أهم الأخبار

في الذكرى 35 للوحدة اليمنية.. العلم الوطني يعيش غربة على أرضه وبين أبنائه

2025-05-22 الساعة 11:21م (يمن سكاي - المصدر أونلاين)

مع حلول الذكرى الخامسة والثلاثين للوحدة اليمنية التي أُعلنت في 22 مايو 1990 بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، التي كانت تتركز في جنوب وشرق البلاد، والجمهورية العربية اليمنية شمال وغرب، يجد علم الوحدة نفسه في حالة غربة مؤلمة على تراب وطنه، في مختلف مناطق البلاد.

وكانت ميليشيا الحوثي قد استبقت الذكرى باختطاف الناشط المجتمعي محمد محمد صالح اليفاعي في محافظة ذمار، منتصف الشهر الجاري، إثر دعوته إلى رفع العلم الوطني على المؤسسات الحكومية احتفاءً بالمناسبة. وقال الصحفي فؤاد النهاري إن اليفاعي أُخذ من منزله بعد نشره دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب بإحياء المناسبة الوطنية برفع العلم.

وقال ناشطون على مواقع التواصل إن اليفاعي كان يصور الأعلام الممزقة على أسطح المؤسسات ضمن حملته للدعوة لرفع العلم على المؤسسات وتغيير التالف منها. واليوم ومع حلول الذكرى، ظهرت ابنته "جلاء" على سطح منزله وهي تنزل علماً قديما وترفع العلم الجديد احتفاء بالمناسبة، وتذكيراً للناس بأن والدها ما يزال قيد الاحتجاز في سجون الميليشيا.

ويُعد اختطاف اليفاعي جزءً من سلسلة طويلة من الانتهاكات التي ترتكبها جماعة الحوثي بحق المواطنين الذين يحاولون التعبير عن انتمائهم للجمهورية اليمنية عبر الاحتفال بالمناسبات الوطنية أو رفع العلم. ففي كل ذكرى لثورة 26 سبتمبر – الثورة الجمهورية التي أطاحت بالحكم الإمامي عام 1962 – تشن الجماعة حملات قمع ضد المحتفلين، تستهدف بشكل خاص حاملي الأعلام.

في سبتمبر 2023 و2024، اعتدت ميليشيا الحوثي على شباب كانوا يرفعون العلم الوطني في ميادين صنعاء وإب والحديدة وذمار، واعتقلت المئات منهم. وظهر في مقاطع مصورة نُشرت على منصات التواصل، عناصر حوثيون وهم يضربون شبانًا يهتفون: "بالروح بالدم نفديك يا يمن"، فيما جرى تمزيق الأعلام ورميها أرضاً أمام الكاميرات.

ورغم نفي الجماعة مسؤوليتها الرسمية عن تلك الاعتداءات، أقرت في عدد من المناسبات بصحة الفيديوهات، التي قالت إن من ظهر فيها لا يتبع الأجهزة الأمنية، كعادتها حين تحمل الجرائم التي يرتكبها عناصرها لـ"تصرفات فردية". لكن ناشطين ومصادر محلية أكدوا أن المنفذين في تلك الفيديوهات هم قيادات وعناصر حوثية تتبع الجماعة بشكل مباشر.

وبشكل رسمي ما تزال الجماعة ترفع شكلياً العلم اليمني في محافلها الرسمية وعلى ناصية المؤسسات الحكومية في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، غير أن رفع المواطنين للعلم في الشوارع يغيظها ويدفعها للهستيريا، إذ ترى فيه رمزاً لثورة اليمنيين الأم ضد حكم الإمامة في البلاد، والتي يعدون مشروعهم امتداداً فكرياً وسياسياً لها.

وبينما تبدو سلطة الحوثيين عازمة على تقويض أي مظهر من مظاهر الانتماء الوطني، يعيش العلم اليمني عزلة مشابهة – وإن اختلفت دوافعها – في المحافظات الجنوبية، حيث يبسط المجلس الانتقالي سيطرته، ويمنع رفع العلم على واجهة المباني الحكومية بمحافظات عدن لحج أبين الضالع وشبوة، ويرفع في الأربع الأولى بشكل كامل علم دولة ما قبل الوحدة.

وفي مايو 2022، وقبل يوم من حلول الذكرى الـ32 للوحدة، اقتحم مسلحون تابعون للمجلس الانتقالي على المبنى الذي كان يقيم فيها عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح داخل قصر معاشيق، مقر الحكومة في عدن، وأنزلوا العلم من على المبنى، كان رفع احتفاء بالمناسبة التي يراها امتداداً لتاريخ عمه الراحل علي عبدالله صالح، ليغادر طارق عدن إلى مدينة المخا في الساحل الغربي لمحافظة تعز، ويرفض العودة إلى عدن منذ ذلك الحين.

وتتمسك قوات طارق وكيان المقاومة الوطنية التابع له برفع العلم في المكاتب وشوارع المخا وذوباب غرب تعز والمديريات الواقعة تحت سيطرة قواته جنوبي الحديدة، غير أن قيادات في إعلام المقاومة الوطنية التي يرأسها، التقوا مؤخراً مع قيادات إعلامية تابعة للمجلس الانتقالي وجميعهم مدعوم من الإمارات، تحت علم التشطير وشعار المجلس الانتقالي دون أي وجود للعلم الوطني.

