2015-02-10 الساعة 10:33ص
تتجلى المشكلة الأكبر أمام الحوار الليبي، في الانقسامات داخل المعسكرين في البلاد: معسكر "فجر ليبيا" ومعسكر "عملية الكرامة". وتظهر العراقيل في أشكالٍ عدة، سواء في موضوع مكان الحوار أو تمثيل الأطراف المتحاورين فيه. مع العلم أن المبعوث الخاص للأمم المتحدة، برناردينو ليون، حاول الدفع قدماً في اتجاه الحوار.
ودعا ليون قادة عسكريين من قوات "فجر ليبيا" لإجراء محادثات حول ترتيبات متعلقة بوقف إطلاق نار دائم في ليبيا، وكيفية الانسحاب من المدن، وتسليم المقار الرئيسية المدنية والعسكرية لحكومة التوافق الوطني، المنوي الاتفاق بشأنها في حوار الفصائل السياسية.
وجاءت دعوة ليون لأطراف من "فجر ليبيا" بعد إعلان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عن بدء جولة جديدة من الحوار الليبي في مكتب الأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية في 13 كانون الثاني/يناير الماضي. وكان مقرراً أن تنطلق جلسات الحوار مع قادة عسكريين من عملية "فجر ليبيا"، وقادة من "مجلس شورى ثوار بنغازي" في مدينة إسطنبول التركية، مطلع الأسبوع الماضي، إلا أن حضور ممثلين غير مؤثرين ومحسوبين على عملية "فجر ليبيا" أفشل جلسة الحوار الأولى.
وطالب قائد عسكري من "مجلس شورى ثوار بنغازي"، رفض حضور الجلسة الأولى، بأن يكون ممثلو قوات "فجر ليبيا"، من الذين يملكون تأثيراً فعلياً على الأرض. وذلك في معرض تعليقه على حضور المتحدث باسم قوات "درع الوسطى" أحمد هدية، الذي يختلف قادة عملية "فجر ليبيا" حول تمثيله لها.
ووفقاً للمراقبين، فإن كلا طرفي الحوار من القادة العسكريين، سواء من معسكر قوات "فجر ليبيا"، أو الموالين للواء خليفة حفتر، يواجه تحدّيات عدة، تبدأ من الانقسام الحاصل داخل كل معسكر. إذ تميل قوات "درع الوسطى" المقربة من عضو لجنة الحوار الليبي فتحي باشا أغا، إلى وقف إطلاق النار، الذي أعلنته من جانبها فقط، من دون الاتفاق مع باقي قادة المحاور في عمليتي "فجر ليبيا" و"الشروق" لتحرير الهلال النفطي. مما حدا بقادة من العمليتين إلى إعلان عدم التزامهم بوقف إطلاق النار.
الولايات المتحدة وحدها فقط القادرة على سحب حفتر من المشهد الحالي، عبر إصدار أمر مباشر له
وهو ما يمكن قياسه على معسكر "عملية الكرامة"، التي تشهد تصدّعات على مستوى التصريحات الإعلامية بين قادتها ومؤيديها، بينما لم تتأثر حتى الآن بالتراشق بين أطرافها وقادتها من الناحية العملياتية على الأرض.
فقد أدلى وزير داخلية حكومة الأزمة عمر السنكي، بتصريحات صحافية قال فيها، إن "دور عملية الكرامة انتهى الآن، ويجب تسليمها بالكامل، قيادة وتخطيطاً، إلى رئاسة الأركان العامة المنبثقة عن مجلس نواب طبرق المنحلّ، بقيادة اللواء عبد الرازق الناظوري".
وجاء كلام السنكي، في سياق قوله إن "الولايات المتحدة طالبت مجلس النواب المنحلّ بإبعاد حفتر من المشهد الحالي"، مضيفاً أن "الولايات المتحدة شددت في رسالتها الرسمية إلى المجلس، على ضرورة استبدال حفتر بشخصية مقبولة لدى الجميع، كما أكدت ضرورة استبدال بعض القادة الموالين لحفتر، في القوات التابعة لرئاسة الأركان الموالية للنواب".
واعتبر محللون أن "تصريحات السنكي، غير مؤثرة، على اعتبار أن عملية الكرامة انطلقت بقيادة حفتر، قبل انتخابات مجلس النواب في 25 يونيو/حزيران من العام الماضي، وقبل انعقاده في شهر أغسطس/آب الماضي".
وأشاروا إلى أنه "لم يكن لمجلس النواب المنحل علاقة من الأساس باستدعاء حفتر، وغير قادر الآن على إخراجه من المشهد، وأن الولايات المتحدة وحدها فقط هي القادرة على سحبه، عبر إصدار أمر مباشر له، أو رفع الدعم عنه وتجفيف مصادره".
ويرى المراقبون أن "انتقال هذه الخلافات إلى سطح تبادل التصريحات الإعلامية، يُصعّب من مهمة ليون في جمع ممثلين فعليين من القادة العسكريين، قادرين على فرض مخرجات أي عملية حوار على الأرض. ويحتاج ليون في المفاوضات المقبلة، إلى التعامل مع كل طرف على حدة، لاستيلاد موقف موحّد داخل كل معسكر".
وعلى الرغم من أن قادة عملية "فجر ليبيا" من العسكريين، أعلنوا في أكثر من مناسبة تأييدهم التامّ لـ "المؤتمر الوطني العام" (البرلمان السابق)، كممثل سياسي وواجهة الدبلوماسية لهم، بل إنهم دعوه حتى للانعقاد عقب سيطرة "فجر ليبيا" على العاصمة طرابلس، إلا أن مراقبين ومتابعين للشأن الليبي يقللون من أهمية هذه الإعلانات. ويرون أن "إمكانية التمرد على توجيهات المؤتمر السياسية من قبل القادة، ممكنة في أية لحظة، بسبب تحلل العلاقات التراتبية والتنظيمية بعد سقوط النظام السابق".
ويعتقد المتابعون أن "مسار الحوار بين العسكريين سيكون الأصعب، ليس فقط للخلافات الداخلية الخاصة بكل فريق، بل لعدم اعتيادهم على خوض مفاوضات طويلة تفضي إلى أنصاف حلول، كما أن تصور تناغم مخرجات الحوار بين السياسيين، والحوار بين المسلحين غير واضح المعالم على الأقل في المرحلة المقبلة".