أهم الأخبار

الانتخابات البرلمانية التركية: المعركة تدور حول الدستور

2015-06-04 الساعة 03:27ص

تنطلق في السابع من يونيو/حزيران الحالي الانتخابات البرلمانية في تركيا، وتعد هذه الانتخابات هي الخامسة والعشرين في تاريخ البرلمان التركي الذي تأسس عام 1920.

ويشارك أكثر من 56 مليون نائب تركي في عملية اختيار 550 عضوا في البرلمان، وتقام الانتخابات بنظام القوائم النسبية الحزبية في الدوائر الانتخابية المختلفة، مع اشتراط حصول أي حزب سياسي على نسبة لا تقل عن 10% حتى يصير بإمكانه الحصول على تمثيل برلماني.

أهمية البرلمان القادم

يسيطر حزب العدالة والتنمية الحاكم على أغلبية مقاعد البرلمان منذ أكثر من 12 عاما ولثلاث دورات انتخابية متتالية. ففي انتخابات عام 2002، حصل حزب العدالة والتنمية على حوالي 34.4% من الأصوات، وفي انتخابات العام 2007 حصل على حوالي 46.6% من الأصوات، وفي انتخابات العام 2011 حصل على حوالي 49.8% من الأصوات. وفي الانتخابات الرئاسية، حصل فيها المرشّح الذي كان ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية وهو الرئيس الحالي «رجب طيب أردوغان» على نسبة حوالي 51.8%، وبشكل عام يثق مسؤولو الحزب الحاكم في تركيا في الحصول على أغلبية برلمانية تسمح لهم بتشكيل الحكومة، ولكن يبقى الهدف الأكبر الذي يسعى إليه الحزب هو كسر عتبة ثلثي المقاعد بما يعني الحصول على 367 مقعدا على الأقل.

وتبدو الساحة الانتخابية التركية أشبه بخلية النحل، خاصة بعد أن أعلن الحزب الحاكم نيته تمرير مشروع تعديل دستوري عبر البرلمان الجديد يتم بموجبه تحويل نظام الحكم في البلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وهو المشروع الذي ترفضه أحزاب المعارضة التي تسعى لتأمين الثلث المعطل للمشروع على الأقل، في حين تلوح قيادات العدالة والتنمية باللجوء للاستفتاء الشعبي المباشر لتمرير المشروع حال فشلت في تأمين الأغلبية المطلوبة داخل البرلمان.

الجديد في هذه الانتخابات أيضا هي مشاركة حزب الشعوب الديموقراطية الكردي لأول مرة بوصفه حزبا سياسيا في الانتخابات (كان يتم ترشيح الأعضاء كمستقلين) ، ويأمل قادة الحزب وسائر أحزاب المعارضة أن يتمكن الحزب الكردي من تخطي حاجز الـ10% اللازمة للتمثيل داخل البرلمان، من أجل تعطيل مشروع الدستور المزمع طرحه على البرلمان القادم.

تكتسب هذه الانتخابات أهمية خاصة أيضا لكونها تأتي بعد سلسلة أزمات مرت بها تركيا كان أبرزها عملية 17 ديسمبر التي مثلت تهديدًا جديًا لحزب العدالة والتنمية، ومن قبلها احتجاجات ميدان جيزي، بالإضافة إلى أنها تأتي بعد حسم حزب العدالة والتنمية للنتخابات البلدية والرئاسية خلال أشهر الماضية، بمعنى أنه لا يوجد بعدها أي استحقاق انتخابي آخر طيلة السنوات الأربع القادمة.

الأحزاب المتنافسة

يتنافس 20 حزبا من أصل 31 حزبا هو مجموع عدد الأحزاب في تركيا في هذه الانتخابات، بينما تشير خريطة الانتخابات التركية أن المنافسة تقع بشكل رئيسي بين 4 أحزاب:

حزب العدالة والتنمية

 الحزب الحاكم في تركيا منذ ما يزيد عن 12 عاما، وأبرز رموزه هم رئيس الجمهورية «رجب طيب أردوغان» ورئيس الوزراء «أحمد داوود أوغلو»، ويطمع الحزب في تأمين أغلبية مريحة تمنحه ثلثي مقاعد البرلمان، وتشير استطلاعات الرأي إلى إمكانية حصول الحزب على 46%- 48% من عدد الأصوات.

يخوض الحزب التركي هذه الانتخابات بعد فقدانه لأكثر من 80 قياديا ترشحوا في الانتخابات البرلمانية الثلاث فترات الماضية ومثلوا الحزب كنواب في البرلمان طيلة 3 فترات انتخابية، ولن يستطيعوا الترشح في الانتخابات القادمة كون حزب العدالة قرر الإبقاء على قانونه الداخلي والذي يمنع أعضاءه من الحصول على عضوية البرلمان لأكثر من 3 مرات.

حزب الشعب الجمهوري

 

أكبر أحزاب المعارضة التركية، أسسه «مصطفى كمال أتاتورك» عام 1923، وهو حزب علماني وغالبا ما يتهم الحزب الحاكم بنقض المباديء العلمانية التي قامت عليها الجمهورية التركية، وتشير استطلاعات الرأي إلى إمكانية حصوله على ما بين 24% -26% من عدد الأصوات.

حزب الحركة القومية

تأسس عام 1965، ويتبنى شعارات الهوية القومية التركية، وتشير استطلاعات الرأي إلى إمكانية حصوله على مابين 13-17% من عدد الأصوات.

حزب الشعوب الديموقراطي

هو حزب كردي يشارك لأول مرة في تاريخه في الانتخابات البرلمانية، وهو أول حزب يساري كردي يجمع الأكراد وتتراوح نسبته في استطلاعات الرأي ما بين 5% - 11%.

سيناريوهات متوقعة

لا تدور المنافسة في الانتخابات التركية القادمة حول الترتيب أو حتى حول تشكيل الحكومة وفقا للمراقبين، فهذا الأمر محسوم في استطلاعات الرأي لصالح الحزب الحاكم وبفوارق مريحة، إنما تدور المعركة بشكل أكبر حول عدد المقاعد وبشكل أوضح حول الدستور التركي، ومدى إمكانية تحول تركيا نحو النظام الرئاسي.

وينص الدستور الذي تم وضغه عام 1982 إثر الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال «كنعان إيفرين» عام 1980؛ وفق المادة 8 منه على أن السلطة التنفيذية تُمارَس وتنفذ من قِبل رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وأبقى الدستور على النظام السياسي بالبرلماني،  حيث يقوم الشعب باختيار البرلمان الذي يقوم باختيار رئيس للجمهورية بينما يعرض رئيس الحكومة حكومته على البرلمان لنيل الثقة.

وفي عام 2007، أُدخلت بعض التعديلات على الدستور شملت انتخاب رئيس الجمهورية من قِبل الشعب مباشرة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، لقد كان هدف «أردوغان» هو تحويل النظام السياسي إلى نظام رئاسي لكنه لم يستطع تحقيق ذلك في هذا الوقت، وفي أعقاب انتخاب «أردوغان» رئيسا في أغسطس/آب 2014 ، أكد مرارا أنه لن يقبل بدور رمزي، وأعلن عن مشروع حزبه للتحول نحو النظام الرئاسي.

ووفقا للباحث «على حسن باكير»، فقد أصبح النظام السياسي التركي قريبًا من النظام نصف الرئاسي أو شبه الرئاسي دون أن يكون كذلك نتيجة الجمع بين نظام برلماني دستوري وبين رئيس منتخب من قِبل الشعب مباشرة بصلاحيات واسعة ومفعّلة، وهو ما خلق وضعا مضطربا لا يمكن للنظام السياسي معه أن يعمل بشكل صحيح نظرا لتضارب الصلاحيات وغياب التوازن بين السلطات.

ووفقا للباحث نفسه، فإنه «ربما لا تظهر المشكلة الآن بوضوح لكن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ينتميان إلى نفس الحزب، لكن هذه المعادلة غير مستقرة ودقيقة ولا يمكن أن تصمد لفترات طويلة، وهي تقوض وفق كثيرين من عملية الفصل بين السلطات وتعمل على تآكل دولة المؤسسات والقانون».

دفع هذا الوضع الملتبس حزب العدالة والتنمية للإسراع في تعديل النظام السياسي إلى نظام رئاسي، بما يتطلب الحصول على أكثر من ثلثي أصوات البرلمان أي 367 مقعدًا من أصل 550 أو الحصول على 333 مقعدا لازمة لطرح التعديل الدستوري على الاستفتاء العام.

انتخابات حول الدستور

تدور الانتخابات حول الدستور إذا، حيث تتفق أحزاب المعارضة على رفض النظام الرئاسي واعتباره مدخلا للاستبداد، وتتمحور حملاتها الانتخابية حول التصويت لها لذلك الغرض، وتأمل المعارضة أن يتمكن حزب الشعوب الكردي من تخطي حاجز الـ10% حتى لا ينجح الحزب الحاكم في تأمين الأغلبية المطلوبة.

في حال فشل حزب الشعوب في تأمين النسبة المطلوبة، فإن حزب العدالة والتنمية غالبا سيحصل على أغلبية ثلثي مقاعد البرلمان بعد أن يتم إلغاء مقاعد حزب الشعوب الديمقراطية الكردي مما سيفتح الباب أمام «داوود أوغلو»  لتشكيل حكومته الجديدة، وربما أمام كتابة دستور جديد للجمهورية التركية الجديدة، تتحول بموجبه نحو النظام الرئاسي.

وأما الانعكاسات السلبية لهذا السيناريو في أن البرلمان التركي الجديد لن يحتوي على أي تمثيل سياسي للأكراد وهو ما سيعطي رسالة سلبية للأكراد الذين أنفقت حكومات العدالة والتنمية خلال السنوات الماضية جهودا كبيرة لإقناعهم بالتخلي عن عدائهم للدولة التركية وبالانخراط في العملية السياسية التركية، بما يهدد بتصاعد نسبي للعنف الكردي في وجه الدولة من جديد.

الأكثر زيارة
شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
النص