وبينما يبرر أنصار طارق هذه الخطوة بضرورة التوحد والاصطفاف مع الانتقالي من أجل مشروع استعادة الجمهورية من ميليشيا الحوثي، رأى نشطاء كثر على مواقع التواصل هذه الصورة التي لم تكن ممكنة قبل سنوات، تراجعاً ضمنياً من طارق عن تشدده السابق في موضوع الوحدة، وانسجاماً متزايداً مع ملامح النفوذ الإماراتي الذي يجمع حلفاءه تحت مشروع سياسي واحد يتجاوز شعارات الدولة اليمنية الموحدة.

لاحقًا، وفي أغسطس 2022، أعقبت سيطرة قوات "دفاع شبوة" و"العمالقة" المدعومتين من الإمارات على مدينة عتق، حملات مسعورة استهدفت العلم اليمني، وأظهرت المقاطع المصورة جنودًا وهم يدوسون العلم الوطني بالأقدام والمدرعات، في مشهد أثار صدمة واسعة داخل الشارع اليمني، لكنه لم يقابل بأي إدانة رسمية.

ويغيب العلم اليمني اليوم بشكل كلي عن معظم المقرات الحكومية في عدن، والمناطق الخاضعة للانتقالي، ولا يُرفع في اجتماعات المسؤولين، ولا يظهر في اللقاءات الإعلامية، بل بلغ الأمر حد أن وكالة "سبأ" الرسمية نشرت صورا لمسؤولين وهم يجتمعون تحت علم الانفصال، وهناك فئة من المسؤولين الذين لا ينتمون إلى الانتقالي، يظهرون في مقار أعمالهم بدون أي علم، خشية إثارة حفيظة المسلحين التابعين لقوات الإنتقالي التي تفرض سيطرتها على عدن. واللافت أن هذه السياسة باتت متكررة بشكل واضح، في ظل صمت مجلس القيادة الرئاسي الذي يتخذ من عدن مقرًا له.

وتغييب العلم لا يُعد انتهاكا رمزيا فحسب، بل يمثل تقويضاً فعلياً لمبدأ الدولة الواحدة، ورسالة سياسية واضحة بأن سيطرة السلاح تفوق سلطة القانون اليمني، الذي أقر عقب الوحدة عام 1990، ويُجرّم أي إهانة للعلم الوطني، ويعاقب من يسقطه أو يهينه بأي وسيلة، لكن الواقع السياسي والعسكري الذي تعيشه البلاد منذ سنوات، جعل من هذا النص القانوني حبرًا على ورق.

في المقابل، يختلف الأمر في محافظات الأخرى، ففي مارب يحتفى كثيراً بالعلم الذي نصبت له سواري عملاقة وسط المدينة، أبرزها في دوار الشهيد عبدالغني شعلان، وتعد معلماً يقصدها الزائرون لالتقاط الصور الى جوار العلم، كما يحضر أيضا في اجتماعات السلطة المحلية وينتشر في الشوارع بشكل لافت، لاسيما في المناسبات والأعياد الوطنية. وهو تقريباً نفس الحال في مدينة تعز وأريافها الواقعة تحت سلطة الحكومة الشرعية.

الأمر ذاته يحدث في وادي وصحراء حضرموت التي ما زال علم اليمن حاضراً في كل مرافقها، بينما يختلط الأمر كثيراً في الساحل، حيث يتعايش العلم اليمني وعلم دولة اليمن الديمقراطية ما قبل الوحدة، وتجدهما حاضرين على كتفي جنديين في نقطة عسكرية واحدة، مع حضور لعلم آخر تماماً يرفعه المنادون بإقامة دولة حضرموت في مناطق مختلفة من وادي وساحل المحافظة.

وفي المهرة، أقصى الشرق اليمني، ما زال العلم الوطني حاضراً في الشوارع وعلى المؤسسات والمرافق الحكومية، مع وجود طفيف لعلم الانفصال في مناطق قليلة بالمحافظة، ورغم محاولات عناصر في الانتقالي الجنوبي إنزال العلم من على القصر الجمهوري بالغيضة، مركز المحافظة، بالتزامن مع زيارة عيدروس الزبيدي في مارس الماضي، إلا أن قوات الأمن أعادته إلى سطح المبنى.

في أرخبيل سقطرى الواقع في المحيط الهندي والخاضع لسيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، لا يقتصر المشهد على رفع علم "الانفصال"، بل يبرز علم دولة الإمارات بشكل لافت، مثيراً انتقادات واسعة، ليس فقط من سكان الأرخبيل، بل حتى من سُيّاح أجانب لاحظوا الظاهرة. وفيما يبرّر حلفاء أبو ظبي الأمر بأنه يأتي تقديرًا للمساعدات الإنسانية التي تقدمها الإمارات، يرفض كثير من اليمنيين ذلك، ويروا فيه محاولة لتطبيع النفوذ الإماراتي في سقطرى، وخطوة قد تنطوي على مطامع جيوسياسية تُهدد سيادة البلاد.

ورغم كل شيء، يصر بعض النشطاء والمواطنين على رفع العلم الوطني في المناسبات العامة وفي أسطح المنازل، معتبرين ذلك تعبيرا عن التشبث بالجمهورية والوحدة، حتى وإن بدا ذلك أقرب إلى الفعل الرمزي المقاوم أكثر من كونه احتفالًا رسميا.

وفي بلد يعيش على وقع التشظي، لم يعد الصراع على الأرض وحده ما يحدد ملامح السلطة، بل أصبح العلم – هذا الرمز البسيط – ميدانًا لمعركة هوية بين مشروع دولة وطنية ومشاريع سلطات أمر واقع، وبينما تتهاوى الهياكل الرسمية، تبقى الرموز هي آخر ما يربط اليمنيين بجمهوريتهم التي تتعرض يومًا بعد يوم للتآكل.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص