2015-05-27 الساعة 02:42ص (يمن سكاي - عبد الحفيظ محبوب)
تعد الفوضى في الشرق الأوسط عرضاً جيوسياسياً جانبياً، عندما توضع على خلفية إعادة ترتيب العلاقات بين القوى العظمى، خصوصا حينما يتم النقاش بشأن مستقبل القوة الأميركية عام 2050، في ظل شكوك الحلفاء والخصوم بأن تبقى الولايات المتحدة تسير في المسار نفسه.
على الرغم من أن هناك مقتنعين بأن مكونات القوة الأميركية، منها الجغرافيا، والديمغرافيا، والموارد، والحيوية الاقتصادية، والبراعة التكنولوجية، والقوة العسكرية، والحيوية الاقتصادية وغيرها، تجعل الولايات المتحدة لا تزال تمسك بزمام القيادة حتى الآن، وحتى في المستقبل المنظور، على الرغم مما أصابها من ركود سياسي.
ما يجعل الولايات المتحدة تتخذ من آسيا نظرة طويلة الأجل، من أجل ضمان استمرار قوتها، جعلها تقدم على توقيع اتفاقية تعاون عسكري مع اليابان، ما يعني أن تراجع أميركا سابق لأوانه، وتثبت تلك الاتفاقية أن الولايات المتحدة لم تغادر أصلاً، بل هي منشغلة بنهج جديد للتعامل مع الاضطرابات العالمية التي تعد الأكثر عنفاً منذ قرون.
تركز الولايات المتحدة على التعاون والتنافس والصراع في العلاقة مع القوة الصينية الصاعدة، وتراجع استراتيجيتها تجاه الصين، بهدف احتفاظها وسيطرتها على شرق آسيا الذي تعتبره الصين الحديقة الخلفية لها، وتطالب الغرب والولايات المتحدة بأنه حان الوقت ليتخلص الغرب من معتقداته القديمة.
لذلك، اتجه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى الأخذ من واقعية وزير الخارجية الأميركي الأسبق، والشهير، هنري كيسنجر، في التعامل مع الصراع في منطقة الشرق الأوسط، ويمنح العون في آن واحد لكلا الجانبين في الانقسام المتسع بين السنة والشيعة، ويستخدم ورقة داعش، لتعزيز نظريته تلك، لكن عاصفة الحزم التي قادتها السعودية جاءت مناهضة لاستراتيجية أوباما في المنطقة.
بعد تقديمه فصلاً جديداً من العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي، في خطابه في القاهرة عام 2009، انتقل أوباما اليوم إلى مرحلة جديدة، هي عقد صفقة نووية مع إيران، لكنه لا يتحدث عن رعاية إيران الإرهاب في الخارج والقمع في الداخل، وتركيزه منصب فقط على الحد من طموحات إيران النووية، بل لا توجد حتى إشارة قاطعة إلى وقف برنامج إيران النووي.
لكن بعضهم سيعتبر الخطوة التي استعارها أوباما من كيسنجر لا تنسجم، إلى حد كبير، مع استراتيجية كيسنجر التي استخدمها عام 1972، عندما صدم العالم بعدما حقق تقارباً مع الصين في عهد ماو تسي تونغ، تقارب للحس الأخلاقي، إذ لم يأت بيان شنغهاي على ذكر معسكرات الاعتقال، ولم يطالب الصين بإنهاء مغامراتها في العالم الثالث، بل كان تركيز كيسنجر على فصل بكين عن المحور السوفييتي، لخدمة المصالح الأميركية، من أجل انتصار الغرب في الحرب الباردة.
"تدرك دول الخليج أن طلب ضمانات في قمة كامب ديفيد التي عقدت لن تحصل، وضمان الضمانات غير ممكن"
عندما يقدم أوباما دعمه إنشاء قوة عربية، على الأقل، فإنه يراها كافية لإقناع دول الخليج بالعدول عن التفكير في أي برامج نووية خاصة بها، خصوصا السعودية التي لديها تعاون كبير مع باكستان، ويمكن أن تحصل منها على سلاح نووي، بعدما كان أوباما يهدئ من روع الخليجيين حيال توقيع الاتفاق النووي مع إيران، عندما لمح مراتٍ، في أكثر من خطاب، بأن للعرب أيضا حق في تخصيب اليورانيوم، مثلما هو حق إيران. واليوم، يتراجع عن مواقفه تلك، ما يعني أن دول الخليج لم تعد تثق في مواقفه المتناقضة والغامضة، ولكن، عليها أن تسرع في تشكيل تلك القوة العربية المشتركة، لتكون أمراً واقعاً، خصوصا أن دول الخليج ترى أن كلام أوباما، أحياناً، لا يتطابق مع الواقع، وهناك أمثلة عديدة، منها عدم وفائه بالتزامه بأمن العراق، بعد سحبه القوات الأميركية، ولم يفعّل اتفاقية بودابست عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم والموقعة عام 1994، ونصت على إلزام روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة بحماية ضمان حدود أوكرانيا وسلامتها، في مقابل تخلي الأخيرة عن أسلحتها النووية.
كما أن دعم أوباما تشكيل تلك القوة العربية المشتركة نهج كلاسيكي لميزان القوة في التعامل مع الشرق الأوسط، حتى يتفرغ لمحور آسيا ومواجهة المارد الصيني، على الرغم من انقسام العرب، لكن عاصفة الحزم أعطت جامعة الدول العربية قوة في الموافقة على إنشاء قوة عربية مشتركة، أصابت العالم بالذهول، خصوصا بعدما ذهب التنسيق العسكري العربي تاريخياً أدراج الرياح. ودول الخليج، بقيادة السعودية، ومصر أيضا، مصرة على وضع حجر الأساس لتلك القوة العسكرية المشتركة، وهي تسابق الزمن، لأن العرب مقتنعون بأن الخطط الإمبراطورية الإيرانية في المنطقة سوف تتأكد بعقد الاتفاق النووي. كما تدرك دول الخليج أن طلب ضمانات في قمة كامب ديفيد التي عقدت لن تحصل، وضمان الضمانات غير ممكن، بل حتى الاتفاقات طويلة الأجل التي يوقعها أوباما مع إيران ومع دول الخليج يمكن مراجعتها بعد مقدم الرئيس الأميركي الجديد، مثلما نقض أوباما تعهداتٍ بوقف بناء مستوطنات إسرائيلية، وهذا هو العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ، توم كوتون، يهدد ملالي طهران بأن الاتفاق الذي يتوصل إليه أوباما معهم سيتم إلغاؤه، ما لم يعتمده الكونغرس.
أصبحت واشنطن وطهران محل تركيز الغضب والقلق العربيين، ولن يثق العرب في أي اتفاقات، أو في أي ضمانات، وهذه بمثابة صحوة عربية، خصوصا مع الكارثة الحادثة في سورية، بعدما تخلى أوباما عن خطوطه الحمراء. والعرب، مثل أي قوة أخرى في العالم، هم من يمتلكون حق مصيرهم، وهم متفقون بأنهم يواجهون أزمة لا تحتمل وتحديات مزدوجة، وليس من سبيل للاعتماد على الولايات المتحدة، أو غيرها، ولا من سبيل آخر غير تأسيس قوة عربية مشتركة، تضطلع بمهام سريعة وفعالة.
وسيشهد تشكيل تلك القوات محطات صعبة، نظرا لتفاوت نظم الاتصالات والتنظيم والإمدادات والعقائد وغيرها من محطات. على الرغم من ذلك، تصر دول الخليج ومصر على تجاوز كل تلك المحطات، وكل تلك الصعاب، وهي أقل تحد من التحديات التي تواجه الأمة العربية، خصوصا أن المنطقة مقبلة على مرحلة ما بعد أميركا، فعليهم التحرك سريعا للدفاع عن مصالحهم، وحيث لا يوجد بديل آخر عن التكامل العسكري العربي الذي أصبح أمراً حتمياً لا محيد عنه.