سيكون له انعكاسات على الصرع الإسرائيلي الفلسطيني، خاصة وأن البعد القانوني والدولي، كان حاضراً منذ البدايات الأولي للاحتلال، واتخذ منه الاحتلال شماعة لقضم الأراضي الفلسطينية وخاصة بعد ٤٨، ولذا سيظهر أثر هذا القرار في الصراع علي النحو التالي:
القرار المحتمل من المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين، مثل بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يو آف غالانت، يشكل تحولاً نوعيًا في طبيعة التفاعل الدولي مع الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. إذ يعزز هذا القرار بشكل كبير الموقف الفلسطيني في المحافل الدولية، ويدفع نحو تعزيز الشرعية الدولية للمطالب الفلسطينية بالاعتراف بحقوقهم الوطنية.
ستستغل السلطة الفلسطينية القرار للدعوة إلى محاسبة إسرائيل على ممارساتها التي وصفت مرارًا بـ"جرائم حرب" وفق القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك التوسع الاستيطاني، التهجير القسري، وفرض الحصار على غزة. القرار، إن نُفذ، يمكن أن يخلق سابقة تُجبر إسرائيل على مواجهة عواقب قانونية على أفعالها، مما سيزيد من التحديات أمامها في أي محادثات مستقبلية.
الآثار الرمزية والمعنوية للقرار
القرار سوف يحمل رسالة تتجاوز حدود إسرائيل وحب غزة، وسيعزز دور الناشطين في مجال الانسان، والثقة في الجهود المبذولة في ملاحقة مجرمي الحرب، حيث ان القرار من الناحية الرمزية يعمل على:
التحديات القانونية والسياسية لقرار المحكمة الجنائية الدولية
في ظل اختلال موازين القوي، وعودة الهيمنة الاستعمارية بأساليبها القديمة، سيواجه القرار بعدد من التحديات أهمها:
رفض إسرائيل تنفيذ القرار
إسرائيل ليست طرفًا في نظام روما الأساسي، المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، وتؤكد باستمرار رفضها الاعتراف بولايتها القضائية. يشكل هذا تحديًا كبيرًا من حيث تنفيذ قرارات المحكمة، حيث يعرقل التعاون اللازم لإجراء تحقيقات فعّالة أو محاكمات عادلة. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تقويض قدرة المحكمة على فرض إجراءات حقيقية على الأرض.
الضغط على المحكمة الجنائية الدولية
الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة التي تعد حليفًا وثيقًا لإسرائيل، قد تستخدم نفوذها السياسي والدبلوماسي للضغط على المحكمة من أجل تعليق التحقيقات أو إلغائها. هذه التدخلات قد تعكس ازدواجية المعايير الدولية وتثير تساؤلات حول قدرة المحكمة على الحفاظ على استقلاليتها في مواجهة الضغوط الجيوسياسية.
ازدواجية المعايير الدولية
القرار يفتح بابًا للانتقادات بشأن الانتقائية في العدالة الدولية. فبينما تواجه إسرائيل تحقيقات دولية، لا تخضع دول أخرى يُزعم ارتكابها جرائم مشابهة لمثل هذه الإجراءات. هذا قد يعزز الشعور بعدم التوازن ويؤثر على مصداقية المحكمة في أعين بعض الدول.
خاتمة: عدالة تتحدى المصالح السياسية
في نهاية المطاف، سيكون لهذا القرار تأثير مزدوج: رمزياً، سيمثل خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة للفلسطينيين، وسيكشف عيوب النظام الدولي في مواجهة المصالح السياسية للقوى الكبرى. وعملياً، سيضع صعوبات كبيرة أمام إسرائيل، سواءً على المستوى السياسي أو القانوني.
إن نجاح القرار يعتمد بشكل كبير على الدعم الدولي للعدالة وسيادة القانون، ولكنه يثبت مجددًا أن الحقوق الفلسطينية حاضرة على أجندة العالم، حتى في ظل الواقع السياسي المعقد.
*توفيق الحميدي محامي وناشط حقوقي يمني