أهم الأخبار

أحد الناجين من مذبحة هران يروي تفاصيل خطيرة ويكشف عن آخر ما دار بينه وبين "قابل والعيزري"

2015-06-03 الساعة 10:51م (يمن سكاي - GYFM)

لم يكن الصحفيان عبدالله قابل ويوسف العيزري يعتقدان وهما يتوجهان إلى مديرية الحداء بمحافظة ذمار في مهمة صحفية، أن الأربعاء 19 مايو الماضي سيكون الخروج الأخير بالنسبة لهما، وأنهما لن يعودا إلا جثتين هامدتين، وأن الوعيد الذي تلقوه مراراً من ميليشيات جماعة الحوثي سوف ينفذ بطريقة لم تكن تخطر على بال أحد.

ظهر الأربعاء، اختطفت ميليشيات الحوثي الصحفيين قابل والعيزري وهما مراسلان لشاشتي يمن شباب وسهيل الفضائيتن، مع رفيقهما الناشط الإعلامي حسين العيسي، في نقطة عند المدخل الشمالي للمدينة. أوقفوا السيارة التي كانوا يستقلونها، وأخذوا كلما بحوزتهم من كاميرات وهواتف، وربطوا أعينهم، واقتادوهم إلى المعتقل الرهيب في جبل هران، شمالي المدينة.

تتوسط "تلة" هران "تلة مساحة من الأرض بعضها تسمى مجازاً "حديقة للأطفال"، وفيها بنايتان إحداهما للآثار، فيما خصصت الأخرى كمركز للرصد الزلزالي. وأصبحت المساحة كلها بعد سيطرة الحوثيين، ثكنة عسكرية تحوي أسلحة، وفي أعلى التلة مضاد للطيران.

لم يدرك المختطفون أنهم في مبنى الرصد الزلزالي، إلا بعد أن أزاحوا العصابات من أعينهم، واغلقوا عليهم الباب، فاتجه ثلاثتهم إلى نافذة تطل على باحة المبنى الغربية، شاهدوا سارية العلم في مبنى أعلى جبل هران.

ومنذ ظهر الأربعاء إلى ما بعد ظهر الخميس، تم الزج بالثلاثة في غرفة بمبنى الآثار، دون أن يعرفوا أو يلتقوا بقية المعتقلين في المبنى، فيما يقول الناجي من الثلاثة، وهو "حسين العيسي" لـ GYFM إنهم تعرضوا لمعاملة سيئة، أدناها اتهامهم كصحفيين بالخيانة. مسلحون اقتحموا زنزانتهم عدة مرات وهددوهم بالضرب. يضيف العيسي "صحيح أنهم لم يحققوا معنا، إلا أننا لم نتناول من الطعام إلا النزر اليسير، ولم يسمحوا لنا بالخروج إلى دورة المياة إلا مرة واحدة في اليوم، وكانوا يخاطبونا بلفظ "دواعش".

قبل أن يُوْدَعَ ثلاثتُهم سجن هران، كانت الأنباء تتناقل موضوع تخزين الحوثيين للأسلحة هناك. عاشوا لحظات توتر ظهر اليوم الثاني الخميس خصوصا بعد سماع تحليق طائرات التحالف التي يعلم الحوثيون يقينا كما هم أيضا السجناء أن حديقة هران هدف مؤكد لها.

يقول حسين "أيقنا أننا دروع بشرية، قرر الحوثيون ذلك عن عمد.. وأثناء توترنا واضطرابنا كنا نطرق الباب بقوة، استغنا بمسلحي الحوثي وحراس السجن، وكانت الفاجعة أننا فوجئنا بخلو المكان من أي حوثي!! غادروا المكان وتركونا لوحدنا، وهذا هو أبشع أنواع الموت".

أضاف حسين لـ GYFM إن ولده أحمد أخبره بأنه جاء مع أحد أخواله ووصلوا إلى المكان الذي كنا مسجونين فيه ومعهم ملابس وأكل ومستلزمات، وسألوا الحراس عن وجودي فقالوا لهما إنه لا يوجد أحد بهذا الاسم.. وأضاف ولده أحمد "قالوا لنا إذهبوا من هنا الآن، الطائرة ستقصف!!". بعد نصف ساعة من مغادرة أحمد حسين العيسي وخاله المكان قصفت الطائرة بالفعل..

وفيما كان الثلاثة الصحفيون ينظر بعضهم في وجه بعض ليقرأ كل منهم ذات العنوان وذات خبر الاستشهاد في عيون الاثنين الآخرين، حدثت الفاجعة، وحلق طيران التحالف على بعد آلاف الأقدام مسددا رميته باتجاه "هران" حديقة الأطفال التي حولها الحوثيون إلى حائط مبكى وشاهد على وحشية الجماعة المتطرفة.. يقول العيسي.

فتحت الطائرة حاجز الصوت وشعر الجميع بالرعب، قصفت الطائرة المكان، كأنها قصفت مدينة ذمار بأكملها. وأفاق "حسين العيسي" فجأة!! ليركز على أن جهازه التنفسي ما زال يعمل، كمن يكتشف لأول مرة في حياته أهمية الشهيق والزفير!! لكن الركام كان يضغط عليه من كل جانب. وتمكن بصعوبة من رؤية بعض الأيادي التي انتشلته بصعوبة من تحت الأنقاض. بعد قليل اتضح له أنه طاقم اسعافي من مستشفى ذمار العام، نقله مع عدد من الجثث والمصابين الذين ظهروا على سطح الركام إلى المستشفى. وماذا عن رفيقيك؟ لا أعلم!!! أجاب حسين العيسي بمرارة.

لا حقا فرضت جماعة الحوثي طوقاً أمنيا على المكان وحالت دون دخول أحد.. وفي اليوم التالي أقبلت أم الصحفي عبدالله قابل وأخوه، وأقارب للصحفي يوسف العيزري. قالت أم عبدالله إنها وأهلها تلقوا تطمينات من عدة جهات ترتبط بالحوثيين، وأخرى من قيادات أمنية وعسكرية محسوبة على المخلوع صالح، فمرة قالوا لها بأنهم شاهدوهم في أحد المستشفيات، ومرة أخبروها أن الحوثيين نقلوهم بعد نجاتهم إلى معتقل آخر!. تقول أم قابل "لم تفلح كل محاولاتنا وبحثنا في الوصول إلى نتيجة، خمسة أياااام كأنها خمس سنوات بالنسبة لي".

بعد ظهر الاثنين (اليوم الخامس للقصف) سمح الحوثيون لفريق من الهلال الأحمر اليمني بانتشال من هم تحت الأنقاض. كان أهالي الضحايا يحضرون وسط إجراءات أمنية مشددة فرضه الحوثيون. وقبل مغرب الاثنين انتشلوا جثة الصحفي قابل، لقد تمكنوا من التعرف عليه بصعوبة. وفجأة كما تقول المصادر "أوقف مسلحو الحوثي البحث عن البقية حتى ظهر اليوم الثاني" وهو اليوم الذي انتشلوا فيه جثة الصحفي يوسف العيزري، وفي وقت المغرب أيضا.

كانت فاجعة "هران" مؤلمة جدا بالنسبة لمدينة كانت آمنة إلى أكتوبر 2014 حين وصلتها ميليشيات الحوثي. وعكست الفاجعة نفسها على الحشد الذي شيع الصحفيين الذين تعرضا لأبشع انتهاكات القرن، بحجة ممارسة عملهما الصحفي الذي يفضح الممارسات الخاطئة للحوثيين في وسائلهم الإعلامية.

تقول المصادر إن بشاعة تركهما تحت الأنقاض وتظليل أهاليهما لستة أيام، ومعهم العديد، أشد من ممارسة التهديد والوعيد ضدهما حينما كانا أحياء منذ بدء عاصفة الحزم.. وأصيب العيسي بجروح في رأسه وكسور في ثلاثة أضلاع وكدمات في معظم أجزاء جسمه.

مطلع أبريل الماضي وزع الحوثيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بلاغا عن لجنتهم الثورية، نص على ملاحقة واعتقال 18 صحفياً وناشطاً إعلامياً وحقوقياً في المحافظة، كان "قابل والعيزري" على رأسها، وظلت تلاحقهم، بمبرر تأييد "العدوان السعودي" وأن وجود هذه الأسماء في مسرح العملية السياسية "خطر على الرأي العام والمجتمع اليمني" حسبما ورد في البلاغ.

وفي حين بقي الزميلان متخفيين طوال الفترة التي سبقت جريمة هران، فقد كان اجتماع حاشد لقبيلة الحداء بذمار، دافعا قويا لخروج العيسي وقابل والعيزري لتغطية الحدث. كان قبل قد انتقل للعمل مع قناة بلقيس الفضائية، وما يزال العيزري مراسلا لسهيل.

غادر عبدالله قابل طفلة في الشهر السادس من عمرها، واسمها عائشة تيمنا باسم والدته التي تمارس العمل السياسي كقيادية، وسط مجتمع قبلي منغلق. ومثله يوسف غادر والديه وإخوته، الذين فجعوا به كما لم يفجعوا من قبل. وودعت ذمار عيناها التي كان العالم يراها بهما حسب زملائهم حسين وعبدالله والعيسي الذي ما يزال طريح الفراش، ويصحو من نومه مفزوعاً كلما عاودته ذكرى "هران" وزميلي دربه عبدالله قابل ويوسف العيزري.

الأكثر زيارة
شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص